عن الانتخاب والأحزاب في المغرب

21 أكتوبر 2014
+ الخط -

وجه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، يوم الجمعة، 10 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة، انتقادات شديدة لكل الفاعلين في الساحة المغربية، للحكومة والبرلمان والأحزاب المنتمية للمعارضة المؤسساتية، والتنظيمات المعارضة التي تشتغل خارج ما هو رسمي، وتتخذ من الشارع مرتعاً لأنشطتها وتحركاتها. وقال في خطابه، موجهاً كلامه للمعارضة الموجودة في الشارع، "لسنا ضد حرية التعبير، والنقد البنّاء، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن. فالمغرب سيبقى دائماً بلد الحريات التي يضمنها الدستور".

وخاطب المعارضة المؤسساتية قائلاً "غير أن المتتبع للمشهد السياسي الوطني عموماً، والبرلماني خصوصاً، يلاحظ أن الخطاب السياسي لا يرقى، دائماً، إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن، لأنه شديد الارتباط بالحسابات الحزبية والسياسية". وأضاف الملك "أما ممارسة الشأن السياسي، فينبغي أن تقوم، خصوصاً، على القرب من المواطن، والتواصل الدائم معه، والالتزام بالقوانين والأخلاقيات، عكس ما يقوم به بعض المنتخبين من تصرفات وسلوكات، تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم، وللعمل السياسي، بمعناه النبيل".

أما الأحزاب المشكلة للحكومة فجاء بشأنها في خطاب الملك أمام نواب الأمة، ما يلي "أما الخاسر الأكبر فيمثله الذين يعتبرون مقاعدهم ريعاً، أو إرثا خالداً إلى الأبد. فإذا لم ينجحوا في الانتخابات يقولون إنها مزورة. وإذا فازوا يسكتون، مستغلين نزاهتها للوصول إلى تدبير الشأن العام". ونبه إلى أن "الانتخابات المقبلة لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها. وإنما يجب أن تكون مجالاً للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسية".

هذه الانتقادات تفرض علينا تناول الأمر من زوايا ومستويات، لنقف عن ثوابت تميز الشأن السياسي المغربي، والتي توجد بجانبها متغيرات تبقى، في مجملها، شكلية، شأن كل المبادرات الرسمية التي حفلت بها الساحة، منذ استقلال المغرب سنة 1956. والغريب أن لا أحد من هؤلاء الفاعلين المنتقدين يمتلك مساحة للاشتغال، فإذا أخذنا الساحة البرلمانية، سنجد أنها أفرغت من اختصاصاتها، على الرغم من محاولة الوثيقة الدستورية أن توهمنا بعكس ذلك، تجعل من وجودها كعدمها، بل إن ملفات تمر من دون أن يكون لهذه الهيئة التي توصف بالتشريعية رأي فيها، فبالأحرى مراقبتها وتقويمها والتأثير في مسارها، فميزانيات القصر والجيش تمر بالتصفيق مع أنهما من أكبر ما يرصد. و مداخيل الفوسفات والثروات السمكية ومجموعة من الصناديق السوداء التي تصل مبالغها إلى مئات المليارات، تبقى بعيدة عن مؤسسة شارع محمد الخامس في العاصمة، بل هناك من يعتبرها مكتباً لتمرير المشاريع ليس إلا، عبر آلية التصويت.

ويكفي أن نستدل، هنا، بما صرح به وزير التربية الوطنية أمام النواب، عندما انتقدوا مخططه حول التعليم، حيث واجههم بأنه يطلع الملك على كل مبادراته، وهو راض عن العمل الذي يقوم به، حسب ما أوردته يومية "أخبار اليوم"، بمعنى هذه الملاحظات اضربوا بها عرض الحائط، وكأن حال لسانه يريد أن يقول "أنا عينني الملك، ولا أقدم الحساب إلا للملك"، ومن المعلوم أن رشيد بلمختار من الوزراء "التكنوقراط" الذي يعتبر الفريق الأبرز داخل التشكيلة الحكومية. وإذا كان هذا البرلماني سيواجه بمثل هذا الكلام في مؤسسة من المفروض أنها تراقب العمل الحكومي، فلماذا، أصلاً، سيكلف نفسه عناء الوصول إليها؟

