عودة الصادق المهدي للسودان بعيون السلطة والمعارضة

05 ديسمبر 2018
أمضى المهدي عاماً كاملاً في المنفى الطوعي (إبراهيم حميد/الأناضول)
+ الخط -
بات في حكم المؤكد أن تحط طائرة رئيس حزب الأمة القومي السوداني المعارض، الصادق المهدي، في مطار الخرطوم، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أي بمناسبة الذكرى الـ62 لاستقلال البلاد، وذلك بعد نحو عام من منفى طوعي أمضاه ما بين الخرطوم والعاصمة البريطانية لندن. وأبدى المهدي وحزبه إصراراً على العودة إلى البلاد، رغم الغموض بشأن الطريقة التي ستتعامل بها السلطات السودانية مع تلك العودة، عطفاً على تحفظ الحكومة، وعلى رأسها الرئيس عمر البشير، الذي أعلن رفضه لجمع المهدي بين العمل السياسي المدني والتحالف مع مجموعات مسلحة "متمردة". وإثباتاً لذلك، ما أن أعلن حزب الأمة عن عودة رئيس حزبه، حتى باشرت السلطات البحث في أوراقها القديمة، مستخرجة ملف دعوى جنائية قيّدها جهاز الأمن والمخابرات ضد المهدي. وتوصّلت إلى إعلان رسمي صادر من نيابة أمن الدولة، طلبت فيه القبض على المهدي وآخرين، بعد تدوين بلاغ ضدهم تحت عدد من مواد القانون الجنائي تصل العقوبة فيها للإعدام، بتهم "الاشتراك الجنائي وتقويض النظام الدستوري والتحريض ضد الدولة وإشاعة الفتن والتجسس ونشر الأخبار الكاذبة"، فضلاً عن مواجهته بمواد أخرى تتعلق بقانون مكافحة الإرهاب.

ومنذ سنوات دخل حزب الأمة في تحالف موسع باسم "نداء السودان"، ضمّ "الحركة الشعبية ــ قطاع الشمال" التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحركتي "العدل والمساواة" و"تحرير السودان"، اللتين تقاتلان في دارفور. وانتخب التحالف العام الماضي، المهدي رئيساً له، ما أغضب الحكومة في الخرطوم، التي لطالما اعتقدت أن الرجل أقرب إليها، ولا سيما أنه كان جزءاً أصيلاً ضمن منظمة الحوار الوطني في عام 2014.

في المقابل، يعتقد كوادر حزب الأمة أن "وجود الحزب في نداء السودان أمر طبيعي، وأن فكرة التحالف تقوم على العمل السياسي المدني، لا العسكري، وأن الأمل معقود على ذلك التحالف في استقطاب المجموعات المسلحة في عملية السلام العادل والشامل"، مؤكداً أن "مواقف الحكومة لا تعنيه في شيء وسيواصل تحالفه وتواصله مع الحركات المسلحة".

وأعلن المهدي في أكثر من مرة تحمّل مسؤولية ذلك التحالف، بل أصرّ على العودة للبلاد مع الاستعداد الكامل للخضوع لمحاكمة عادلة وعلنية، متعهداً بتحويلها إلى محاكمة للنظام على ما اقترفه من جرائم موثقة، على حد قوله، ومطالباً كلاً من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ودول الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة)، والاتحاد الأوروبي والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بمراقبة المحاكمة المتوقعة.


لكن يبدو أن ثمة عدم توافق داخل الحكومة في ما يتعلق بعودة رئيس حزب الأمة، فعلى الرغم من إعلان نيابة أمن الدولة عن مطاردته قانونياً، إلا أن الكثير من أجهزة حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقياداته أعلنت أكثر من مرة عن ترحيبها بالعودة واعتبرتها خطوة مهمة في طريق الحوار الوطني، قبل "امتداح" الدور التاريخي للصادق المهدي. ومن هؤلاء، الرجل الأول في الحزب الحاكم، فيصل حسن إبراهيم، الذي قال قبل أيام وعلى الملأ إنهم "يرحبون بعودة المهدي، طالما ارتضى العودة للعمل السلمي داخل البلاد".

بدوره، أكد رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني، عبد الرحمن الخضر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن حزبه "على موقفه المرحّب بعودة المهدي، وأنه يسعى لأن يكون حزب الأمة جزءاً من الإجماع السياسي في البلاد"، مشيداً بـ"الخطاب الأخير للمهدي الذي أعلن فيه موقفه من العمل المسلح". ولفت إلى أن "القطاع السياسي أبلغ في تفاوضه مع ممثلين لحزب الأمة، رغبة الحزب الحاكم بأن يكون لحزب الأمة موقف واضح من الحركات المتمردة".

وحول الحديث عن تضارب المواقف داخل الحكومة والحزب بشأن التعامل مع عودة المهدي، قال الخضر إن "حواراً عميقاً دار في هذا الشأن، وأن هناك إصراراً من بعض الأجهزة على ضرورة صدور قرار علني وصريح من حزب الأمة ينبذ فيه العنف ويوقف بموجبه تنسيقه مع الحركات المتمردة، ما ينهي قضية الملاحقة الجنائية، ويبني جسوراً من الثقة بين الحزبين". وأشار إلى أن "حديث حزب الأمة عن أن تحالفه مع المتمردين يقوم فقط على شق مدني، أمر ينمّ عن تناقض كبير، لأن التحالف مع تلك المجموعات يعني تماماً الارتضاء بمنهجها ووسائلها وأدواتها".

