عن بيان كتبه "الإخوان"

09 أكتوبر 2015

مقر "الإخوان المسلمين في القاهرة بعد اعتداء عليه (يوليو/2013/Getty)

+ الخط -
كما هو متوقع، تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع مقال كاتب هذه السطور، في "العربي الجديد"، في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، (بيان لم يكتبه "الإخوان")، بتوتر وتشنج، عكس حالة التخبط والانقسام التي تعيشها الجماعة منذ فترة. ولكن، ما كان مفاجئاً حقاً هو تبني فصيل من "الإخوان"، أو من المحسوبين عليه، ما جاء في المقال، مع إجراء تعديل بسيط عليه، وإصداره تحت عنوان "بيان يكتبه الإخوان"، وتوزيعه من خلال البريد الإلكتروني الرسمي للجماعة على الصحافيين والإعلاميين والباحثين، الأمر الذي أثار غضب الفصيل الآخر الذي أصدر، بدوره، نفياً رسمياً لكتابة الجماعة البيان أو إصداره. أما الطريف، فكان نفي أحد القيادات المحسوبة علي الفصيل الأول البيان الذي أصدروه، واعتبره مجرد تعبيرٍ عن "رأي شخصي"، على الرغم من أنه تم توزيعه من خلال البريد الإلكتروني الرسمي للجماعة..

أياً كان الأمر، فإن تعاطي فصائل "الإخوان المسلمين" مع ما كتبناه يؤكد، ليس فقط مأزق الانقسام والاستقطاب الداخلي الذي تعاني منه الجماعة، والذي ينذر بانفجار قريب، وإنما أيضا محاولة كل فصيل توظيف ما كُتب في صراعه وتناحره مع الفصيل الآخر، من أجل تأكيد سيطرته على التنظيم. وبدلاً من أن يتم التعاطي مع ما كُتب بوعي وواقعية، أو باعتباره طريقة أخرى للتفكير "خارج الصندوق"، لإيجاد مخرج من المأزق الراهن الذي تعيشه الجماعة ومصر، تم التعاطي معه إما على أنه جزء من المؤامرة التي تُحاك ضد الجماعة، أو على أنه دعوة للاستسلام والانسحاب. ويؤكد هذا الأمر المشكلة المستعصية في "الإخوان"، وقطاع من الإسلاميين الذين يتشككون في كل ما يُطرح من خارج دوائرهم وقواعد مؤيديهم، ويضعونه ضمن ثنائيات الأحكام المطلقة بين الأبيض والأسود، أو الخير والشر، أو الحق والظلم. وهي الثنائيات التي لا تزال تحكم مواقف الجماعة من جميع الأطراف، سواء من هم في السلطة أو من ضدها. وهي أيضا التي ساهمت في انفضاض قوى سياسية كثيرة رافضة للأوضاع في مصر عن "الإخوان"، وزيادة معدل عدم ثقتهم بها.

وأطرف ما قيل عن المقال، كان ما نقلته جرائد ومواقع صحافية مصرية سعت إلى الاستثمار في الانقسام الإخواني الداخلي، فروّجت أن كاتب المقال "قيادي إخواني". وكان الأسوأ أن يستخدم بعضهم، من المحسوبين علي المعسكر المضاد للسلطوية العسكرية، لغة المزايدة واللمز من طرف خفي، وإنْ بحسن نية، في المقال وكاتبه، وكأن "الإخوان" أصبحت "بقرة مقدسة" لا يجوز الاقتراب منها أو انتقادها. أو أن تصبح أي محاولة لإعادة التفكير في الوضع البائس للجماعة "رقصاً على جثتها"، ويسعى من يطلقها إلى خوض معارك "دون كيشوتيه". وهو ما يؤكد حجم الأزمة الفكرية التي أصابت هذا المعسكر، والمنخرطين فيه، والذين تحولت أقلامهم وأطروحاتهم إلى مجرد "حالة تنفيس" للغضب من الأوضاع الراهنة، من دون القدرة على الخروج منها، أو التفكير بشكل أكثر هدوءاً وعقلانية وموضوعية، يطرح حلولاً للأزمة، وإن كان بعضها مُر، ولا يأتي على هوى من يخاطبهم.

من حق الجميع أن ينتقد كل ما يُكتب، سواء عن "الإخوان المسلمين" أو غيرهم، بل إن هذا هو الأصل في أي حوار وجدل فكري حيوي ونافع. لكن، يجب أن يكون ذلك من دون الوقوع في فخ المزايدات والاستخفاف، وأحيانا الاستهزاء، بما يُطرح، واعتباره من قبيل اللغو والعبث.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".