عن الخوف وأشياء أخرى

28 اغسطس 2015
+ الخط -
صور لدماء بعثرتها براميل، فأحدثت مجزرة هنا، وأخرى لإعدامات ميدانية كوّنتها أسلحة الموت هناك، ورؤوس تتدحرج أمام الناس. فؤوس وسكاكين تنغرس في جسد أحدهم عقاباً على الكفر الحرام. تتفجر هذه الصور كل يوم، كلقطات من أفلام رعب ممنوعة من العرض، ثم نشاهدها بأعيننا في صفحات الإعلامين، العربي والغربي، لتنذر بمستقبل مهول مرعب.
يهاجر السوريون من الجفاف الأمني في سورية، خوفا على أيامهم المقبلة من أن تُقْتَل برصاصة طائشة، فيهاجر قلقهم معهم، ويجول في كل مكان يوجد فيه الإنسان السوري، وإذا لم يصل السوري إلى شواطئ الغرب جثة طافية على سطح الماء، فإن "صديقه الأبدي" لا يلبث أن يأخذ غفوة، حتى يستيقظ ويعود إلى نشاطه من جديد، فخوفه من فقدان الاستقرار وحالة هادئة ناتجة عن عدم وجود خطر ترافقه أينما اتجهت قدماه المتعبتان من التجوال، من حدود إلى حدود أخرى.
لم يكن الخوف من المنفى وحده ما يسيطر على السوريين، فهناك الوضع الأمني والسياسي اللذان يخنقان الوطن يوما فيوم، والتدهور الاقتصادي للعملة السورية و و و...إلخ من المصائب المحلية ذات الإنتاج الوطني بامتياز. ولعله، أي الخوف من المنفى، لن يكون خاتمة المخاوف، إلّا أنه من أكثر التعقيدات على الصعيد النفسي السوري، لأنه، في أغلب الأوقات، يكون أقرب إلى الخيبات الجمعيّة في المجتمع السوري، خيبة بعدم العودة إلى الوطن، وترسيخ فكرة المواطنة في الفكر العام للشعب. أو الخوف من الشتات، أحياناً، فلا هناك منفى ولا وطن أو هوية.
نظام البعث السوري هو الذي أودع الخوف في روح الشعب، فالحياة السياسية التي سعى إلى إنشائها تحمل، بالفعل، أبشع التجارب الأيديولوجية السلطوية المستبدة التي شهدتها سورية. وباستخدامه أجهزة الدولة الأمنية، خصوصاً أدوات القمع من شرطة وجيش ومخابرات، فقد أجهض محاولة تثبيت دعائم الثقة بالأفكار التي يؤمن بها المجتمع السوري من حرية وكرامة ومواطنة وسيادة العدل والقانون، وأعاشنا ضمن نطاق مخيف ضيق، عكس جهل فئات جماهيرية واسعة في سورية، حتى بات السوريون لا يعرفون سوى الانزواء داخل قبو خوفهم، سجناء قمقمهم المظلم.
حين نخضع، بهذه الكيفية، لنزعة الخوف، ستظهر آثاره على واقعنا، حيث يكون الوجود السوري مؤرقاً، يرسم طابعاً شديد التعقيد، بحيث لا يمكن فهمه أو صياغته وترجمته إلى الآخرين، ويضعنا في ثقافة التأطير لتكون خياراتنا أضيق من فضاء طموحاتنا الواسع، ويثقل خطواتنا بالتردد الدائم، فتصبح حياتنا أقصر من المسافات التي ننشد الوصول إليها، ثم يبقينا في صمت عقيم، إلى أن يأكل الوقت أفكارنا.
في القرن الواحد والعشرين، وبينما كانت دول العالم الأول تحتسي فنجان القهوة في تطورها في كل مجالات الحياة المتحضرة، تناهى إلى أسماعها صوت سقوط واقعنا المهترئ على أحلامنا، إثر تعرضه لواحدةٍ من نوبات الصرع وهلوسات الحروب.



avata
avata
صالح (سورية)
صالح (سورية)