08 نوفمبر 2024
عن انكشاف سعودي مع انسحاب الإمارات من اليمن
جاء تهديد الحوثيين السعودية قبل أيام، بمرحلة جديدة من المواجهة معها، ليكلِّل سلسلة الضربات التي تتلقاها منذ شنّها الحرب على اليمن، التي هندسها وليّ العهد محمد بن سلمان. ويتزامن التهديد مع انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، ليجعل القيادة السعودية غير قادرةٍ أن تعي من أين تتلقى الضربات التي جعلت ظهرها ينكشف أمام الأخطار. وفقدانها المساندة العسكرية من حلفائها في التحالف، يضعف موقفها التفاوضي، إن أتيح لها مجال للتفاوض لإنهاء الحرب. ولهذا السبب، أصبحت في ورطة، حين أصبحت خياراتها في موضوع الحرب على اليمن قليلة، فإن تبنّت المتاح من هذه الخيارات، فستكون خاسرة لخوضها حرباً أثبتت الأشهر الأولى منها مدى عبثيتها. إذا أخذنا بالاعتبار ضعف المشاركة البحرينية في جهود الحرب التي تقودها السعودية منذ خمس سنوات على اليمن، واتخاذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشاركته فيها أداة ابتزازٍ، يأتي الانسحاب الإماراتي من اليمن، لا ليترك السعودية تحارب وحدها فحسب، بل لجعلها تواجه وحدها الأخطار اليومية التي تأتيها من الحوثيين. كما أن انسحاب الإمارات، والخوف الذي يبدو أنه اعتراها من إمكانية وصول طائرات الحوثيين وصواريخهم، أو صواريخ حزب الله، إذا ضُربت إيران، إلى أراضي الإمارات، سيجعلها تنأى بنفسها عن هذه الحرب عسكرياً أو حتى سياسياً، وفي هذا إضعافٌ لموقف المملكة التفاوضي، إن قُيِّض لهذا الملف أن يتَّخذ طريق الحل السياسي الجدّي.
وجرى الحديث بداية الشهر الماضي (يوليو/ تموز) عن انسحاب جزئي للقوات الإماراتية من اليمن، أرجع كثيرون سببه إلى التكلفة الباهظة التي تترتب على الخزينة الإماراتية من جرّاء الحرب. كما أرجعوه إلى التداعيات الخطيرة على الجميع التي يمكن أن تحدثها حربٌ أميركية على إيران. وبعدها أتى انسحاب جزء من القوات السودانية من أربع مناطق يمنية، ليزيد من أزمة التحالف الذي تقوده السعودية. وقيل إن هذه الانسحابات حصلت من دون أي تنسيقٍ مسبقٍ مع الحكومة الشرعية. وإن كان صحيحاً أن قواتٍ سعوديةً حلّت محلّ القوات المنسحبة، تكون السعودية بذلك قد دخلت المستنقع اليمني بشكل رسمي.
الإماراتيون على علمٍ بالكيفية التي طوّر الحوثيون فيها أساليبهم القتالية، حين اعتمدوا التصنيع
العسكري، مستفيدين من الدعم اللوجستي الذي تقدّمه لهم إيران وحزب الله اللبناني، علاوة على التكتيكات التي تبين أنهم بارعون في تبنّيها سريعاً. وربما يؤسس هذا التطور في أساليب الرد على السعودية لردٍّ عبر أشكال لم تعهدها المملكة والإمارات خلال هذه الحرب. وفي هذا الإطار، يأتي تهديد نائب وزير خارجية حكومة الحوثيين حسين العزي، قبل أيام، وحديثه عن مرحلة جديدة من المواجهة مع ما سمّاه "التحالف السعودي - الإماراتي"، ليكرِّس بذلك تطورهم العسكري الذي بدأت تتضح معالمه عبر الضربات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي تتلقاها المملكة. وتحدث العزي عن أشياء ستقع في الوقت المناسب في أماكن لا يتوقعها أحد، وهو ما يعطيهم القوة، ويوقع الخشية في قلوب خصومهم.
كما لا يمكن إغفال أن الإمارات تصدِّق تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لها وللسعودية إن استُهدفت إيران بضربة عسكرية أو حرب. وكان نصر الله قد قال في حديث تلفزيوني، في 12 يوليو/ تموز الماضي، إن الحرب على إيران سيكون لها تداعيات على دول المنطقة. وخصَّ بكلامه دولة الإمارات، وبالتحديد ما سماها "مدن الزجاج الإماراتية" التي ستكون الأسرع تأثراً، والأكثر تألُّماً بسبب الرد.
