22 نوفمبر 2024
عن داعش الذي لا يموت
تشكّل ائتلافٌ دوليٌ لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتدخلت روسيا في سورية لمحاربة داعش وإخوته الجهاديين، حتى الحشد الشعبي الإيراني في العراق ولد للسبب عينه، وكل دولة ترسل طائرة وأسلحة إلى سورية أو العراق تقول: السبب السيد داعش. ولكن داعش الخرافي هذا، وكأنه كائن لا يُرى، حالما تشتّد المعارك يُزال من هذه المدينة أو تلك، وهو ذاته يختفي من بعض المدن، فهو يقول إنه لا يتمسك بأرضٍ محدّدة، ويمكن أن يعود مجدداً إلى الصحارى. هذا ليس جديداً على الجهاديين، فقد خسر تنظيم التوحيد والجهاد في الفلوجة 2004، وانتهى مجدّداً في 2008، على يد الصحوات، واستقر بعد خساراته في الصحارى، كما تقول دراسة صدرت، أخيراً، في موقع العالم للدراسات "معركة الموصل ومستقبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، وعاد إثر المظاهرات في الفلوجة والموصل، والتي رفعت احتجاجاتٍ رفضتها حكومة نوري المالكي 2014، وكأنه بُعث لإنهائها، بعد أن عجزت حكومة المالكي عن ذلك، وقد توسع بشكل كبير على وقع السياسات الطائفية في العراق التي رافقت عهدي المالكي وحيدر العبادي؛ وبالتالي، ظهور داعش، وقبله الحركات الجهادية، مرتبط بسياسات الإقصاء للطائفة السنية من السلطة، وإن كان لا يعبر عنها بحال، بل يستغل أزمتها ويفرض سلطته المطلقة على المدن التي أكثرية أهلها من الطائفة السنية، وهذا ما حدث في العراق، وفي سورية خصوصاً.
منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وتفكيك الجيش والدولة وظهور مقاومة وطنية، ظهرت الحركات الجهادية قوة إجرامية لتصفية المقاومة، وها هو داعش يتوسع في سورية وليبيا ومصر، ليصير القول السليم إن هذه التنظيمات الجهادية نتاج طبيعي للسياسات الاحتلالية والسياسات الطائفية لإيران في الدواخل العربية، وتغييب أي مشروع وطني عربي، وكذلك لغياب منظومةٍ نقديةٍ للفكر الإسلامي نفسه، وبقاء الوعي العربي رهين التراث الديني والانقسامات الهوياتية الدينية؛ هنا جذر الأصل. للحركات الجهادية سببٌ آخر لظهورها، فهي لعبة استخباراتية عريقة؛ فتنظيم القاعدة كان كذلك، حينما برز دوره في أفغانستان، ويلعب هذا الدور في كل المناطق التي برز فيها، وذلك لتأزيم الوضع الداخلي في أي دولة، أو ليشوّه أي ثورةٍ شعبيةٍ تفتقد درجةً عاليةً من التنظيم ووضوح الرؤية لأهدافها، وهو ما حصل في سورية تحديداً.
تأتي عملية تحرير الموصل، وقبلها الفلوجة، وقبلها مدن أخرى، ولاحقاً ربما الرقة، لتقول إن
سورية والعراق أصبحتا محتلتين من دول إقليمية أو عالمية؛ فالحرب تلك تُخطط وتُشن وتُحشد لها القدرات العسكرية من الدول الإقليمية والعالمية. المشكلة الأكبر هنا أن لا بديل سياسيا في العراق أو سورية، والحرب تُشن من الأنظمة التي حكّمت الخارج، وكانت بسياساتها سبباً لظهور داعش. ففي سورية، تمّ القضاء على ثورة شعبية، وتأمين كل الشروط لظهور داعش وبقية الجهاديين والسلفية، والأمر عينه في العراق. داعش نتاج الأنظمة التي تساهم حالياً في الحرب عليه، لكن هذه الأنظمة لم تكتف بـ"الجيش الوطني"، بل خلقت، وعبر تدخل إيراني بشكل أساسي، منظماتٍ طائفية، كالحشد الشعبي ومنظمات في سورية ما زالت في طور التشكّل بالمعنى "الطائفي". يشكّل نجاح التخلص من داعش، وفق ما ذكرنا، سبباً حقيقياً لعدم اجتثاثه نهائياً، فهو سيختفي في الصحارى أو القرى الهامشية وسيظهر مجدداً، وبالتالي، الحرب على الموصل حالياً هي لتدمير هذه المدينة، كما تمّ تدمير مدن عراقية وسورية كثيرة، وسيعود داعش أو نسخة مطورة عنه للظهور مجدّداً.
