عودة الدولة الممكنة

17 ابريل 2016
فشل في وضع تصوّر لحل المشاكل عدا الاقتراض (Getty)
+ الخط -
جاءت أحداث جزيرة قرقنة التونسية لتعيد تماماً صورة القصرين، ومن قبلها قفصة وجندوبة وغيرها: احتجاجات لشباب فقد الأمل وأعياه الانتظار وملّ الوعود. وكما القصرين وجندوبة، ترافقت الاحتجاجات مع أحداث عنف، واعتصامات واعتقالات، وترافقت أيضاً مع اتهامات حكومية بضلوع تيارات سياسية ساهمت في تأجيج الوضع.

لم تكتف الحكومة التونسية بالتلميح هذه المرة وإنما ذهب رئيسها الحبيب الصيد إلى حد التصريح بأن أقصى اليمين وأقصى اليسار، حزب التحرير والجبهة الشعبية ساهما في تأجيج الوضع. أياً يكن من حقيقة الاستثمار السياسي للأحداث، وهو أمر مفهوم قبيل استحقاق انتخابي آتٍ، فقد أقدمت السلطات على اعتقال غاضبين، ثم أطلقت سراحهم، وانسحب الأمن مرة أخرى من المدينة ليترك مكانه للجيش، لتبدو الصورة استنساخاً لكل الاحتجاجات السابقة، ما يقود إلى الاستنتاج بأن السبب عضويّ وأن معالجته ينبغي أن تكون مختلفة، وأن هذه الحكومة، كما الحكومات السابقة، فشلت في وضع تصوّر لحل مشاكل البلاد، عدا اللجوء مجدداً إلى الاقتراض.

غير أن اللافت في أحداث قرقنة هو تأكيد ضعف الدولة في التعاطي مع أزمة استمرت لأسابيع، فلا هي توصلت إلى حل مع المحتجين طيلة أيام التفاوض، ولا استطاعت أن تفرض الأمن وأن تمنع تعطيل شركة هامة في المدينة، وهو الضعف نفسه الملاحظ في التعاطي مع مناجم الفوسفات، ما سبّب تراجعاً بمليارات الدينارات طيلة السنوات الماضية، كان يمكن أن يعفي البلاد من ديون متراكمة على خزينتها. وعلى الرغم من أن خطاب الرئيس الباجي قائد السبسي الانتخابي قام على مفهوم عودة الدولة، فإن الملاحظ أن هذه الدولة لم تعد إلى اليوم، وتتعامل مع الأوضاع الاجتماعية الخانقة بأياد مترددة، بين فرض القانون وتوفير حلول للمحتجين، أو بعث أمل حقيقي قد يقنع بمزيد الانتظار والصبر. في غضون كل ذلك، تتردد أنباء عن استهداف لرئيس الحكومة من داخل الائتلاف وخارجه، تؤكد المعطيات المتوفرة أن المشهد السياسي التونسي بدأ يسخّن لصيف حارّ جداً، سيأتي بالتأكيد بتغييرات جديدة، قد تكون أقرب من المتوقّٓع.