عن المقاومة ومزالق الإعلام

31 اغسطس 2014

مؤتمر صحافي للمقاومة في غزة (إبريل/2008/أ.ف.ب)

+ الخط -

قد تمتاز حركات التحرر الفلسطينية، إلى جانب مزايا عدة، بأنها صاحبة أكبر أرشيف ظهور إعلامي لحركة تحرر في العالم، يشمل ذلك الظهور كل أشكال الظهور الإعلامي وأوجهه. وقد يعزى هذا إلى كونها "الثورة الأطول في العصر الحديث"، كما كان يحلو لأبو عمار القول، أو لكونها عايشت كل مراحل الطفرة الإعلامية. وبصرف النظر عن الأسباب، فإن الميزة واضحة، ومن المهم التنبه إليها في سياق مراجعة التاريخ القصير أو الطويل لحركة التحرر هذه، بكل توجهات فصائلها وحركاتها.

مع العدوان الأخير على غزة، كان لا بد من ملاحظة ظواهر لافتة، تعتري الحالة الإعلامية وتجد لها أثراً في الواقع. ولعل أبرز هذه الظواهر هي الدفع الشعبي للمقاومة نحو الظهور الإعلامي المتكرر، ممثلة بقياداتها أو ناطقيها الإعلاميين. وبصرف النظر عن الدوافع وراء موجات المطالبة المتكررة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحافة، فإن صنفاً لافتاً منها كان يفصح عن نفسه مراراً، ذاك الذي يفترض أن كل الاسئلة والاتهامات والتهويمات التي يطرحها الخصوم والأعداء، تستوجب رداً واضحاً من قيادات الأذرع المسلحة أو محمد الضيف على الأقل! وحتى تعليق قيادة حركة ما يستوجب تأكيداً من كل المحاور المفترضة داخل الحركة.

وعلى الرغم من الصيغ الساذجة، أو الصادقة، لتلك الدعوات، إلا أنها كانت ظاهرة واضحة في هذه المواجهة، وعلى الرغم من عدم توفر وسيلة للتثبت من أن هذه الحملات أثّرت على خطة المقاومة الإعلامية وقرار ظهورها، إلا أنها كانت واضحة في انسياق الناطقين الإعلاميين، ومعهم كُتّاب ومحللون، لتضخيم هذه الحالة عبر الرد المستمر على هذه الدعوات وادعاءاتها وأسئلتها.

ومن اللافت، هنا، أن وقوف الشعب في موقف السائل والمقاومة مجيباً يعني أننا أمام شيئين، جسمين، كتلتين، لا جسمٍ واحدٍ وكتلة واحدة. ومن اللافت، أيضاً، أن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي قد تفيد بأن الأبعد عن المقاومة، بكل المعاني، كانوا الأكثر تساؤلاً وانتظاراً للإجابات. ولا حاجة، هنا، للحديث عن الدور الأمني والاستخباري لهذه الدعوات التي تبدو بريئة، خصوصاً حين يتعلق بمطالبة المقاومة بتقديم أدلة على قيامها بعمليةٍ ما مثلا، أو عدم تصديق وقوع قتلى، إلا بعد رؤيتهم في شريط مصوّر يعقبه محلل ينفي كل احتمالات تزوير الشريط!

الظاهرة الثانية هي بروز الناطق الإعلامي، وتقدمه بما يتجاوز دوره وموقعه الحركي، وهذه الظاهرة تبدّت وتوضحت في مراحل سابقة، وتحديداً في سنوات الانقسام. ولا يخفى على متابع ذكي ملاحظة القفزات النوعية في المواقع التنظيمية التي حققها ناطقون إعلاميون داخل حركاتهم، معتمدين على ظهورهم الإعلامي المتكرر، وتبنيهم خطاباً "متطرفاً" وأكثر رادكالية تجاه الخصوم.

بما يرسل هذا الخطاب وتكراره والتشديد عليه من إشارات داخل جماهير حركاتهم بكونهم طرفاً أقوى، أو تعبيراً عن محور نافذ داخل هذه الحركات. وبما يرسل من إشارات إلى الفلسطينيين بشكل عام، تشي بأنهم التعبير الأوضح عن مواقف حركاتهم. وكما هي العادة، يعتقد الفلسطينيون أن الخطاب الأكثر "تطرفا" هو الأصدق والأدق تعبيراً عن مواقف الجهة الصادر عنها.

ولا أدلَّ، هنا، على فعالية تقنيات الناطق الإعلامي فلسطينياً من إطاحة فتح ناطقها الإشكالي، جمال نزال، مطلع العدوان، وتصدّر ناطقين آخرين، لا يختلفون عنه كثيراً، للمشهد مع نهايات العدوان. وعلى الجهة المقابلة، أصبح ما يقوله خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي لحماس، بحاجة لتصديق من أبو عبيدة الناطق باسم الذراع المسلحة للحركة ومباركته.

يحسب للثورة وحركات التحرر الفلسطينية اهتمامها المبكر بالإعلام ودوره في الصراع، إلا أن الوعي بهذه الأداة وباستخدامها يظل إشكالياً وبحاجة لمراقبة ومراجعة مستمرتين، وكذلك الوعي بحجمها الفعلي في ميزان القوى، من دون تضخيم ولا تقزيم. وهذا ما ينطبق على كل ما يندرج في خانة الأدوات المحايدة التي يستخدمها الجميع، أخياراً كانوا أم أشراراً، أصحاب حق أم ظلام، بدءاً من قطعة السلاح، وصولا إلى الكاميرا والمايكروفون.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين