12 اغسطس 2018
عن اندثار حزب نداء تونس
مرّت الذكرى الخامسة لتأسيس حزب نداء تونس الأسبوع الماضي، وسط أزمة سياسية داخلية، قادت إلى تفكك الحزب وانقسامه إلى شقين في البداية، ترأس الأول الأمين العام السابق للحزب، محسن مرزوق، والذي أسس حزبه الجديد حركة مشروع تونس، وانقسمت كتلته النيابية إلى كتلتين، ثم تأزمت العلاقة داخل الشق الباقي (شق حافظ قائد السبسي) منذ مؤتمر سوسة قبل حوالي سنة ونصف السنة، وانقسامه إلى قسمين متناحرين، يواصل أحدهما الولاء لحافظ، ويخوض ثانيهما حربا تصحيحية ضده بقيادة رضا بلحاج.
حقق حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس التونسي الحالي، الباجي قائد السبسي، في 16 يونيو/ حزيران2012، فوزًا كاسحًا في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بحصوله على المرتبة الأولى، حيث ضمت الكتلة البرلمانية له حينها 86 نائبًا، وتمتّعت بكل النفوذ الذي يُمنح للكتلة الأولى، بيد أن هذه الكتلة الأم انقسمت إلى ثلاث كتل، نتاج الأزمات التي عصفت بالحزب: كتلة نداء تونس تضم 54 نائبًا، وكتلة الحرّة لحركة مشروع تونس 23 نائبا، وأخيرًا، الكتلة الوطنية حديثة النشأة، التي تشكّلت قبل أسابيع، وتضم سبعة نواب، وهذا العدد مرشّح للارتفاع حسب تصريحات بعض نوابها.
أما لماذا تحول "نداء تونس" إلى حزبٍ آيلٍ للاندثار، فذلك للأسباب التالية:
أولاً: لم تكن ولادة الحزب طبيعية، فالذي أسهم في تأسيسه هو الباجي قائد السبسي، الشيخ
العلماني الذي يكاد يكون نسخة من الزعيم الحبيب بورقيبة، ولكنها نسخة غير معرّفة، ولا هي مطابقة للأصل إيجابًا وسلبًا. نجح في جمع ائتلاف واسع، بدأ من العائلة الدستورية والتجمعية (نسبة إلى حزب التجمع المنحل)، وانتهى إلى اليساريين والنقابيين الانتهازيين، ومئات آلاف التونسيين الذين أقنعهم خطاب الاستقطاب الأيديولوجي وتهديدات الدولة الحديثة ونمط عيش التونسيين من الإسلاميين.
ثانيًا: معظم قيادات حزب نداء تونس التي وصلت إلى قبة البرلمان، بفضل المال السياسي الفاسد، لا تجمع بينها سوى شراهة الحكم، ونهم الاستحواذ على مواقع القرار، لا السياسي فقط، وإنما الإداري والأمني وربما العسكري، والتعامل مع الدولة باعتبارها دولة غنائمية. وهذه القيادات لم تعد تحظى بأي تأييد شعبي واسع سوى قواعد انتخابية منطوية على ذاتها، في ما يشبه القبائل العربية وطوائف الأندلس الآفلة.
ثالثا: عاش حزب نداء تونس سلسلة كاملة من الأزمات، بدأت مع تحالف الرئيس الباجي قائد السبسي، مباشرة بعد الانتخابات مع حركة النهضة،علمًا أن الباجي الذي تعهد بألا يتحالف إلا مع العائلة الديمقراطية، معتبرًا أن "نداء تونس" وحركة النهضة الإسلامية خطان متوازيان لا يلتقيان، انقلب على نفسه، ليجرّدها من زعامة وطنية، بعد أن تحالف مع الإسلاميين، ووضع يده في أيديهم، في نطاق ما بات يعرف في تونس "الديمقراطية التوافقية" التي تختلف، بطبيعة الحال، عن الديمقراطية التمثيلية. وفي ظل رفض قسم كبير من العلمانيين التحالف مع الإسلاميين، بدأت رحلة التشظي والتفتت لحزب نداء تونس، مع خروج النقابيين واليساريين والمستقلين، ,فاقمت الأزمة الداخلية للحزب.
