حين نتحدث عن الشغف، شغف كرة القدم، يُخيّل للبعض أنه عبارة عن تشجيع فريقك من خلال ارتداء قميصه أو حمل شعاراته معك أينما ذهبت، في سيارتك أو مكان عملك. لكن في مدينة نابولي الإيطالية، فالموضوع مختلف، مختلف كلياً.
إذا صادف وزرت المدينة في يوم مباراة للفريق، فأنت شخص محظوظ، لأنك سترى وتشاهد وتشهد على المعنى الحقيقي لعبارة "شغف كرة القدم". أما إذا كنت من مشجعي الفريق الخصم، فاعلم أن اللعنة قد حلّت عليك، لأن سائق التاكسي سيسألك، وموظف الاستقبال في الفندق سيسألك، حتى بائع محل الآيس كريم الذي ملأ محلّه الصغير بأعلام وملصقات النادي وقمصان لاعبين قدامى وجدد، لدرجة تجعلك تشك أنك في المتجر الرسمي للنادي وليس محل بيع آيس كريم، حتى هذا، سيسألك، وويل لك إذا فكرت لثوانٍ قبل أن تجيب...
أغلب المدن الإيطالية، وحتى الصغيرة منها، يوجد فيها فريقان وجمهوران وألوان قمصان مختلفة، ما عدا نابولي... في نابولي، فريق واحد وجمهور واحد ولون واحد.
يوم مباراة الفريق، وفي طريقك إلى "سان باولو"، تشعر أن ضجيج وضوضاء وصخب الكرة الأرضية كلّه قد قسّم إلى نصفين، نصف منه في نابولي والنصف الآخر في الجزء المتبقي من الكرة الأرضية.
حين تصل إلى ملعب سان باولو، تشعر بهيبة يصعب وصفها، خاصة إذا كنت من عشاق أسطورة كرة القدم وأفضل لاعب في التاريخ، لاعب اسمه "دييغو أرماندو مارادونا".
حتى لو كنت لست من عشاق الفريق، لكن فكرة أنك تقف وتدخل وتجلس في مكانٍ مرّ عليه مارادونا وكتب تاريخ نابولي عليه، ومن خلاله، هي فكرة مغرية بحدّ ذاتها.
كل هذا، ما هو إلا مقدمة لما قد تشهده وتشعره حين تدخل أرضية الملعب قبيل انطلاق المباراة بقليل... هدير وأصوات وأغاني وهتافات الجماهير، تشعر أنها تخترقك، تمر من خلالك، هذه الأصوات التي لا تهدأ ولا دقيقة واحدة طيلة المباراة حتى بين الشوطين...
في هذه المباراة، قد يُطلب منك مغادرة المكان المخصص للصحافيين إذا أظهرت تفاعلاً مع الفريق الخصم. وبكلماتٍ أخرى، قد يتم "طردك" من قسم الصحافيين من قبل المسؤول الإعلامي للنادي، هذا الشخص الذي من المفترض أن يكون محترفاً ويتقبّل الجميع، لكن لا وجود لمثل هذه الكلمة حين يتعلّق الموضوع بنابولي.
أما ما تعيشه بعد المباراة فحكاية أخرى، تبدأ من لحظة ركوب سيارة الأجرة التي ستقلّك إلى أحد مطاعم المدينة، يبدأ السائق- الذي تابع المباراة على الراديو- بمناقشتك وتحليل المباراة ومجرياتها معك. ومن الملفت، أن الجميع هناك يفهمون كرة القدم، رجالا ونساء وأطفالا.
حين تصل إلى المطعم، من الطبيعي والبديهي جداً أن يكون جميع روّاده يتحدثون عن المباراة، لكن ما هو ليس أمراً طبيعياً أو "مُعتاداً"، هو أن تلمح بطرف عينك جهاز كمبيوتر صاحب المطعم، وهو يتابع إعادة المباراة ويتفاعل معها وكأنها تحدث الآن، وحين يوقفها ويأتي ليرحب بالزبائن، يفتح نقاشاً حول المباراة ويبدأ بطرح الأسئلة، خاصة إذا عرف أنك صحافي وأنك كنت تشاهد المباراة في الملعب.
ربما سيقول البعض إن هذا يحصل في جميع المدن ومع كل الأندية، جمهور كل فريق وأنا منهم، سيصرّ لفترة طويلة على أنه ينتمي إلى الجمهور الأكثر شغفاً... الكل سيفعل ذلك طالما لم يشاهد مباراة لنابولي في سان باولو... بعدها سيتأكد أن لا شغف يوازي الموجود عند جمهور نابولي... جمهور يعيش على الأحلام، بقي كذلك حتى عندما حقّقها له مارادونا، وقتها لم يكن ما حصل واقعا بنظرهم، بل حلم جميل سيبقى في قلوب أهل هذه المدينة، مع هواء بحرها الرائع... سيبقى كذلك إلى الأبد...
@ShifaaMrad