ما قد يساهم في محاربة اجتثاثية فعلية لداعش وإخوته الجهاديين والسلفية، الرافضين كل حياة سياسية حديثة قائمة على المواطنة، وكل حياة اجتماعية فيها الفرد حر بذاته، نقول ما يساهم في ذلك هو سياسات جديدة تُنهي المظالم السياسية وفق الأساس الطائفي، واعتماد نظام سياسي مستند إلى المواطنة، وليس بتسييس السنة، كما يُعمم نقاش عربي خاطئ يدّعي وصلاً بالسنة، فالخلاص من المظالم لا يتم بتأسيس الطائفية السياسية، بل بإنهاء كل طائفية سياسية. تجربة لبنان مثال نموذجي لتعطيل كل مؤسسات الدولة، وتحويل الشعب إلى طوائف متحاربة، وتحويل البلد إلى لعبةٍ بيد الدول الإقليمية والعالمية، وبالتالي، تدمير كل مستقبل وطني يرغب به أهل الأرض الأصليون.
نعم، داعش له جذر محلي، يكمن في شكل الوعي الديني السائد، والذي لم يقطع، بصورة كليّةٍ،
مع مفاهيم الخلافة والحدود والفرقة الناجية، لكن هذا الفكر لا يصبح داعشياً بذاته، بل يصبح كذلك بسبب الشروط السياسية التي تدفع به إلى الظهور، وهو ما تطرّقنا له. لا يعني تأكيد هذه الفكرة هنا رفض الفكرة النقدية هذه، بل تأكيدها، فنقد الفكر الإسلامي وإصلاحه يتم في إطار فصل الدين عن الدولة والتعليم، وإعادته إلى علاقة شخصية بين الفرد والله، أو مسألة دينية تخص جماعات بعينها، ولكن بعيداً عن السياسة. تكمل هذه النقطة ضرورة تخلي الأحزاب "الدينية" عن الجانب الدعوي في عملها، وتبني قيم المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهي قيمٌ كونية مناصرة للإنسان، أيّ إنسان، أي تبني قيم العصر الحديث في حقل السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة.
نضيف إلى ما ذكرناه، أن محاربة داعش تبدأ من محاربة شكل النظام السياسي القائم، فهو سبب تحكّم الدول الخارجية وسبب ظهور داعش، وكذلك تبني سياسات اقتصادية واجتماعية، لا تعتمد التمييز الطائفي، وتشمل تنمية كل مستويات الحياة. يساعد في ذلك إنهاء أي دور إيراني بصفة خاصة من سورية والعراق، وكذلك ابتعاد المعارضات في هذين البلدين عن أي برامج طائفية، كما حال كتل كبيرة في العراق وسورية، فهي ترى الأنظمة ضد السنة، وهي أنظمة لصالح الشيعة، وتتجاهل أنها أنظمة سياسية، وتريد تأبيد نفسها بإشعال الحروب الطاحنة، والتي تأكل أولاد الطوائف كافة، أي كل الشعب.
الحرب في الموصل والرقة وبقية المدن لتدميرها! ولتمكين كل الدول المحيطة بالمنطقة العربية فيها، بدءاً بإيران وتركيا وإسرائيل، وطبعاً ضمن لعبة التقاسم الدولي الروسية الأميركية، لن أقول عن واجبات العرب في هذه الشروط العربية الكارثية، فهذا يتطلب مقالاً آخر.
منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وتفكيك الجيش والدولة وظهور مقاومة وطنية، ظهرت الحركات الجهادية قوة إجرامية لتصفية المقاومة، وها هو داعش يتوسع في سورية وليبيا ومصر، ليصير القول السليم إن هذه التنظيمات الجهادية نتاج طبيعي للسياسات الاحتلالية والسياسات الطائفية لإيران في الدواخل العربية، وتغييب أي مشروع وطني عربي، وكذلك لغياب منظومةٍ نقديةٍ للفكر الإسلامي نفسه، وبقاء الوعي العربي رهين التراث الديني والانقسامات الهوياتية الدينية؛ هنا جذر الأصل. للحركات الجهادية سببٌ آخر لظهورها، فهي لعبة استخباراتية عريقة؛ فتنظيم القاعدة كان كذلك، حينما برز دوره في أفغانستان، ويلعب هذا الدور في كل المناطق التي برز فيها، وذلك لتأزيم الوضع الداخلي في أي دولة، أو ليشوّه أي ثورةٍ شعبيةٍ تفتقد درجةً عاليةً من التنظيم ووضوح الرؤية لأهدافها، وهو ما حصل في سورية تحديداً.
تأتي عملية تحرير الموصل، وقبلها الفلوجة، وقبلها مدن أخرى، ولاحقاً ربما الرقة، لتقول إن
ما قد يساهم في محاربة اجتثاثية فعلية لداعش وإخوته الجهاديين والسلفية، الرافضين كل حياة سياسية حديثة قائمة على المواطنة، وكل حياة اجتماعية فيها الفرد حر بذاته، نقول ما يساهم في ذلك هو سياسات جديدة تُنهي المظالم السياسية وفق الأساس الطائفي، واعتماد نظام سياسي مستند إلى المواطنة، وليس بتسييس السنة، كما يُعمم نقاش عربي خاطئ يدّعي وصلاً بالسنة، فالخلاص من المظالم لا يتم بتأسيس الطائفية السياسية، بل بإنهاء كل طائفية سياسية. تجربة لبنان مثال نموذجي لتعطيل كل مؤسسات الدولة، وتحويل الشعب إلى طوائف متحاربة، وتحويل البلد إلى لعبةٍ بيد الدول الإقليمية والعالمية، وبالتالي، تدمير كل مستقبل وطني يرغب به أهل الأرض الأصليون.
نعم، داعش له جذر محلي، يكمن في شكل الوعي الديني السائد، والذي لم يقطع، بصورة كليّةٍ،
نضيف إلى ما ذكرناه، أن محاربة داعش تبدأ من محاربة شكل النظام السياسي القائم، فهو سبب تحكّم الدول الخارجية وسبب ظهور داعش، وكذلك تبني سياسات اقتصادية واجتماعية، لا تعتمد التمييز الطائفي، وتشمل تنمية كل مستويات الحياة. يساعد في ذلك إنهاء أي دور إيراني بصفة خاصة من سورية والعراق، وكذلك ابتعاد المعارضات في هذين البلدين عن أي برامج طائفية، كما حال كتل كبيرة في العراق وسورية، فهي ترى الأنظمة ضد السنة، وهي أنظمة لصالح الشيعة، وتتجاهل أنها أنظمة سياسية، وتريد تأبيد نفسها بإشعال الحروب الطاحنة، والتي تأكل أولاد الطوائف كافة، أي كل الشعب.
الحرب في الموصل والرقة وبقية المدن لتدميرها! ولتمكين كل الدول المحيطة بالمنطقة العربية فيها، بدءاً بإيران وتركيا وإسرائيل، وطبعاً ضمن لعبة التقاسم الدولي الروسية الأميركية، لن أقول عن واجبات العرب في هذه الشروط العربية الكارثية، فهذا يتطلب مقالاً آخر.