عن معاركنا القادمة مع المناخ والجهل والبعوض!

09 يونيو 2019
+ الخط -

ـ كشفت دراسة نشرت مؤخراً عن تعامل الإعلام الأميركي مع ظاهرة الاحتباس الحراري، أنه خلال الفترة من 2017 إلى 2018 تراجعت نسبة تغطية القنوات الإخبارية الأميركية لأخبار الاحتباس الحراري وكوارثه المرتقبة بنسبة 45 في المائة، وهو تراجع كبير لا يمكن أن تفصله عن مواقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تقف بقوة ضد أي سياسات أو تشريعات تهدف لإجبار أصحاب رؤوس الأموال الضخمة على وضع مخاطر الاحتباس الحراري في الاعتبار خلال إدارتهم لمصانعهم وشركاتهم.

لكن ذلك ليس الجانب الوحيد من القصة لحسن الحظ، ففي الوقت الذي قام فيه دونالد ترامب على سبيل المثال لا الحصر باعتماد إدعاء شائع بين مهاويس نظريات المؤامرة وأنصار اليمين المحافظ بأن صوت توربينات توليد الطاقة من الرياح يسبب السرطان، وقام بنشر هذا الإدعاء على حسابه الرسمي على (تويتر) وتحدث عنه في إحدى لقاءاته الجماهيرية، لا زال العلماء والمتخصصون يواصلون مقاومة هذا الجهل بنشر النتائج المفزعة لدراساتهم عن تأثير الاحتباس الحراري على المناخ والكائنات الحية بشكل متسارع.

في بابها الشهري (اكتشافات) نشرت مجلة (هاربر) الأميركية في عددها الأخير مقتطفات من هذه الدراسات التي أشارت إحداها إلى أن درجة حرارة سطح الأرض ارتفعت بشكل لم يسبق له أن حدث خلال الـ 2.6 مليون سنة الماضية، في حين أكدت دراسة أخرى أن الانبعاث الحراري المتزايد أدى إلى زيادة ارتفاع حرارة القطب الشمالي بشكل غير مسبوق أدى إلى اختلال المناخ في المنطقة المحيطة بالقطب الشمالي وصولاً إلى شمالي أوروبا، مما أدى على سبيل المثال إلى تزايد حدة هطول الأمطار بشكل تسبب في ارتفاع حالات موت طيور البطريق، التي يظن البعض أنها موجودة فقط لكي يتم صناعة أفلام كرتون عنها، ويتجاهلون أن ما تتعرض له يساهم في تكريس حدة الاختلال البيئي الذي تشهده هذه المنطقة المهمة للبشرية بأسرها، والتي تعاني من ظاهرة اختفاء الجليد البحري بشكل تؤكده العديد من الدراسات، من بينها دراسة تكشف أنه بين عامي 1984 و2013 ارتفع عدد حالات ذوبان الجليد المسجلة في منطقة مساحتها 27 ألف ميل مربع من 63 إلى 4077 حالة. في أنتاركتيكا مثلاً أُجبرت محطة أبحاث بريطانية على الانتقال من موقعها لأن جزءاً كبيراً من الجرف الجليدي كان على وشك أن ينفصل بعيداً عن القارة القطبية الجنوبية ويأخذ طريقه في عرض البحر. نفس هذه التأثيرات المناخية التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض أصاب منطقة بعيدة للغاية عن القطبين الشمالي والجنوبي، وبالتحديد في قمة إيفرست الشهيرة حيث ذاب جليد متجمع منذ سنين طويلة، ليكشف عن جثث متسلقين توفوا خلال محاولتهم العبور إلى القمة.

في الوقت نفسه أدى تصاعد موجات الحرارة في البحار، إلى طرد الكثير من الأحياء المائية بعيداً عن الساحل الغربي الأمريكي المطل على المحيط الهادئ، وهو ما أدى إلى اختلالات بيئية خطيرة، ليصبح من الصعب إيقاف تدهور نوعية المياه الصالحة للحياة للكثير من الكائنات الحية في المحيطات الجنوبية، وفي حين ازدادت قوة الأمواج في كل مكان في العالم، أصبحت القارة القطبية الجنوبية تخسر مناطق من مساحتها بمقدار ست مرات أكثر مما كانت تخسره قبل أربعين عاماً، وتم التأكيد على أن جرينلاند تتعرض أطرافها للذوبان بمعدل أربعة أضعاف ما كان يحدث في عام 2003، كما أدت الانهيارات الجليدية في القطب الشمالي إلى سلسلة من الزلازل الصغيرة في سييرا نيفادا بكندا، التي أصبحت تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة بمعدل يفوق ضعفي معدلات زيادة درجة الحرارة على مستوى العالم، وهي زيادات لن يحس بآثارها الساخطون على قسوة شتائها، لكنها ستحدث تغييرات قوية ستؤثر على المناخات المحلية لمدن أمريكا الشمالية بصورة ستبلغ مداها عام 2080، وهي تغييرات ستمتد إلى العالم بأكمله، حيث تتوقع الدراسات التي تدرس آثار التغييرات المناخية على التوازن البيئي، أن يتعرض مليار شخص حول العالم لأمراض تنتقل عن طريق البعوض في نصف القرن القادم، بسبب قدرة البعوض على التطور بشكل أسرع بعد كل ما حدث ويحدث من اختلالات بيئية، وهي آثار مدمرة سيدفع ثمنها الجميع، ولن ينجو منها منكرو خطورة الاحتباس الحراري، وعلى راسهم مهاويس ترامب وعشاق تصريحاته وتغريداته التي لا يدرك الكثيرون أنها شديدة الخطورة وليس فيها ما يدعو للضحك أبداً.

