13 فبراير 2022
عن بطانة الاستبداد في بلادنا
يصل إليك خبر ترشّح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (82 عاماً) لولاية رئاسية خامسة، وهو الذي أقعده المرض عن الحركة، وعن مزاولة وظائفه الرئاسية طوال السنوات الخمس الماضية، فتشعر بالأسى والحزن على ما وصلت إليه الأوضاع في الجزائر من تكلّس سياسي وجمود فكري. وتذهب شرقاً فتجد نواباً (أو بالأحرى موظفين) في البرلمان المصري، يتقدّمون بطلبٍ لتعديل الدستور المصري، ليس من أجل تعزيز الديمقراطية، وإنما من أجل منح الجنرال عبد الفتاح السيسي سنواتٍ إضافيةً في السلطة، إلى أن يصل إلى سن الثمانين، فتشعر بالغثيان والتقزّز مما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، في بلدٍ شهد قيام إحدى أقدم التجارب البرلمانية في العالم العربي. وتتجه جنوباً فتجد جنرالاً آخر يصمّ آذانه عن أصوات شعبه التي تصرخ تطالب بالتغيير، بعد أن فشل فشلاً ذريعاً في السلطة ثلاثين عاماً.
في الحالات الثلاث أعلاه لم يبادر المستبد لتجديد استبداده، وإنما تنافحت عنه نخبٌ وبطانةٌ متمرّسةٌ في الكذب والنفاق، تدافع بكل قوة عن بقاء هؤلاء المستبدّين في السلطة. وهي بطانةٌ متنوعةٌ تجمع في صفوفها كل أنواع المتزلفين من سياسيين ومثقفين وباحثين ورجال دين وإعلاميين.. إلخ. ففي الجزائر، وقف أحد أعضاء حزب جبهة التحرير الوطني لإعلان ترشّح بوتفليقة في حشد كبير من أعضاء الحزب، تتوسطهم، ويا للسخرية، صورة الرئيس بوتفليقة، وليس جثته، في مشهدٍ لن ينساه الجزائريون مدى الحياة. فالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة لا تسمح له بالوجود أو الحديث. وعلى الرغم من ذلك، دافعت عنه بطانة ومجموعة من المنتفعين وسماسرة السياسة الذين يحيطون به، ويسوّلون له الأمر، ويدافعون عن بقائه في السلطة، باعتباره "صمام الأمن" للبلاد. وبدونه سوف تسقط البلاد في فوضى سياسية ومجتمعية. وفي مصر، انطلقت حملة الترويج والتطبيل للتعديلات الدستورية التي تمنح السيسي صلاحياتٍ واسعة، وتعطيه الحق للبقاء في السلطة حتى عام 2034. وقد انخرط بها إعلاميون وسياسيون ومثقفون ينافحون بكل قوة عن التعديلات، وعن بقاء السيسي في السلطة حتى آخر نفس، وذلك باعتباره أيضاً "حامي البلاد والعباد". ولم يخجل أحد أساتذة العلوم السياسية من الترويج الفجّ والفاضح للسيسي، باعتباره أيضاً "المنقذ" الوحيد للبلاد من الفوضى، ومبرّراً التعديلات الكارثية بأنها أفضل الحلول بحجة أن البلاد "ليست جاهزة الآن للديمقراطية!"، وهو الشخص نفسه الذي حملته ثورة يناير على أكتافها، وجاءت به من أميركا ليكون مستشاراً لأول رئيس وزراء مصري بعد الثورة. في حين تقف جوقةٌ كبيرةٌ من العسكر والرموز الحزبية خلف البشير، تدعمه وتحرّضه على شعبه، وتطالبه بعدم الالتفات لمطالب المحتجين الغاضبين، باعتبارهم "مجموعة عملاء وخونة يعملون لحساب قوى خارجية".
تدرك هذه البطانة الفاسدة أن بقاءهم على قيد الحياة مرتبطٌ ببقاء المستبدين في السلطة، وأن مصالحهم ومصائرهم مرتبطة عضوياً بمصائر المستبدين. لذا فهم حين يدافعون عن بقاء المستبد في الحكم، يدافعون عن أنفسهم وحياتهم ومصالحهم، وذلك من دون اكتراثٍ بمصالح الشعوب ومصائرها. بل وقد يدّعي بعضهم أحياناً أنهم أكثر درايةً من الشعب بمصلحته! كما يخشى هؤلاء المطبّلون والمتملقون من انتقام المستبد منهم، إذا ما توقفوا عن دعمه وتأييده، وهم يرون ما يحدث مع الآخرين الذين انقلب عليهم المستبد، وفضحهم وورّطهم في وقائع فساد مالي وأخلاقي.
