28 أكتوبر 2024
عن التفاهمات الأميركية الروسية في سورية
على الرغم من إعلان الكرملين أن لقاء وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو أخيراً، لم يتطرّق مباشرةً إلى مسألة التعاون العسكري بين البلدين في سورية، وإعلان البيت الأبيض عدم وجود تنسيق عسكري بين البلدين، إلا أن المعطيات تفيد بأن الجانبين قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاق حول هذه المسألة. فموافقة واشنطن أخيراً على وضع جبهة النصرة في مرمى النيران الأميركية ـ الروسية المشتركة، بحسب ما كشفته "واشنطن بوست"، وألمحت إليه الخارجية الأميركية ليس بالتطور العادي، خصوصاً بعد أشهر من رفض الولايات المتحدة توجيه ضرباتٍ قوية للجبهة، بسبب تداخل وجودها على الأرض مع فصائل أخرى تعتبر معتدلة، وأملاً في أن تنزع الجبهة عن نفسها عباءة "القاعدة".
من شأن هذا الاتفاق إن طُبق عملياً أن يغير المشهد الميداني في الشمال الغربي لسورية بالكامل، ويعيد بناء تحالفاتٍ عسكرية جديدة، ستؤثر سلباً على فصائل المعارضة في حلب وإدلب وحماة، وهي المناطق الثلاث التي تحظى فيها المعارضة المسلحة بثقل عسكري. وستجد الفصائل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بما فيها حركة أحرار الشام، نفسها بين سندان الابتعاد عن "النصرة" مع ما يعنيه ذلك من انهيار "جيش الفتح"، وخسارة فصيل عسكري في غاية القوة، ما سيؤثر سلباً على مسار المعارك، وبين مطرقة الوقوف إلى جانب "النصرة"، مع ما يعنيه ذلك من تعرّض هذه الفصائل للصواريخ الأميركية ـ الروسية.
وقد بدأت ملامح هذا التوجه بالظهور، على الأقل لدى حركة أحرار الشام، وليس مصادفةً أن تنأى الحركة بنفسها عن المعركة التي شنتها الفصائل، بما فيها "النصرة" لاستعادة السيطرة على طريق الكاستيلو في حلب، والحجة التي رفعتها الحركة، لتبرير عدم مشاركتها غير منطقية (معركة خاسرة)، فهذه أول مرة لا تشارك الحركة في عمليةٍ بهذه الأهمية، وليس مصادفةً أيضاً أن تؤكد الحركة، في معرض ردّها، على منظمة العفو الدولية على ضرورة التميز بينها وبين جبهة النصرة.
ومع ذلك، لن تكون هذه الخطة المتفق عليها من حيث المبدأ في المحادثة الهاتفية، في 6 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين بوتين وأوباما، سهلة التطبيق، في ضوء التراجع العسكري للمعارضة في حلب.
عند هذه النقطة، يكمن الخلاف الروسي ـ الأميركي، فالولايات المتحدة تريد مقابل وضع "النصرة" في ميزان تنظيم الدولة الإسلامية أن تضمن عدم تعرّض الفصائل الأخرى للقصف من روسيا والنظام السوري (أحرار الشام، جيش الإسلام المدعومين إقليمياً وبعض الفصائل مثل فتح حلب ونور الدين زنكي وفصائل الجيش الحر).
تتفق واشنطن مع موسكو على أهمية فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة، حيث كشفت الأشهر الماضية صعوبة ذلك، من دون تدخل أميركي مباشر، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن يؤدي هذا الفصل إلى انهيار المعارضة وتدميرها، فهذا لا تتحمله دول الإقليم الداعمة للمعارضة، وهو أحد الهدفين الأساسيين اللذيْن حرصت واشنطن على عدم اختراقهما، منذ بدء الأزمة، إلى جانب الهدف الثاني المتمثل في منع إسقاط النظام عسكرياً.
تريد واشنطن قوة عسكرية معتدلة من المعارضة ذات أجندة وطنية، وتقطع مع أي توجّهٍ
إسلامي راديكالي، تمهيداً للوصول إلى المرحلة الانتقالية السياسية والعسكرية التي تتطلب إعادة هيكلة وصياغة المنظومتين العسكرية والسياسية معاً، من دون أي انفصال، بما يحفظ للمعارضة وجوداً مهماً في المنظومة الجديدة. ولذلك، تطالب الإدارة الأميركية بإعادة تثبيت الهدنة، وإقامة مناطق خالية من القصف، في تطويرٍ جديد لاتفاق الهدنة العسكري الأساسي بين موسكو وواشنطن.
أما روسيا، فتريد أكثر من ذلك، حيث تطالب فصائل من المعارضة بالانخراط في جهود النظام وروسيا والأكراد في محاربة التنظيمات الإرهابية، وهذا مطلبٌ لن يجد تجاوباً من الفصائل، خصوصاً القوية منها، كما تدعو موسكو هذه الفصائل إلى الانخراط في مجلسٍ عسكريٍّ، لا يكون منبثقاً عن هيئة الحكم الانتقالية بموجب الشرعة الدولية، وإنما في إطار مجلسٍ يكون منبثقاً عن تفاهماتٍ مع النظام بوساطة روسية، بحيث يشكل جانباً عسكرياً من منظومةٍ متكاملةٍ، مضمونها حكومة وحدة، تجمع النظام وقوى تابعة له، أو مستقلة إلى حدٍّ ما.
وعلى عكس ما تروّجه سياسياً وإعلامياً، تبدو موسكو مستعجلةً كثيراً إلى إنجاز اتفاقٍ مع واشنطن، قبيل بدء العملية الانتخابية الأميركية، في محاولةٍ للاستعجال في استثمار النجاحات العسكرية على المستوى السياسي، وقد حدث تطوّران، يوضحان الرغبة الروسية في استعجال التسوية:
عودة قاذفات توبوليف بعيدة المدى إلى قصف أهداف لتنظيم الدولة، من أجل منع أي محاولةٍ لتغير الواقع الميداني القائم، ولإيصال رسائل إلى الأميركان أن موسكو جادّة هذه المرة في ضرب التنظيم. وتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أيام، حين رفض تصريحات المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، التي ربط فيها نجاح التسوية السياسية في سورية بما سيؤول إليه التفاهم الأميركي ـ الروسي، وأصر لافروف على ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة مهامها في إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات سريعاً.
يكشف هذان التطوّران التكتيك الروسي للمرحلة المقبلة، فالجولة المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة من وجهة نظرها، ليس على صعيد الصيغة النهائية للتسوية، فهذه الشروط ما تزال غير ناضجة، وإنما على صعيد إعادة ترتيب المسار التفاوضي وهيكلة الوفد التفاوضي معاً، اللذين يتكاملان مع مسارٍ عسكريٍّ جديد، يقطع نهائياً مع المسارات السابقة خلال المرحلة السابقة.
من شأن هذا الاتفاق إن طُبق عملياً أن يغير المشهد الميداني في الشمال الغربي لسورية بالكامل، ويعيد بناء تحالفاتٍ عسكرية جديدة، ستؤثر سلباً على فصائل المعارضة في حلب وإدلب وحماة، وهي المناطق الثلاث التي تحظى فيها المعارضة المسلحة بثقل عسكري. وستجد الفصائل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بما فيها حركة أحرار الشام، نفسها بين سندان الابتعاد عن "النصرة" مع ما يعنيه ذلك من انهيار "جيش الفتح"، وخسارة فصيل عسكري في غاية القوة، ما سيؤثر سلباً على مسار المعارك، وبين مطرقة الوقوف إلى جانب "النصرة"، مع ما يعنيه ذلك من تعرّض هذه الفصائل للصواريخ الأميركية ـ الروسية.
وقد بدأت ملامح هذا التوجه بالظهور، على الأقل لدى حركة أحرار الشام، وليس مصادفةً أن تنأى الحركة بنفسها عن المعركة التي شنتها الفصائل، بما فيها "النصرة" لاستعادة السيطرة على طريق الكاستيلو في حلب، والحجة التي رفعتها الحركة، لتبرير عدم مشاركتها غير منطقية (معركة خاسرة)، فهذه أول مرة لا تشارك الحركة في عمليةٍ بهذه الأهمية، وليس مصادفةً أيضاً أن تؤكد الحركة، في معرض ردّها، على منظمة العفو الدولية على ضرورة التميز بينها وبين جبهة النصرة.