ـ على سيرة المصائب، ولكن هذه المرة المصائب المستعجلة، من المتوقع أن تشهد الكونجو قريبا أسوأ موجة انتشار لوباء الإيبولا في التاريخ، كنتيجة حتمية لما يشعر به أهالي المناطق الريفية فيها من ريبة وحذر، يجعلهم يقلقون من التعامل مع الأطباء الأجانب والبعثات الدولية، ويرفضون التعامل في الوقت نفسه مع البعثات الطبية الحكومية التي يعتقدون أنها تقوم بتنفيذ مؤامرة حكومية ضدهم. الوباء الذي بدأ بالفعل قبل أقل من عام، تسبب حتى الآن في مقتل 1200 شخص، وكان انتشاره قد أخذ في التضاعف منذ الصيف الماضي، بعد أن قامت الحكومة بتعليق عمليات التصويت في الانتخابات التي كانت تجرى وقتها، خشية من انتشار الوباء بصورة أسرع في مراكز الاقترع المزدحمة، وهو قرار صائب ظنه الكثير من الأهالي رغبة حكومية في إيقاف تقدم المعارضة في الانتخابات، ولذلك تعاملوا مع تحذيرات الحكومة من الوباء بوصفها كذبة سياسية لا تستحق التعامل معها بجدية، وازداد الأمر سوءاً حين نزلت البعثات الطبية الأجنبية إلى المدن الصغيرة والقرى بصحبة قوات الجيش، وهو ما جعل الأهالي يتعاملون معها بوصفها مشاركة في المؤامرة الحكومية عليهم، والمذهل أن بعضهم بدأوا يطاردون غاضبين الكثير من الفرق الطبية التي كانت تحاول دفن جثث من توفوا بسبب إصابتهم بوباء الإيبولا، والذي تساهم جثث المصابين به في سرعة انتشاره، وهو ما جعل أحد المشاركين في تلك الفرق يصرح للصحافة الأجنبية قائلاً: "ما نقوم بفعله الآن هو ترك الجثث كما هي دون محاولة دفنها، قريبا سيتعلم الأهالي الدرس حين يصابون بالمرض".

ـ مصيبة من نوع آخر يختلط فيها الجد بالهزل حدثت في أوغندا، حيث ألقت السلطات القبض على القس الأميركي روبرت بالدوين الذي ترك مسقط رأسه في ولاية نيوجرسي وسافر إلى مدن وقرى أوغندا في مهمة تبشيرية، تحولت فجأة إلى مهمة طبية، حيث زعم "الرجل الصالح" أن لديه علاجاً سحرياً يشفي جميع الأمراض من الملاريا إلى السرطان مروراً بالإيدز، ومضى الكثير من الوقت قبل أن يكتشف المسئولون أن الدواء العجيب الذي وزعه القس البالغ من العمر 52 عاماً على الحالمين بالشفاء من أمراضهم العضال والذين وصل عددهم إلى 50 ألف أوغندي، لم يكن سوى مادة كيميائية تستخدم في تبييض الملابس.

المؤسف أن ما كان يسميه القس بـ"الحل الطبيعي المعجز" اتضح أنه قابل لتسميم من يستخدمه بانتظام، وأنه أحدث تأثيرات صحية خطيرة على عدد كبير من الذين تناولوه، واتضح أيضاً أن القس الذي قام بتدريب 1500 مساعد له على نشر "الدواء المعجزة" بين أهالي أوغندا، كان يحصل مقابل تلك الخدعة الحقيرة على تبرعات ضخمة، كان يتلقاها من العديد من راغبي "فعل الخير والصواب" في عدد من الدول الغربية، على رأسهم مستثمر بريطاني اسمه سام ليتل، كان قد اعتاد على أن يعلن عن نفسه بوصفه "منجماً وخبيراً روحانياً. بالطبع أنكر القس الدجال فعلته الإجرامية المنحطة، وقال مدافعاً عن نفسه إنه "تعرض للشيطنة والتشويه من جهلاء لا يفهمون منهجه العلاجي الطبيعي"، وهو ما اضطر سفارة بلاده لإصدار بيان تعلن فيه استنكارها لما فعله، وتؤكد أن ما قام بتوزيعه ليس علاجاً لأي مرض من أي نوع، بل هو شديد الخطورة على من يستخدمه، على أمل أن يساهم ذلك البيان في إفاقة الكثير من راغبي الشفاء من أوهامهم الذين لا زالوا يثقون في الرجل ويعتقدون أنه تعرض لمؤامرة حكومية ترغب في حرمانهم من الشفاء؟ وإذا كنت ترثي لحال أولئك الأوغنديين الجهلاء، فدعني أذكرك بقول الشاعر القديم: "لا تعايرني ولا أعايرك.. عبد العاطي كفتة طايلني وطايلك".