وبخصوص مؤسسة الحكومة، فقد صرح رئيسها، أكثر من مرة، أنه فقط "رئيس للحكومة"، وإن كان هذا التصريح ينسجم مع الواقع، إلا أنه، في مناسبات أخرى، يناقض نفسه، عندما يدعي أن له اختصاصات كافية لتمرير مشروع حزبه، وتحقيق بعض المنجزات. اليوم توجد مشاريع عديدة كبرى خارج الحكومة، فملفات الخارجية والداخلية، والمالية والتعليم والمؤسسات العمومية الكبرى والإستراتيجية كصندوق الإيداع والتدبير والمكتب الشريف للفوسفات، والمكتب الوطني للماء والكهرباء، الخطوط الجوية، بنك المغرب، المخابرات الداخلية والخارجية، كل هذه المؤسسات الكبرى يؤكد الواقع تابعيتها مباشرة للمؤسسة الملكية، ولا يعرف رئيس الحكومة تحركاتها، ولا مبادراتها، إلا ما يخرج للإعلام، شأن باقي المواطنين.

وحتى لا يقال إننا نطلق الكلام على عواهنه، أستحضر هنا الحفل الذي ترأسه الملك بحضور رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، وفريقه الحكومي، يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2014، في  الدار البيضاء، وخصص لتقديم مخطط لتنمية مدينة الدار البيضاء بين 2015 و 2020، وقدم والي المدينة خطوطه العريضة للملك، في حضور عمدة المدينة المنتخب، وأكد والي الدار البيضاء، وفي حضرة رئيس الحكومة المنتخب، أن المشروع الذي رصدت له ميزانية إجمالية ضخمة تناهز 34 مليار درهم يأتي تنفيذاً للتعليمات السامية. وفي زمن ثورة الصندوق الانتخابي، وضع هذا المشروع بعيداً عن كل ما تسمى المؤسسات التي انتخبها الشعب (الحكومة، العمدة..). بمعنى آخر، لا الحكومة وضعت، أو ساهمت، في هذا المشروع، ولا المنتخبين المحليين (مجلس المدينة) ناقشوا، أو أبدو آراءهم، وحينما نبحث عن هذا المشروع الضخم الذي ستنفذه جهات معينة، تبقى بعيدة عن المحاسبة. في برامج الأحزاب أو البرنامج الحكومي، لا نجد له أثراً ولا إشارة، ثم كيف لكل هذه الأموال أن تتحرك خارج مؤسسات دستور فاتح يوليو المجيد؟ أليس الأجدى أن تشرف المؤسسات المنتخبة (الحكومة ومجلس المدينة) على المشروع، عوض فرض مؤسسات معينة لن تقدم حساباً ولن تخضع لرقيب؟

أما عن المعارضة التي تشتغل خارج المؤسسات، فهي ممنوعة من حقها في الوجود القانوني، أو يتم التضييق على أنشطتها وعملها، ما دفع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمعية كل الطيف الحقوقي إلى تنظيم يوم احتجاجي ضد تعسف السلطة وهجومها على الجمعيات الحقوقية المغربية، وكل التنظيمات المعارضة التي تنتمي إلى مختلف الطيف المجتمعي المغربي.

الخلاصة، إن كل الفاعلين، سواء الفاعل الحكومي أو البرلماني أو الحزبي، أو حتى المسمى بالمعارضة من خارج المؤسسات الرسمية، مساحة اشتغالهم ضيقة، حتى توجه لهم كل تلك الانتقادات، خصوصاً وأنها صادرة عن ملك يتربع على ملكية تنفيذية، تضع كل السلطات والاختصاصات بين يديه، وسيكون الأمر مقبولاً، لو أنها صدرت عن ملك يسود ولا يحكم (الملكية البرلمانية)، تكون في إطارها الاختصاصات والمهام بيد منتخبة، توضع تحت المراقبة والمحاسبة.

B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)