رابعًا: سيطرة العقلية الفردية في قيادة الحزب على كل القرارات، لا سيما في ظل قيادة حافظ قائد السبسي، فقد بات يمتلك نفوذًا سياسيًا مستمدًا من والده الرئيس، الداعم الحقيقي لعملية توريث ابنه لرئاسة الحزب، مقدمة أساسية لوراثة قصر قرطاج، إضافة إلى الدعم القوي الذي قدمته حركة النهضة، الشريك القوي في الحكم، لحافظ قائد السبسي، والذي رشحته لخلافة أبيه. ولهذه الفرضية امتداد أيضا في الكواليس السياسية والأوساط الشعبية، وهي مبنية أساسا على
اعتبار أن حركة النهضة لا تريد إعادة إنتاج "قوة استئصالية محتملة" ضدها قبيل الانتخابات، فضلاً عن أن حافظ السبسي الذي يترأس الآن حزب نداء تونس يعتبر ضعيفًا من حيث التكوين السياسي والثقافي. لذا ركزت "النهضة" على توسيع مجالات التقارب والتنسيق بين حزبي حركة النهضة ونداء تونس، في إطار هيئة تنسيقية عليا، أحدثت رجة جديدة في النداء.
خامسًا: إزاحة حافظ قائد السبسي كل الشخصيات التاريخية النافذة التي أسهمت في تأسيس حزب نداء تونس، ومن أبرز هذه القيادات وزير الخارجية الأسبق، الطيب البكوش، والوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب الأسبق، الأزهر العكرمي، ومستشار رئيس الجمهورية الأسبق والأمين العام لحزب حركة مشروع تونس حاليا، محسن مرزوق، ومدير ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، رضا بالحاج، والقياديين، بوجمعة الرميلي وفوزي اللومي الذي انسحب غداة مؤتمر سوسة التوافقي، محملا المشاركين فيه المسؤولية السياسية والأخلاقية الكاملة لاهتزاز صورة الحزب لدى الرأي العام، وتعميق الأزمة.. وأسماء عديدة أخرى.
سادسًا: الحرب الصامتة بين رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وحافظ قائد السبسي، وتنافسهما على قيادة الجيل الجديد من السياسيين. ولم تعد خافية طبيعة الخلاف بين الرجلين، خصوصا في ظل ما يُرجعه بعضهم إلى ضرب الشاهد الجناح المالي لقائد السبسي الابن، في إطار ما سميت الحرب على الفساد، والتي انطلقت باعتقال رجل الأعمال، شفيق الجراية، ليصل المتابعون إلى موقفٍ مفاده بأن الحرب على الفساد ما هي إلا صراع شقوق وأجنحة داخل السلطة، فمردّ الفساد البنيوي المتغلغل في أجهزة الدولة الغنائمية التونسية، بالدرجة الرئيسة، أن الأحزاب الحاكمة منذ سنة 2011 هي الأكثر احتكاكًا بالفاسدين، وبلوبيات الفساد بصفة عامة، حيث نجد نواباً ووزراء في الحكومات السابقة والحالية مورطين في الفساد، لا سيما في ما يتعلق بالصفقات العمومية التي تؤكد الأرقام أن نسبة الفساد فيها بلغت 25%، أي في حدود 4000 مليون دينار، أي ما يعادل 1.6مليار دولار.
حقق حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس التونسي الحالي، الباجي قائد السبسي، في 16 يونيو/ حزيران2012، فوزًا كاسحًا في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بحصوله على المرتبة الأولى، حيث ضمت الكتلة البرلمانية له حينها 86 نائبًا، وتمتّعت بكل النفوذ الذي يُمنح للكتلة الأولى، بيد أن هذه الكتلة الأم انقسمت إلى ثلاث كتل، نتاج الأزمات التي عصفت بالحزب: كتلة نداء تونس تضم 54 نائبًا، وكتلة الحرّة لحركة مشروع تونس 23 نائبا، وأخيرًا، الكتلة الوطنية حديثة النشأة، التي تشكّلت قبل أسابيع، وتضم سبعة نواب، وهذا العدد مرشّح للارتفاع حسب تصريحات بعض نوابها.