أرقام للتأمل:

ـ بدأت أكثر من 200 مدرسة في أرجاء الولايات المتحدة في تشجيع طلابها على استخدام تطبيق جديد مصمم للتليفونات الذكية يساعد الطلبة والمدرسين على التعامل مع حوادث إطلاق النار الجماعي، التطبيق الذي يحمل عنوان (شير 911) يساعد مستخدميه على تبادل المعلومات مع الشرطة خلال حوادث إطلاق النار الجماعي التي أصبحت الكابوس الأبرز الذي يطارد الأميركيين الآن.

ـ ارتفع معدل وفيات الأطفال في فنزويلا بنسبة 140 في المائة منذ عام 2008 بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أوصلت التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، جعلت من الصعب على الكثير من الأسر الفقيرة توفير غذاء أو علاج لأطفالها.

ـ انخفض معدل المواليد في الولايات المتحدة بنسبة 2 في المائة خلال عام 2018 مقارنة بالعام الذي سبقه، وهو الانخفاض الرابع على التوالي في أعداد المواليد طبقاً لتقرير فيدرالي جديد، بسبب ارتفاع المخاوف الاقتصادية والاجتماعية لدى المتزوجين الذين تسحق تكاليف الحياة المتصاعدة أحلامهم في إنجاب الأطفال.

ـ في الوقت الذي تواصل فيه الإدارة الأميركية التبجح بقدرتها على قيادة العالم، كشفت دراسة نشرها موقع إذاعة (إن بي آر) أن 40 في المائة من سكان المناطق الريفية الأميركية يجدون صعوبة بالغة في الوفاء بالتزماتهم المادية وفي تدبير احتياجاتهم من الغذاء والأدوية والسكن، وأن 29 في المائة منهم يفشلون في إيجاد خدمة طبية حين يحتاجونها، إما بسبب عدم قدرتهم على دفع التكلفة، أو لفشلهم في الوصول إلى موقع يقدم لهم الخدمة الطبية التي يحتاجونها، ولعلك لن تستغرب حين تعرف أن كثيرا من هؤلاء هم ممن اختاروا دونالد ترامب ليكون رئيسهم المخلّص، متوهمين أنه سيكون أفضل ممن سبقوه في تحسين مستوى معيشتهم التي لم يتغير فيها إلا أنها زادت سوءاً.

ـ في عام 2007 بلغ عدد المخالفات التي أصدرتها شرطة نيويورك بحق الذين قاموا بممارسة الجنس في الحدائق العامة 432 مخالفة، في العام الماضي بلغ عدد المخالفات ستة فقط، ولم يتبين حتى الآن، هل حدث ذلك التراجع بسبب أن ممارسة الجنس في الحدائق العامة لم تعد مغرية، أم أن أغلب ضباط الشرطة لم يعودوا مهتمين بمضايقة ممارسي الجنس في الحدائق العامة؟

ـ 52 في المائة هي نسبة العمال الأميركيين الذين يفكرون في تأجيل إعلان تقاعدهم بسبب مخاوف مالية.

ـ كشفت دراسة حديثة عن تأثير الأخبار المزيفة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي في أميركا، أنه تمت مشاركة أخبار مزيفة خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة بنسبة تصل إلى 18.1 في المائة بين مستخدمي موقع فيس بوك المؤيدين للمرشح الجمهوري، ونسبة تصل إلى 3.5 في المائة بين مستخدمي الموقع المؤيدين للمرشح الديمقراطي، نفس الدراسة وجدت أن 15 في المائة من الجمهوريين و20 في المائة من الديمقراطيين يشعرون أنه سيكون من الأفضل للبلاد إذا فارق معظم أعضاء الحزب الآخر الحياة، لكن المفارقة ـ كما يقول رافيل كرول زايدي الكاتب بمجلة هاربر ـ أن هناك دراسة حديثة تكشف أن الجمهوريين يعيشون فترة أطول من الديمقراطيين، ومع أنه لم يذكر السبب الذي توصلت إليه الدراسة لهذه النتيجة، إلا أنني أميل إلى الاعتقاد أن اليقين المبالغ فيه والمرتبط بالتعصب أمر يطيل عمر المؤمن به، ويقصف عمر من يحاولون محاربته، يدّينا ويدّيك طولة العمر.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.