... عن زيارة الخطيب موسكو

02 ديسمبر 2014

أطفال لعائلة سورية لاجئة يفترشون رصيفا في بيروت (29أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

انشغل الإعلام العالمي بخبر زيارة الشيخ أحمد معاذ الخطيب ووفد مرافق له إلى موسكو، وقد يظل منشغلاً أياماً، وسيشغل معه كثيرين من أطراف وأفراد في المعارضة السورية، أياماً أطول، وهات وخذ من الآراء والسجالات والانقسامات والصياح والنواح! وعلى الرغم من ذلك، أتمنى أن تكون لتلك الزيارة مصداقية ما، وألا تكون نوعاً من مخدر غالباً ما يعبث في نفوس الناس وأهوائها في أوقات مناسبة كهذه، إذ باتت معها مثل هذه الأنباء مثل بلسمٍ، تحتاجه حالة اليأس، بل حالة القهر التي طالت على الشعب السوري. فالوقت حان، فعلاً، لإخماد نيران الحرائق التي أوصلت السوريين إلى هاويةٍ لا قاع لها.

إن مجرد إعلان خبر الزيارة، وبالشكل الذي ورد عليه، يمنح الشعب السوري، بكل أطيافه ومكوناته، عدا السياسية منها، نوعاً من الارتياح، فلم يعد للسوريين ما يمكنهم من متابعة حياتهم التي اختزلتها الحرب إلى تفاهات صغيرة، كدفن القتلى، إن كان ثمة مجال للدفن، وإسعاف الجرحى، والركض، فيما تبقى من وقت، وراء رغيف الخبز وجرعة الماء ونفحة الدفء وليتر البنزين أو المازوت وساعة الكهرباء أو أمبيرها.

وتراهم، فوق تعاستهم في المنافي، يُرَشَّون على أرصفة بيروت، تصوروا، يا عرب، بيروت لا سواها، طلاءً ملوناً، ولا غاية لهذا الفعل، بالطبع، غير الاحتقار، وامتهان الكرامة الإنسانية.

نعم، هي حال الشعب السوري، وهي الحياة التي فرضتها عليه روسيا، بهذا الشكل أو ذاك، يوم ألغت بالفيتوين، الأول والثاني، مبادرتين أظنهما كانتا جادتين في مساعيهما لتجنيب الشعب السوري كل هذه الويلات التي عصفت به وبمقدراته. ولو لم تفعل روسيا ما فعلته، إضافة إلى ما أتت به إيران الأكثر خبثاً، في مساعيها وراء مصالحها وطموحاتها في سورية والمنطقة، لكانتا وفرتا على الشعب السوري ألوان الموت والمعاناة والخراب الهائل. نعم إنها روسيا من وقف، وما زال يقف، وراء ما ابتلي به الشعب السوري.

لا بد من الاعتراف والإقرار بهذه الحقيقة، فمهما قيل عن تآمر أميركا والغرب عموماً فإن السياسة الروسية، بدعمها المطلق النظام، والسلاح الروسي بقتله الشعب، هما اللذان دمرا سورية وشعبها، ومكَّنا للتدخل الأميركي وسواه. هذه حقيقة عارية، لا لبس فيها، ولا غموض، ولا مراء، وما كان للنظام الذي هب الشعب في وجهه مطالباً بحريته أن يثبت شهوراً، لا سنين، لولا روسيا وإيران. هذا واضح، فالنظام قد استنفد إمكانية بقائه، فكيف باستمراره؟ ولست بصدد تعداد نواقصه، ومسببات ذلك الاستنفاد الذي أوقفته روسيا، ومنعت، في الوقت نفسه، إجراء إصلاحات فيه، ربما نوى عليها النظام في بدايات انهياره، ومهما قيل عن صدقه، أو عدمه، في تلك الإصلاحات، فالواضح أن روسيا شجعته على البقاء في مكانه. وقد أذهب إلى أبعد من ذلك، وأقول: إن تدمير سورية بالكامل، ومهما قيل عن النظام السوري وهدوء جبهته مع عدوه الرئيس الذي لا يزال يحتل الجولان خيرة الأراضي السورية، قد قُدِّم على طبق من ذهب لإسرائيل، الدولة الوحيدة من بين دول العالم التي تضحك اليوم، بملء فيها وكل جوارحها.

