14 نوفمبر 2018
عن المعارضة السورية التي "لم تفز بالحرب"
قالها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بالفم الملآن وعلانية، إن "المعارضة السورية لم تفز بالحرب"، وعليها أن تعترف بهذا. لم يكن هذا الرأي جديداً في الواقع، فكل من أتيح له الاجتماع أكثر من مرة بوسيط الأمم المتحدة (ومنهم كاتب هذه السطور) سمعه يسهب في شرح فكرة أن الحل العسكري غير مسموح به من صنّاع القرار، وأن على المعارضة أن تنخرط في اللعبة السياسية كما يلعبها العالم عامةً، وبشروط ممارستها وقواعدها التي ما زالت تقوم (منذ عهد بسمارك) على فلسفة "الواقعية السياسية" بالاصطلاح الألماني، أو "البراغماتية التفاوضية" بالاصطلاح الأميركي. قالها الرجل إذاً وكرّرها أمام السوريين المعارضين، وفي كل المناسبات، ولم يضف جديداً هذه المرة.
لا أكتب هذا هنا دفاعاً عن الرجل، فقد كنت من الناقدين والمفندين له، كما يعرف من كان حاضراً تلك اللقاءات معه، والتي صادف وجودي فيها. وإنما أكتب هذا لأنه واقع بشع وفج، لطالما علمت به المعارضة السورية بأطيافها كافة، لا بل وتهيئتها لجلوسٍ لا مفر منه إلى طاولة تفاوض لا "تحاصص" ولا "تغيير" مع النظام، وجعلها جزءا من أكذوبة إعلامية، تريد أن تفرض دعاية "انتصار" نظامٍ في معركةٍ لم يكن هو طرفا فيها بل مجرد أداة، مثلما لم تكن المعارضات السورية أيضاً طرفاً فيها، بل مجرد أدواتٍ مضادة.
عبارة دي ميستورا "المعارضة السورية لم تفز في الحرب" مجحفة وحمقاء وتشويهية، لا في
حق المعارضة، بل في حق ثورة الشعب السوري. ليس في علم السياسة مصطلحا "انتصار" و"هزيمة". إنهما من سلة مفردات علم الحرب، وليس علم السياسة. والقاتل الذي يملك أعتى الأسلحة، وأقوى أنواع الدعم من أهم القوى العسكرية في العالم، من الطبيعي أن تكون له اليد العليا في ساحة المعركة. لا يكون الحديث في السياسة عن منتصر ومهزوم، مثلما لا نتحدث مثلاً عن حلو أو مر في علم الجغرافيا.
نعم، يا سيد دي مستورا، لم تفز المعارضة السورية في الحرب. ولكن، عن أي معارضةٍ سوريةٍ نتحدث؟ الكتائب الجهادية والعسكرية الإسلاموية التي تم تمويلها وتسليحها وزجّها في المشهد السوري من أطرافٍ لا علاقة لها بسورية، وبما ثار الشعب السوري من أجله، أم المقصود هي المعارضة السورية الشعبية التي نزلت إلى شوارع سورية، وتشرّدت وماتت وتهجرت واعتقلت، وتعرضت لأبشع أنواع القتل والتدمير على أيدي النظام والكتائب الجهادية المذكورة؟ إن كنت تقصد الأولى، فهذه حتماً خسرت، لكن خسارتها نعمة وليست نقمة على المعارضة الحقيقية التي أحدثت الثورة السورية وما زالت تحلم بها. وإن كنت تقصد المعارضة الحقيقية الشعبية والمدنية السورية، فهذه لم تفز بالمعركة لأنها ببساطة لم تنخرط في معركة عسكرية مع النظام، أو مع سواه لكي تفوز أو تخسر فيها. معارضة ثورة سورية الحقيقية ليست معنية بالمعركة، كي نقول لها إنها لم تفز. بالنسبة لتلك المعارضة، المعركة بين نظام مجرم وأطياف جهادية غريبة ودخيلة لا تقل عنه إجراماً، عمل كلاهما على قمع الثورة وقتلها وخنقها، وجز أعناق أبنائها وبناتها من الوريد إلى الوريد.
نعم "لم تفز المعارضة في المعركة"، لأن ما أنت مشغول بإطفائه حربٌ لا تعني المعارضة السورية الثورية أصلاً، وهي لم تسببها. وكل من جالسته من ممثلين ورقيين لأطياف المعارضات السورية الداعمين للمواجهة العسكرية مع النظام لا ينطقون أصلاً باسم معارضة الثورة الشعبية المدنية التي بدأت الثورة، وحملتها على أكتافها وفدتها بحياتها ودمائها وكل ما لديها. نعم، معارضة الثورة الحقيقية لم تفز في المعركة، لأنها لم تكن طرفاً يقاتل، بل الطرف الذي يستشهد. قدّمت تلك المعارضة ما يقارب المليون شهيد سوري، وأكثر من مائة ألف مفقود ومجهول المصير وعشرات ألوف المعتقلين والمقموعين على يد حراس هيكل الكراهية والتطييف والحقد والعنف والهوس المريض بالسلطة من طرفي المعركة. كان معارضو الثورة مشغولين بالموت والفرار والعذاب والتشرّد والهجرة والنفي والهروب ومحاولة النجاة بكل الأثمان والطرق داخل سورية وخارجها. كانوا مشغولين بهذا عن أي معركة، لكي يفوزوا أو يخسروا فيها.