وتأتي هذه المستجدّات لتزيد من آلام السعودية التي تستنزفها الحرب على اليمن، وهو استنزافٌ يضاف إلى استنزاف الرئيس الأميركي ترامب، لها بحجة حمايته عرش ملكها. كما تضاف أعباء الحرب إلى الخسائر التي خلّفها تراجع اقتصادها بسبب السياسات الاقتصادية الخطأ التي يتبعها ولي عهدها محمد بن سلمان، علاوة على سياساته العدوانية تجاه جيرانه، التي تجبر المملكة على التفكير بالتحصّن أكثر مخافة ردود أفعال من تستعديهم. والإمارات، والحال هذه، لم يعد بإمكانها تحمُّل أعباء مالية أخرى أو تهديد من هذا القبيل، فكيف باستهداف إحدى مدنها أو حتى إحدى أبنيتها الشاهقة، وهي التي تحاول أن تكرّس نفسها مركزاً تجارياً عالمياً بالاعتماد على سمعة هذه الأبنية، السمعة التي يمكن أن تخلخلها ضربة بطائرة مسيرة مذخَّرة تذخيراً عادياً.
وتبدو السعودية متثاقلةً مالياً بسبب تبعات الحرب على اليمن، وما خلفته من أعباء مالية تضاف إلى العجوزات التي تعاني منها موازنتها. إذ بات معروفاً أن السعودية تعاني من عجزٍ ماليٍّ لافت في الموازنة، أدى بها إلى الاستدانة من المصارف الدولية. ويجري الحديث في هذا الإطار عن استدانتها أكثر من مائة مليار دولار منذ سنة 2014، وخصوصاً بعد تعثُّر طرح جزء من أسهم شركة أرامكو للبيع في البورصات العالمية، وتراجع أسعار النفط. وأثار لجوء صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي إلى الاستدانة، شكوكاً بشأن مدى إمكانية تحقيق خطط "رؤية السعودية 2030" التي يشرف عليها الصندوق، والتي تهدف إلى تحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكلّي على النفط والتبعية له.
من الظاهر أن قيادة الإمارات ترى واقع السعودية الحالي، وعليه تُجري مراجعاتٍ لخططها
الخاصة بالموضوع اليمني، وهي لذلك قرّرت سحب قواتها، والنأي عن الحرب في اليمن وأخطارها. ولكن يبدو أن قادة السعودية، وخصوصاً منهم ولي عهدها، لا يجد ما يستوجب مراجعاتٍ كهذه، وهو الذي ربما يرى في النصح استهزاءً بقدراته. ولذلك ستكون خيارات السعودية قليلةً في هذه الحرب، بعد أن تُركت وحيدةً.
لن يؤدي انسحاب الإماراتيين إلى وقف الحرب، على الرغم من اعتماد السعودية الكبير على وجودهم على الأرض. ولن يكون من السهل على السعودية التي لم تحقق أهدافها من الحرب ولم تنتصر فيها، أن توقفها، لأن ذلك سيعني السماح للحوثيين بالسيطرة على اليمن، وهذا سيؤدي إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة عبرهم. كما لن تتمكّن من نفخ الروح في فريق الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي، بعد أن أضعفت دوره، لكي تصبح الآمر الناهي في حرب اليمن وقرار قيادتها. وبسبب تهميشه، أخذ الفساد ينخر فريقه الذي لن تقوم له قائمة، ليصبح مهيأً للاضطلاع بدور عسكري أو سياسي قادر على التفاوض. وهذه ورطةٌ تُضاف إلى الورطات التي وجدت السعودية نفسها فيها بسبب هذه الحرب، وهي التي لم تكن تتوقع، حين شنّتها، أن تُترَك فيها وحيدةً مكشوفةَ الظهر، عسكرياً وسياسياً.
وجرى الحديث بداية الشهر الماضي (يوليو/ تموز) عن انسحاب جزئي للقوات الإماراتية من اليمن، أرجع كثيرون سببه إلى التكلفة الباهظة التي تترتب على الخزينة الإماراتية من جرّاء الحرب. كما أرجعوه إلى التداعيات الخطيرة على الجميع التي يمكن أن تحدثها حربٌ أميركية على إيران. وبعدها أتى انسحاب جزء من القوات السودانية من أربع مناطق يمنية، ليزيد من أزمة التحالف الذي تقوده السعودية. وقيل إن هذه الانسحابات حصلت من دون أي تنسيقٍ مسبقٍ مع الحكومة الشرعية. وإن كان صحيحاً أن قواتٍ سعوديةً حلّت محلّ القوات المنسحبة، تكون السعودية بذلك قد دخلت المستنقع اليمني بشكل رسمي.