ومع ذلك، لن تكون هذه الخطة المتفق عليها من حيث المبدأ في المحادثة الهاتفية، في 6 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين بوتين وأوباما، سهلة التطبيق، في ضوء التراجع العسكري للمعارضة في حلب.
عند هذه النقطة، يكمن الخلاف الروسي ـ الأميركي، فالولايات المتحدة تريد مقابل وضع "النصرة" في ميزان تنظيم الدولة الإسلامية أن تضمن عدم تعرّض الفصائل الأخرى للقصف من روسيا والنظام السوري (أحرار الشام، جيش الإسلام المدعومين إقليمياً وبعض الفصائل مثل فتح حلب ونور الدين زنكي وفصائل الجيش الحر).
تتفق واشنطن مع موسكو على أهمية فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة، حيث كشفت الأشهر الماضية صعوبة ذلك، من دون تدخل أميركي مباشر، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن يؤدي هذا الفصل إلى انهيار المعارضة وتدميرها، فهذا لا تتحمله دول الإقليم الداعمة للمعارضة، وهو أحد الهدفين الأساسيين اللذيْن حرصت واشنطن على عدم اختراقهما، منذ بدء الأزمة، إلى جانب الهدف الثاني المتمثل في منع إسقاط النظام عسكرياً.
تريد واشنطن قوة عسكرية معتدلة من المعارضة ذات أجندة وطنية، وتقطع مع أي توجّهٍ
أما روسيا، فتريد أكثر من ذلك، حيث تطالب فصائل من المعارضة بالانخراط في جهود النظام وروسيا والأكراد في محاربة التنظيمات الإرهابية، وهذا مطلبٌ لن يجد تجاوباً من الفصائل، خصوصاً القوية منها، كما تدعو موسكو هذه الفصائل إلى الانخراط في مجلسٍ عسكريٍّ، لا يكون منبثقاً عن هيئة الحكم الانتقالية بموجب الشرعة الدولية، وإنما في إطار مجلسٍ يكون منبثقاً عن تفاهماتٍ مع النظام بوساطة روسية، بحيث يشكل جانباً عسكرياً من منظومةٍ متكاملةٍ، مضمونها حكومة وحدة، تجمع النظام وقوى تابعة له، أو مستقلة إلى حدٍّ ما.
وعلى عكس ما تروّجه سياسياً وإعلامياً، تبدو موسكو مستعجلةً كثيراً إلى إنجاز اتفاقٍ مع واشنطن، قبيل بدء العملية الانتخابية الأميركية، في محاولةٍ للاستعجال في استثمار النجاحات العسكرية على المستوى السياسي، وقد حدث تطوّران، يوضحان الرغبة الروسية في استعجال التسوية:
عودة قاذفات توبوليف بعيدة المدى إلى قصف أهداف لتنظيم الدولة، من أجل منع أي محاولةٍ لتغير الواقع الميداني القائم، ولإيصال رسائل إلى الأميركان أن موسكو جادّة هذه المرة في ضرب التنظيم. وتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أيام، حين رفض تصريحات المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، التي ربط فيها نجاح التسوية السياسية في سورية بما سيؤول إليه التفاهم الأميركي ـ الروسي، وأصر لافروف على ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة مهامها في إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات سريعاً.
يكشف هذان التطوّران التكتيك الروسي للمرحلة المقبلة، فالجولة المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة من وجهة نظرها، ليس على صعيد الصيغة النهائية للتسوية، فهذه الشروط ما تزال غير ناضجة، وإنما على صعيد إعادة ترتيب المسار التفاوضي وهيكلة الوفد التفاوضي معاً، اللذين يتكاملان مع مسارٍ عسكريٍّ جديد، يقطع نهائياً مع المسارات السابقة خلال المرحلة السابقة.