أما دوائر الحكومة، فأكدت ترحيبها بعودة المهدي، وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة، وزير الإعلام، بشارة جمعة أرو، إن "حكومة الوفاق الوطني ترحّب بعودة المهدي وكل المعارضين، وتعتبرهم شركاء في الهم الوطني"، مشيراً إلى أن "عودة المهدي للبلاد تعد دافعاً قوياً باتجاه استكمال حلقات الوفاق الوطني".

كما انضمّت قائمة أحزاب الحوار الوطني المشاركة في الحكومة لقائمة المرحبين، ومنها رئيس لجنة الإعلام في البرلمان، رئيس "منبر السلام العادل"، الطيب مصطفى، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنهم "كأحزاب أصيلة في الحوار الوطني، ظلوا يطالبون بعودة المهدي لما يتمتع به من وزن سياسي وقدرة على تحريك الساحة السياسية نحو التغيير الذي ينشده الجميع"، مبيناً أنه "لم يكن من المنطق استمرار ابتعاد المهدي طيلة هذ المدة".


واستبعد مصطفى فرضية القبض على المهدي بمطار الخرطوم وتقديمه للمحاكمة، متوقعاً صدور قرار في الأيام المقبلة من جانب السلطات بشطب كل البلاغات المدونة ضد المهدي. وأكد أنه "سيجد الترحيب حتى من الحكومة كما حدث لابنته ونائبته في رئاسة الحزب، مريم الصادق المهدي، التي عادت للبلاد قبل أيام ولم يُلقَ القبض عليها رغم أنها معنية بالإجراءات القانونية ذاتها، بل وجدت استقبالاً رسمياً من الدولة، ممثلة بمساعد رئيس الجمهورية، فيصل حسن إبراهيم".

وذكر مصطفى أنهم "كأحزاب شريكة في الحوار الوطني وفي الحكومة، سيعارضون بقوة أية ملاحقة للمهدي إن حدثت، وستكون ردة فعلهم ومقاومتهم مفتوحة أمام كل الخيارات، لا سيما أن المهدي بعيد عن العمل المسلح"، في تأكيد على كلام سابق له، أكد فيه أنه "لا ينسق مع مجموعة إلا في حدود العمل المدني".

أما حزب الأمة فاعتبر أنه "غير معني بالجدل القانوني بشأن المهدي، وأن العودة قائمة في موعدها مهما كانت النتائج". وفي هذا السياق، قال نائب رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر، لـ"العربي الجديد"، إن "استعداد الحزب لاستقبال المهدي يمضي على قدم وساق، وإن الاستقبال سيكون غير مسبوق، وذلك بحشد أكبر عدد من أنصار الحزب في الخرطوم وكل ولايات السودان".

وأوضح ناصر أن رئيس الحزب "يعود وفي جعبته مشروع وطني متكامل لتحقيق التوافق السياسي بين كل مكوّنات السودان داخل وخارج السودان"، معتبراً أن "المشروع المقترح يُعدّ مخرجاً للسودان من أزمته السياسية والاقتصادية، ويستند على قاعدة خارطة الطريق التي وقّعتها جميع الأطراف في أديس أبابا الإثيوبية في أغسطس/ آب 2014". وأضاف أن "الأزمة في السودان أضحت أكبر من قدرة أي حزب سياسي، وعليه يسعى المشروع المقترح للمّ شمل أبناء الوطن عبر حوار شامل لكل القوى السياسية وحملة السلاح على أساس خارطة الطريق".

وحول التوقعات بشطب البلاغات الجنائية المدوّنة في حق المهدي، أوضح ناصر أن "تصريحات المسؤولين الحكوميين متضاربة إلى حدّ بعيد، وإذا شطبوها وأسقطوها فسنقول لهم شكراً جزيلاً، وإذا لم يحدث ذلك فلن يغير ذلك في منهجنا أو نعدل في موعد عودة المهدي".

إلى ذلك، تنظر أحزاب سياسية معارضة أخرى بعين الشك والريبة لحدث عودة الصادق المهدي، إذ تعتقد الأحزاب أن هناك حواراً ثنائياً سرياً بين المهدي والحكومة، على غرار ما فعل المهدي في مرات سابقة بنفض يده من العمل المعارض في عام 1999 وغيرها من اتفاقات بين الطرفين. وتدل على ذلك نهاية الحرب الكلامية بين حزب الأمة والحزب الحاكم والسماح بعودة نائبة رئيس حزب الأمة، مريم الصادق، من دون أن تنفذ الحكومة تهديداتها بمحاكمتها. لكن ناصر نفى ذلك تماماً، كما نفى تخطيط حزبه لخوض انتخابات 2020، تحديداً بعد إجازة قانون الانتخابات بالأغلبية، بما يتناقض مع توصيات مؤتمر الحوار الوطني، في تأكيد على عدم جدية النظام في حصول انتخابات حرة ونزيهة.