الإماراتيون على علمٍ بالكيفية التي طوّر الحوثيون فيها أساليبهم القتالية، حين اعتمدوا التصنيع
كما لا يمكن إغفال أن الإمارات تصدِّق تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لها وللسعودية إن استُهدفت إيران بضربة عسكرية أو حرب. وكان نصر الله قد قال في حديث تلفزيوني، في 12 يوليو/ تموز الماضي، إن الحرب على إيران سيكون لها تداعيات على دول المنطقة. وخصَّ بكلامه دولة الإمارات، وبالتحديد ما سماها "مدن الزجاج الإماراتية" التي ستكون الأسرع تأثراً، والأكثر تألُّماً بسبب الرد.
وتأتي هذه المستجدّات لتزيد من آلام السعودية التي تستنزفها الحرب على اليمن، وهو استنزافٌ يضاف إلى استنزاف الرئيس الأميركي ترامب، لها بحجة حمايته عرش ملكها. كما تضاف أعباء الحرب إلى الخسائر التي خلّفها تراجع اقتصادها بسبب السياسات الاقتصادية الخطأ التي يتبعها ولي عهدها محمد بن سلمان، علاوة على سياساته العدوانية تجاه جيرانه، التي تجبر المملكة على التفكير بالتحصّن أكثر مخافة ردود أفعال من تستعديهم. والإمارات، والحال هذه، لم يعد بإمكانها تحمُّل أعباء مالية أخرى أو تهديد من هذا القبيل، فكيف باستهداف إحدى مدنها أو حتى إحدى أبنيتها الشاهقة، وهي التي تحاول أن تكرّس نفسها مركزاً تجارياً عالمياً بالاعتماد على سمعة هذه الأبنية، السمعة التي يمكن أن تخلخلها ضربة بطائرة مسيرة مذخَّرة تذخيراً عادياً.
وتبدو السعودية متثاقلةً مالياً بسبب تبعات الحرب على اليمن، وما خلفته من أعباء مالية تضاف إلى العجوزات التي تعاني منها موازنتها. إذ بات معروفاً أن السعودية تعاني من عجزٍ ماليٍّ لافت في الموازنة، أدى بها إلى الاستدانة من المصارف الدولية. ويجري الحديث في هذا الإطار عن استدانتها أكثر من مائة مليار دولار منذ سنة 2014، وخصوصاً بعد تعثُّر طرح جزء من أسهم شركة أرامكو للبيع في البورصات العالمية، وتراجع أسعار النفط. وأثار لجوء صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي إلى الاستدانة، شكوكاً بشأن مدى إمكانية تحقيق خطط "رؤية السعودية 2030" التي يشرف عليها الصندوق، والتي تهدف إلى تحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكلّي على النفط والتبعية له.
من الظاهر أن قيادة الإمارات ترى واقع السعودية الحالي، وعليه تُجري مراجعاتٍ لخططها
لن يؤدي انسحاب الإماراتيين إلى وقف الحرب، على الرغم من اعتماد السعودية الكبير على وجودهم على الأرض. ولن يكون من السهل على السعودية التي لم تحقق أهدافها من الحرب ولم تنتصر فيها، أن توقفها، لأن ذلك سيعني السماح للحوثيين بالسيطرة على اليمن، وهذا سيؤدي إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة عبرهم. كما لن تتمكّن من نفخ الروح في فريق الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي، بعد أن أضعفت دوره، لكي تصبح الآمر الناهي في حرب اليمن وقرار قيادتها. وبسبب تهميشه، أخذ الفساد ينخر فريقه الذي لن تقوم له قائمة، ليصبح مهيأً للاضطلاع بدور عسكري أو سياسي قادر على التفاوض. وهذه ورطةٌ تُضاف إلى الورطات التي وجدت السعودية نفسها فيها بسبب هذه الحرب، وهي التي لم تكن تتوقع، حين شنّتها، أن تُترَك فيها وحيدةً مكشوفةَ الظهر، عسكرياً وسياسياً.