ليس أخطر من الاستبداد سوى بطانته، وليس أسوأ من المستبدّين سوى حاشيتهم، وكل من يدافع عن جرائمهم واستبدادهم. وقديماً قال أفلاطون "الطغيان يقرّب بين الناس والآلهة، وسنرى الشعراء يطوفون البلاد واحدةً تلو الأخرى، فيجمعون الجماهير، ويستأجرون أصحاب الأصوات الجميلة المقنعة، لكي يغروا الجماهير على الأخذ بدستور استبدادي".
في الحالات الثلاث أعلاه لم يبادر المستبد لتجديد استبداده، وإنما تنافحت عنه نخبٌ وبطانةٌ متمرّسةٌ في الكذب والنفاق، تدافع بكل قوة عن بقاء هؤلاء المستبدّين في السلطة. وهي بطانةٌ متنوعةٌ تجمع في صفوفها كل أنواع المتزلفين من سياسيين ومثقفين وباحثين ورجال دين وإعلاميين.. إلخ. ففي الجزائر، وقف أحد أعضاء حزب جبهة التحرير الوطني لإعلان ترشّح بوتفليقة في حشد كبير من أعضاء الحزب، تتوسطهم، ويا للسخرية، صورة الرئيس بوتفليقة، وليس جثته، في مشهدٍ لن ينساه الجزائريون مدى الحياة. فالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة لا تسمح له بالوجود أو الحديث. وعلى الرغم من ذلك، دافعت عنه بطانة ومجموعة من المنتفعين وسماسرة السياسة الذين يحيطون به، ويسوّلون له الأمر، ويدافعون عن بقائه في السلطة، باعتباره "صمام الأمن" للبلاد. وبدونه سوف تسقط البلاد في فوضى سياسية ومجتمعية. وفي مصر، انطلقت حملة الترويج والتطبيل للتعديلات الدستورية التي تمنح السيسي صلاحياتٍ واسعة، وتعطيه الحق للبقاء في السلطة حتى عام 2034. وقد انخرط بها إعلاميون وسياسيون ومثقفون ينافحون بكل قوة عن التعديلات، وعن بقاء السيسي في السلطة حتى آخر نفس، وذلك باعتباره أيضاً "حامي البلاد والعباد". ولم يخجل أحد أساتذة العلوم السياسية من الترويج الفجّ والفاضح للسيسي، باعتباره أيضاً "المنقذ" الوحيد للبلاد من الفوضى، ومبرّراً التعديلات الكارثية بأنها أفضل الحلول بحجة أن البلاد "ليست جاهزة الآن للديمقراطية!"، وهو الشخص نفسه الذي حملته ثورة يناير على أكتافها، وجاءت به من أميركا ليكون مستشاراً لأول رئيس وزراء مصري بعد الثورة. في حين تقف جوقةٌ كبيرةٌ من العسكر والرموز الحزبية خلف البشير، تدعمه وتحرّضه على شعبه، وتطالبه بعدم الالتفات لمطالب المحتجين الغاضبين، باعتبارهم "مجموعة عملاء وخونة يعملون لحساب قوى خارجية".
تدرك هذه البطانة الفاسدة أن بقاءهم على قيد الحياة مرتبطٌ ببقاء المستبدين في السلطة، وأن مصالحهم ومصائرهم مرتبطة عضوياً بمصائر المستبدين. لذا فهم حين يدافعون عن بقاء المستبد في الحكم، يدافعون عن أنفسهم وحياتهم ومصالحهم، وذلك من دون اكتراثٍ بمصالح الشعوب ومصائرها. بل وقد يدّعي بعضهم أحياناً أنهم أكثر درايةً من الشعب بمصلحته! كما يخشى هؤلاء المطبّلون والمتملقون من انتقام المستبد منهم، إذا ما توقفوا عن دعمه وتأييده، وهم يرون ما يحدث مع الآخرين الذين انقلب عليهم المستبد، وفضحهم وورّطهم في وقائع فساد مالي وأخلاقي.
ليس أخطر من الاستبداد سوى بطانته، وليس أسوأ من المستبدّين سوى حاشيتهم، وكل من يدافع عن جرائمهم واستبدادهم. وقديماً قال أفلاطون "الطغيان يقرّب بين الناس والآلهة، وسنرى الشعراء يطوفون البلاد واحدةً تلو الأخرى، فيجمعون الجماهير، ويستأجرون أصحاب الأصوات الجميلة المقنعة، لكي يغروا الجماهير على الأخذ بدستور استبدادي".