في موازاة إطلاق حركة "طالبان" عملياتها مع بدء موسم الربيع التي سمّتها "الفتح"، برزت عودة تنظيم "داعش" إلى مناطق مختلفة من شرق أفغانستان، على الرغم من إعلان الحكومة القضاء عليه قبل أشهر، عبر تصفية المعاقل الأساسية له قرب الحدود الأفغانية الباكستانية. واستطاع التنظيم في فترة وجيزة لا تتجاوز الأسابيع، السيطرة على مناطق حساسة واستراتيجية في إقليمي كنر وننجرهار، وبعد معارك ضارية مع "طالبان"، سيطر التنظيم على منطقة شبه دره الاستراتيجية التي تطل على معظم مناطق إقليم كنر، وأسس فيها مركزاً رئيسياً يدير منه تحركاته في الإقليم والمنطقة. سيطرة "داعش" وتمدد نفوذه في بعض مناطق أفغانستان، ينذران باستمرار دوامة الحرب في أفغانستان، حتى لو نجحت عملية الحوار مع "طالبان". وهذا ما أشار إليه المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، في حديث مع قناة محلية خلال زيارته الأخيرة إلى كابول، إذ قال إن "نجاح عملية السلام مع طالبان لا يعني أن الحرب ستنتهي في أفغانستان". وهو ما أثار استياء في البلاد، ودفع البعض لطرح تساؤلات حول مدى ضرورة عملية السلام مع "طالبان" إذا كانت لا تؤدي إلى إنهاء الحرب في أفغانستان.
كما أن تمدد "داعش" الأخير في مناطق من شرق أفغانستان حمل معه تبعات خطيرة أخرى، لا سيما بعد دخول أعداد كبيرة من المسلحين الأجانب إلى شرق أفغانستان في الأسابيع الأخيرة. في هذا الصدد، قال أحد عناصر "داعش"، هدايت الله، الذي استسلم إلى الحكومة المحلية في ننجرهار، وهو عمل سابقاً في إذاعة تابعة للتنظيم بثّت من الشرق، إن "هناك أعداداً كبيرة من الأجانب قد دخلت إلى أفغانستان، منهم أوزبك وشيشان وأتراك وباكستانيون، وأنهم يسعون لتأسيس معاقل دائمة للتنظيم في المناطق الجبلية كي يدير منها المنطقة بأسرها". وأضاف أن "لدى التنظيم أيضاً أموالاً طائلة وأسلحة متطورة".
بالإضافة إلى ذلك، نزح سكان منطقة شبه دره في كنر، ومنطقة شيرزاد في ننجرهار الاستراتيجيتين، عنهما، بالتزامن مع موجة اغتيال غير مسبوقة لزعماء القبائل وعلماء الدين في شرق البلاد، ومعظمهم من الذين يعارضون فكر "داعش" أو يقفون إلى جانب الحكومة، أو لهم نفوذ. وخلال الأيام العشرة الأخيرة، قُتل ثمانية من علماء الدين ومن خطباء المساجد في إقليم ننجرهار، وكلهم تقريباً بطريقة واحدة: يهاجمهم ملثمون على دراجات نارية ويطلقون النار عند خروج الشخص المُستهدف أو دخوله المسجد، ثم يلوذون بالفرار.
وكان خطيب جامع أخوند زاده في ننجرهار، محمد حنيف، وهو من العلماء المشهورين في المنطقة، آخر من قتل قبل 3 أيام في إقليم ننجرهار، وذلك بعد استهدافه إثر خروجه من المسجد الواقع قرب مدينة جلال أباد، فيما لاذ المهاجمون بالفرار في وضح النهار وأمام جميع الناس. وقال أحد سكان المنطقة واسمه محمد موسى، لـ"العربي الجديد"، إن "حنيف لم يكن فقط إمام مسجد وعالم دين بل كان من الوجوه القبلية البارزة، إذ كان الناس يرجعون إليه أثناء الخطب والمشاكل، وكان له دور كبير في حل مشاكل الناس وتأمين الأمن وحل النزاعات. كما كان يرفض حمل السلاح وكان يناهض الفكر الداعشي الذي جاء مجدداً إلى بلادنا". وأضاف أن "سكان المنطقة يعرفون أن الرجل لم يكن له أعداء شخصيون، وكان له نفوذ في أوساط الناس، وبالتالي فإن تنظيم داعش هو الذي استهدفه".
وأثارت الاغتيالات الممنهجة لعلماء الدين في شرق أفغانستان، تحديداً في إقليم ننجرهار الحدودي مع باكستان، استياء العلماء والقلق في صفوفهم. ومن أجل توحيد الصف، عقد علماء الشرق اجتماعاً كبيراً في مدينة جلال آباد، شارك فيه مئات العلماء، مطالبين الحكومة بتوفير الأمن لهم وكشف ملابسات الاغتيالات ومن يقف وراءها.
وقال أحد المشاركين في الاجتماع، المولوي ثابت الله مهمند، لـ"العربي الجديد": "إننا نريد أولاً توفير الحماية والأمن اللازم لجميع أئمة المساجد وعلماء الدين، كما نطلب أيضاً أن نعرف ملابسات هذه الاغتيالات، لأننا لا نعرف من يقتلنا ولماذا؟". في المقابل، قال مسؤول إدارة الحج والأوقاف في الحكومة المحلية محمد داوود مجاهد، في خطاب له خلال اجتماع علماء الدين، إن "العلماء يُقتلون بطريقة ممنهجة، والسبب لأنهم يقفون إلى جانب الشعب والحكومة ضد التنظيمات المسلحة"، مطالباً الحكومة المركزية بأن "توفّر لهم الأمن لأنها تطلب منهم المساندة في وجه الجماعات المسلحة وبالتالي يتوجب عليها أن توفر لهم الأمن والحماية مقابل ذلك الدعم".
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة المحلية في ننجرهار، عطاء الله خوجياني، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية اغتيال علماء الدين وبهذه الصورة الممنهجة والخطيرة ناقوس خطر لأمن المجتمع بأسره"، مشدداً على أن "الحكومة جادة في توفير الأمن اللازم لهم"، معرباً عن أسفه لقتل العديد من علماء الدين. وذكر خوجياني أن "التنظيمات المسلحة وراء قتل علماء الدين لأن معظم هؤلاء يقفون إلى جانب الحكومة وبالتالي هؤلاء هم السند للحكومة التي تسعى جاهدة وبالتنسيق بين جميع الإدارات للكشف عن الجهة التي تقف وراء اغتيال العلماء وأن تتم مقاضاتهم".
ويخشى عامة الأفغان وتحديداً علماء الدين، من استمرار الظاهرة وامتدادها إلى مناطق أخرى، خصوصاً بعد قتل عالم دين مشهور هو خطيب جامع في إقليم لوجر المجاور للعاصمة كابول ويدعى المولوي أمير جان، من قبل مجهولين في السابع من الشهر الحالي. وفي هذا الصدد، تخوّف الكاتب والإعلامي جاويد هميم كاكر، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، من "تمدد موجة اغتيال علماء الدين من الأقاليم الشرقية إلى أقاليم أخرى، ما يعني أن تلك لعبة جديدة ضحيتها أبناء الشعب الأفغاني، لا سيما كل من يجمع حوله الناس وله نفوذ بين القبائل".