أما لماذا تحول "نداء تونس" إلى حزبٍ آيلٍ للاندثار، فذلك للأسباب التالية:
أولاً: لم تكن ولادة الحزب طبيعية، فالذي أسهم في تأسيسه هو الباجي قائد السبسي، الشيخ
ثانيًا: معظم قيادات حزب نداء تونس التي وصلت إلى قبة البرلمان، بفضل المال السياسي الفاسد، لا تجمع بينها سوى شراهة الحكم، ونهم الاستحواذ على مواقع القرار، لا السياسي فقط، وإنما الإداري والأمني وربما العسكري، والتعامل مع الدولة باعتبارها دولة غنائمية. وهذه القيادات لم تعد تحظى بأي تأييد شعبي واسع سوى قواعد انتخابية منطوية على ذاتها، في ما يشبه القبائل العربية وطوائف الأندلس الآفلة.
ثالثا: عاش حزب نداء تونس سلسلة كاملة من الأزمات، بدأت مع تحالف الرئيس الباجي قائد السبسي، مباشرة بعد الانتخابات مع حركة النهضة،علمًا أن الباجي الذي تعهد بألا يتحالف إلا مع العائلة الديمقراطية، معتبرًا أن "نداء تونس" وحركة النهضة الإسلامية خطان متوازيان لا يلتقيان، انقلب على نفسه، ليجرّدها من زعامة وطنية، بعد أن تحالف مع الإسلاميين، ووضع يده في أيديهم، في نطاق ما بات يعرف في تونس "الديمقراطية التوافقية" التي تختلف، بطبيعة الحال، عن الديمقراطية التمثيلية. وفي ظل رفض قسم كبير من العلمانيين التحالف مع الإسلاميين، بدأت رحلة التشظي والتفتت لحزب نداء تونس، مع خروج النقابيين واليساريين والمستقلين، ,فاقمت الأزمة الداخلية للحزب.
رابعًا: سيطرة العقلية الفردية في قيادة الحزب على كل القرارات، لا سيما في ظل قيادة حافظ قائد السبسي، فقد بات يمتلك نفوذًا سياسيًا مستمدًا من والده الرئيس، الداعم الحقيقي لعملية توريث ابنه لرئاسة الحزب، مقدمة أساسية لوراثة قصر قرطاج، إضافة إلى الدعم القوي الذي قدمته حركة النهضة، الشريك القوي في الحكم، لحافظ قائد السبسي، والذي رشحته لخلافة أبيه. ولهذه الفرضية امتداد أيضا في الكواليس السياسية والأوساط الشعبية، وهي مبنية أساسا على
خامسًا: إزاحة حافظ قائد السبسي كل الشخصيات التاريخية النافذة التي أسهمت في تأسيس حزب نداء تونس، ومن أبرز هذه القيادات وزير الخارجية الأسبق، الطيب البكوش، والوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب الأسبق، الأزهر العكرمي، ومستشار رئيس الجمهورية الأسبق والأمين العام لحزب حركة مشروع تونس حاليا، محسن مرزوق، ومدير ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، رضا بالحاج، والقياديين، بوجمعة الرميلي وفوزي اللومي الذي انسحب غداة مؤتمر سوسة التوافقي، محملا المشاركين فيه المسؤولية السياسية والأخلاقية الكاملة لاهتزاز صورة الحزب لدى الرأي العام، وتعميق الأزمة.. وأسماء عديدة أخرى.
سادسًا: الحرب الصامتة بين رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وحافظ قائد السبسي، وتنافسهما على قيادة الجيل الجديد من السياسيين. ولم تعد خافية طبيعة الخلاف بين الرجلين، خصوصا في ظل ما يُرجعه بعضهم إلى ضرب الشاهد الجناح المالي لقائد السبسي الابن، في إطار ما سميت الحرب على الفساد، والتي انطلقت باعتقال رجل الأعمال، شفيق الجراية، ليصل المتابعون إلى موقفٍ مفاده بأن الحرب على الفساد ما هي إلا صراع شقوق وأجنحة داخل السلطة، فمردّ الفساد البنيوي المتغلغل في أجهزة الدولة الغنائمية التونسية، بالدرجة الرئيسة، أن الأحزاب الحاكمة منذ سنة 2011 هي الأكثر احتكاكًا بالفاسدين، وبلوبيات الفساد بصفة عامة، حيث نجد نواباً ووزراء في الحكومات السابقة والحالية مورطين في الفساد، لا سيما في ما يتعلق بالصفقات العمومية التي تؤكد الأرقام أن نسبة الفساد فيها بلغت 25%، أي في حدود 4000 مليون دينار، أي ما يعادل 1.6مليار دولار.