فهل روسيا، وبعد هذا كله جادة فيما تقول؟ أو ما يقال عن لسانها؟ إذا كان الأمر كذلك، أي إذا كانت روسيا قد عادت إلى رشدها، وهي، بصدد إعادة حساباتها، وتريد، بجد، التكفير عن خطاياها فيما ألحقته من أضرار في ممتلكات الشعب السوري، وفيما قتلته من مدنيين أبرياء، بفعل الأسلحة الفتاكة التي لم تزل تزود بها الحكومة السورية، وإذا كانت تحن، فعلاً، إلى علاقات ودية بالشعب السوري، وهي علاقات قديمة، تمتد إلى 1944، إذ كان الاتحاد السوفييتي السابق الذي ورثته روسيا أول دولةٍ تعترف باستقلال سورية، وإلى أنها لن توجه سلاحها، بعد الآن، إلى السوريين، بل إلى أعدائهم الحقيقيين من دواعش وسواها، ممن لا يزالون يحتلون أراضيها، فأهلاً وسهلاً ومرحباً، فالشعب السوري يحفظ المودة، ولا ينسى مساهمة الاتحاد السوفييتي السابق في تنمية بلاده، وفي دعم قوته العسكرية، من أجل استعادة الجولان الذي لا تزال إسرائيل تحتله.. وأعتقد أن الشعب السوري الذي لم يقع، عبر تاريخه الحديث، في غرام أميركا، لن يقع فيها، الآن، بسبب مواقفها التي لم تبرح مكانها إلى اليوم.

ما يرغب به الشعب السوري، اليوم، ويرجوه، بل ما تفرضه عليه الضرورة الموضوعية، وهو الخلاص من مأساته التي قد تبدأ بوقف القتال، ووقف تمرير السلاح، والعودة إلى ما يقر به الجميع، وهو المرحلة الانتقالية التي تهيئ لانتخابات ديمقراطية حرة، بعد عودة المهجرين والنازحين إلى وطنهم، وإيوائهم في أماكن تحفظ كرامتهم. وبعدئذ، لا تهم المبادرة، سواء أتت من شخصيات سورية مستقلة، أم من الائتلاف، أم من هيئة التنسيق، أم من غير ذلك مما تراكم أمام الشعب السوري من معارضات وزعامات وادعاءات بتمثيله، والتحدث باسمه، في وقت عجز فيه الجميع، حتى اللحظة على الأقل، عن تقديم بلسمٍ ما، ينهي أوجاع الناس وآلامهم.

أقول هذا الكلام، لأن ألسنةً كثيرة امتدت إلى الشيخ الخطيب، وبعض من أصحابه ومعارفه الذين لم يشاركوه الزيارة، وكأن الرجل قد ارتكب كبرى الكبائر، حين ذهب إلى روسيا!

طيب، أليس من حق الشعب السوري أن يسأل: ما الذي فعلته المعارضات الأخريات؟ ألم تصفع من أميركا وغيرها مراراً وتكراراً؟ ثم هل يمكن لمبادرة الخطيب أنْ تتم، أو هل يمكن للخطيب، أو لغيره، أن يتحدث باسم الشعب السوري، لو أنَّ هناك معارضة موحدة قامت بأفعال مجدية، وكسبت ود الشعب، وثقة الدول الفاعلة في الأزمة السورية كلها.

أعانك الله، أيها الشعب الصابر على بلاء القوالين، الأكثر شراً من براميل النظام المتفجرة، ومن سكاكين داعش وفتاويها.

1D1ED1EA-2F95-436E-9B0D-9EA13686FACD
محمود الوهب

كاتب وصحفي وقاص سوري، له عدد من المؤلفات والمجموعات القصصية