عن مطلب تكميم الأفواه... "الجزيرة" و"العربي الجديد" وجيش "إعلام الكونترا"

28 يونيو 2017
(معتصم الناصر)
+ الخط -



ما من سر أن زملاء غربيين يتابعون مثلنا "الأزمة الخليجية".

يلتفت إلي زميل غربي، بابتسامة خبيثة، لموقفه المسبق من الإعلام العربي، وهو يردد بفرح مكبوت: "يبدو أن الجزيرة ستغلق... وربما جريدتكم".

ابتسمت وأعدت عليه: "كان جورج بوش وعصابة البنتاغون أشطر بكثير... أما الآن فهؤلاء العرب، الذين علمتك مستعمرات الضفة الغربية أنهم خائبون، هم الذين أثاروا حنقكم في ميدان التحرير... أتذكر كيف كنت تندب الحظ في القاهرة؟".

منذ أن انطلق "العربي الجديد"، موقعاً وجريدة، لم يترك معسكر الثورات المضادة من أمر إلا واستخدمه للترويض والتدجين والتنفير، بما فيها القرصنة والانتحال والتزوير. بعض مراسليهما واجهوا ما لم يواجهه حتى مراسلو صحف ومواقع صهيونية ومتصهينة وهم يجدون الأبواب مفتوحة أمامهم في دنيا العرب.

ما نحن بصدده تجاوز المهنية بدرجات مثيرة للتعجب. كيف يلتقي العقل الذي ليس في فمه سوى الغمز واللمز ومحاولة التشويه باسم نظرية المؤامرة والممانعة مع عقل مُتهم أصلا بأنه جزء من تلك المؤامرة؟

الأمر يبدو أبسط بكثير من قضية "البترودولار" الإعلامي. فالخوض فيه لن يكون في مصلحة أحد، والترفع عنه في النتائج أفضل ربما للعقل نفسه. بيد أن عقولاً، لا يضيرها أن تُمول يساريتها من "USAID" ومن دولارات بترول بطعم آخر، وجدت ضالتها في تحالف أعجب من زمن "إيران غيت".

ماذا كانت جريمة "العربي الجديد" لتهرع الأنظمة لحجبه (الموقع) منذ البداية؟

ربما كان "الجديد" هو كارثة المعتادين على "القديم". باعتبار الناس "قطيعا" يقاد بمرياع، وراع يلقي خطبة عصماء في الشام عن "الإمبريالية الملعونة". وفي الأخيرة بالمناسبة يموت رئيس أركان سابق، حكمت الشهابي. وتهرع الزوجات والبنات لوضع المواليد فيها طمعاً في "مواطنة في بلاد الإمبريالية".. وإلى مشافيها وجامعاتها يحج الجميع.

 لهذه الممانعة، المثقلة صدور أصحابها بنياشين إسكات الجبهات والبحث المزمن عن المكان والزمان المناسبين، بوصلة وباروميتر معرفة اتجاهات وقياس رضا هذه الإمبريالية.

وفي المقلب الآخر لا حاجة لتعداد كل علاقة معسكر "الاعتدال" بالنهج الأميركي بشكل خاص. لكن المثير أيضا أن إعلام "ممانعة إيران" غارق في بروباغندا "صناعة الموت" و"جهاد النكاح"، استعارة من زملائهم في التقاء الأضداد، والترويج لبطولات حلفاء طهران في سورية، وكله باسم "داعش"، شخصيات وأحزابا، وبنفس الوقت يبيعنا شعارات عن "الهوى الإيراني للجزيرة". بينما تنتشر كالفطر قنوات تعميق الشرخ المذهبي والطائفي دونما أي تحرك. لأنه ببساطة مطلوب للعقل العربي الغرق في كل ذلك الهراء.

اختزال مشكلة هؤلاء مع إعلام الإنسان "العربي الجديد"، بمبررات "تآمر الإعلام"، الذي يغرد خارج سرب "استقبل وودع"، أنه بالفعل فاجأهم مرة بعد مرة. فطالما أنك غير قادر على الترويج لرواياتك، وإقناع "القطيع" المتخيل، فلديك خيار "الحجب والمنع" و"المطالبة بالإغلاق" وإلقاء تهم ما أنزل الله بها من سلطان.

المشكلة ليست في تحرير وصياغة الخبر، ونقله كما هو، ليقرر الإنسان العربي إعمال الفريضة المغيبة في التفكير. مشكلة هؤلاء أعمق بكثير. فنفسيا تنطح عقدة بأخرى، في "أبوية" وريعية لعقل رفض أن يُساق خبر نهر النيل هادئا، وزقزقة العصافير "عال العال"، و"قزقزة اللب" على خير ما يرام، "بينما (إعلام المؤامرة) ينقل شيئاً مختلفاً ومصطنعاً بمجسمات على قنوات سفك الدم... كالجزيرة".

دروس الأبوية الإعلامية مورست بالمناسبة منذ ما قبل هبوب رياح ثورة 25 يناير المصرية إلى أزقة درعا السورية. وبتنا أمام "دروس في المهنية لكشف الحقيقة عن المؤامرة الكونية".

ما هو مطلوب في الواقع حجب الشمس في زمن الكونترا العربي، ولو بالاستعانة بلغات لا ضير لو أن العبرية بينها، وأقلام من خلف الحدود وأعالي البحار مأجورة بأسماء تنطق برطانة التبجيل والتقديس... ولا داعي لذكرها كلها، يكفي فقط دانيال بابيس وتوماس فرديمان، وبقية جوقة لندن وباريس ونيويورك، لنعرف أي نوع من العقل العربي يريده هؤلاء.

وحين ترتعد فرائص نخب الحكم من قناة فضائية، رغم كل الملاحظات التي قد تطرح بشأنها، ومن صحيفة ومواقع إخبارية، فأنت أمام مشهد لا يشي بأنها نخب تشبه غيرها حول العالم.
دعونا ننظر وبسرعة إلى "الحج الغربي"، حين يلهث البعض كسباً لود وموقف هذه وتلك من عواصم الغرب، فأين تحجب جريدة وقناة فضائية؟ هؤلاء المطالبون سيواجهون إن استمروا في الهراء كما لا يتوقعونه من النبش... في الغرب نفسه.

صحيح أن المهنية مقدسة، لكنها أيضاً مهنية يمكن أن تجرح كثيراً إن فتحت ملفات "عبقرية إعلام الكونترا".







المساهمون