في قلب المأساة السورية البشعة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، يتلهى العالم عن الشعب
السوري ومصيره بأكاذيب وافتراضيات إعلامية، تريد أن تختزل المشهد السوري بحديثٍ يحتقر العقل عن المعركة والحرب الضروس بين أطرافٍ لا علاقة لها أبداً لا بسورية ولا بشعبها. يريدنا العالم أن ننسى الناس السوريين ذوي الأحلام والتوق لقليلٍ من الإنسانية والكرامة والحرية. يريدنا العالم أن نتعامل مع أمراء الحروب وبطاركة القتل وأبواق المعركة ومنطق "فوز- خسارة" على أنهم هم معارضة سورية وثورتها، ومن ثم يريدوننا أن نلبس هذا الاختزال منطق المعركة، لنقول إن الثورة والشعب السوريين لا سواه "لم يفز بالمعركة". لهؤلاء نقول: لا يوجد عند الشعب السوري البطل والشهيد الحي ما يخجل منه، أو يعترف به، فهو لم يكن طرفا في تلك المعركة، ولم يكن أحد عناصرها ولن يكون يوماً. وإذا ما دخل النظام يوماً في مسيرة سياسية حقيقية مع هذا الشعب وأمامه، فلن يكون هناك سوى النظام من سيجد نفسه مجبراً على الواقعية والتنازل، فنجاة هذا النظام كمنت في أنه نجح في محو الثورة وفرض واقع المعركة، لأنه يعلم أنه حين يحول المشهد من ثورةٍ إلى حرب سيقف كل العالم البراغماتي المصالحي معه، كي ينتصر فيها. وهذا ما حصل ويحصل... لهذا، ما قاله دي ميستورا لا يعني السوريين في شيء، وهو قبل سواه يعلم ذلك.
لا أكتب هذا هنا دفاعاً عن الرجل، فقد كنت من الناقدين والمفندين له، كما يعرف من كان حاضراً تلك اللقاءات معه، والتي صادف وجودي فيها. وإنما أكتب هذا لأنه واقع بشع وفج، لطالما علمت به المعارضة السورية بأطيافها كافة، لا بل وتهيئتها لجلوسٍ لا مفر منه إلى طاولة تفاوض لا "تحاصص" ولا "تغيير" مع النظام، وجعلها جزءا من أكذوبة إعلامية، تريد أن تفرض دعاية "انتصار" نظامٍ في معركةٍ لم يكن هو طرفا فيها بل مجرد أداة، مثلما لم تكن المعارضات السورية أيضاً طرفاً فيها، بل مجرد أدواتٍ مضادة.
عبارة دي ميستورا "المعارضة السورية لم تفز في الحرب" مجحفة وحمقاء وتشويهية، لا في
نعم، يا سيد دي مستورا، لم تفز المعارضة السورية في الحرب. ولكن، عن أي معارضةٍ سوريةٍ نتحدث؟ الكتائب الجهادية والعسكرية الإسلاموية التي تم تمويلها وتسليحها وزجّها في المشهد السوري من أطرافٍ لا علاقة لها بسورية، وبما ثار الشعب السوري من أجله، أم المقصود هي المعارضة السورية الشعبية التي نزلت إلى شوارع سورية، وتشرّدت وماتت وتهجرت واعتقلت، وتعرضت لأبشع أنواع القتل والتدمير على أيدي النظام والكتائب الجهادية المذكورة؟ إن كنت تقصد الأولى، فهذه حتماً خسرت، لكن خسارتها نعمة وليست نقمة على المعارضة الحقيقية التي أحدثت الثورة السورية وما زالت تحلم بها. وإن كنت تقصد المعارضة الحقيقية الشعبية والمدنية السورية، فهذه لم تفز بالمعركة لأنها ببساطة لم تنخرط في معركة عسكرية مع النظام، أو مع سواه لكي تفوز أو تخسر فيها. معارضة ثورة سورية الحقيقية ليست معنية بالمعركة، كي نقول لها إنها لم تفز. بالنسبة لتلك المعارضة، المعركة بين نظام مجرم وأطياف جهادية غريبة ودخيلة لا تقل عنه إجراماً، عمل كلاهما على قمع الثورة وقتلها وخنقها، وجز أعناق أبنائها وبناتها من الوريد إلى الوريد.
نعم "لم تفز المعارضة في المعركة"، لأن ما أنت مشغول بإطفائه حربٌ لا تعني المعارضة السورية الثورية أصلاً، وهي لم تسببها. وكل من جالسته من ممثلين ورقيين لأطياف المعارضات السورية الداعمين للمواجهة العسكرية مع النظام لا ينطقون أصلاً باسم معارضة الثورة الشعبية المدنية التي بدأت الثورة، وحملتها على أكتافها وفدتها بحياتها ودمائها وكل ما لديها. نعم، معارضة الثورة الحقيقية لم تفز في المعركة، لأنها لم تكن طرفاً يقاتل، بل الطرف الذي يستشهد. قدّمت تلك المعارضة ما يقارب المليون شهيد سوري، وأكثر من مائة ألف مفقود ومجهول المصير وعشرات ألوف المعتقلين والمقموعين على يد حراس هيكل الكراهية والتطييف والحقد والعنف والهوس المريض بالسلطة من طرفي المعركة. كان معارضو الثورة مشغولين بالموت والفرار والعذاب والتشرّد والهجرة والنفي والهروب ومحاولة النجاة بكل الأثمان والطرق داخل سورية وخارجها. كانوا مشغولين بهذا عن أي معركة، لكي يفوزوا أو يخسروا فيها.
في قلب المأساة السورية البشعة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، يتلهى العالم عن الشعب