عن النساء والسيارة

30 يناير 2016
يخشى الرجال تمرّد زوجاتهم (الأناضول)
+ الخط -
"أكيد مرا (امرأة) يللي عم تسوق" عبارة يجري تداولها بكثرة في لبنان من قبل الرجال السائقين. يحدث أن يُخرج رجل رأسه من شباك السيارة، ويبدأ بالصراخ والشتم. تنهال شتائمه على الآخر بصيغة المخاطب الذكر. وما أن يجد أن السائقة امرأة، يهز برأسه باستهزاء وكأن من المنطقي أن تكون امرأة، فيشتم من أعطاها رخصة القيادة.

تتكرر هذه الحادثة بشكل يومي وربما لحظوي في لبنان. ويكمن في هذه الحادثة كمّ من الاعتبارات الجندرية التي يمكن الوقوف عندها. يتوقّع الكثير من السائقين وحتى السائقات أن كل من يجلس خلف المقود أمامنا أو خلفنا هو رجل، وبالتالي نخاطبه أو نشتمه بصيغة المذكر. وكل امرأة وراء المقود مشروع سائقة فاشل. منشأ هذا التوقّع هو الموقف العام السائد بأن القيادة للرجال. وإلا فلماذا نحتفل حين نلتقي بسيدة تقود سيارة أجرة؟

يكمن جذر هذا الموقف في أدلجة اجتماعية لأجيال من الصبيان والبنات. يكبر جيل من الصبيان وقد رسموا ولوّنوا ولعبوا وفكّوا وركبّوا كل أنواع السيارات والشاحنات والقطارات والآليات. ويكاد لا يخلو منزل فيه صبيان من وجود عدد من الدراجات الهوائية والكهربائية والسيارات وغيرها. وهكذا، يكبر الصبيان وقد تآلفوا مع أبعاد السيارات وأنواعها وقطعها فتصير القيادة فعلا تلقائيا.

وفي صعيد متصل، تشير تقارير قوى الأمن الداخلي في لبنان إلى أن حوالي 500 قتيل (كمعدل سنوي) يقضون بحوادث السير، 77 في المائة منهم من الرجال. هنا تكمن المفارقة. رجال يؤمنون بتفوقهم وقدرتهم على القيادة ويذهبون ضحيتها. المشكلة أولاً بالسيستم الاجتماعي الذي يفرز المواقف والقناعات، وثانياً بنظام سير فاسد يُباع ويُشترى، خصوصاً لجهة القدرة على الاستحصال على رخصة قيادة من دون تدريب أو امتحان جدي. فنسب القتلى تُشير إلى تهوّر الرجال في القيادة لقناعتهم بأنهم "الأفضل"، ما يؤدي لحوادث قاتلة.

وفي مكان غير بعيد، يأتي حرمان النساء من قيادة السيارة في أحد البلدان ليعزز نظرة السيستم الاجتماعي ـ الثقافي السائدة عن النساء. يريد النظام ترسيخ الاعتقاد بأن "النساء غير مؤهلات للقيادة". لكن هذه الممارسة لها جذور ضاربة أكثر في العمق. حرمان النساء من حقهن بالقيادة يعني ضمان بقائهن في الحيز الخاص/المنزل. وهذا يعني ضمان قيام النساء بأدوارهن التقليدية "بالقوة".

تشير إحدى الدراسات الأولية إلى أن ازدياد نسبة تعنيف الرجال لزوجاتهم يأتي كردة فعل استباقية لخروج النساء إلى سوق العمل وما ينتج عنه من تبدل الأدوار. يخشى الرجال تمرّد زوجاتهن وعدم اعتبارهن لهم كمرجع فيستعملون العنف وسيلة لكسر "شوكة" النساء. يأتي العنف إذاً لإثبات حظوة وتفوق ذكوري باتت بنظر الرجال مهددة. ويمكن القيام بعملية حسابية لنعرف السببية التي تربط العنف بقيادة النساء للسيارة.
(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: خارج الصندوق
المساهمون