عن الأعيان والسياسة في المغرب

27 أكتوبر 2017
+ الخط -
في البداية، كان الأعيان عنوانا لحزبية مغربية خاصة، هي ما تواترت البلاغة السائدة، خلال عقود، على توصيفه بكثير من القدحية: أحزاب الإدارة.
لم تكن في الواقع، هذه الأخيرة، في أجيالها الأولى سوى شبكات للأعيان المحليين. كان للعين المحلي داخل المجال القروي وضع خاص، سابق عن زمن الالتزام الانتخابي، في التراتبية الاجتماعية، بوصفه صاحب رأسمال اجتماعي وعائلي واقتصادي، وقناة للتعبئة والوساطة بين الإدارة والناس داخل مجال نفوذه القبلي والعائلي .
كان قرار الترشح يأتي، في الغالب، بتوصية غير معلنة لرجال السلطة، تأخذ بعين الاعتبار ولاءه المطلق للإدارة، وابتعاده الواضح عن أي تعاطفٍ مع أحزاب الحركة الوطنية، وقدرته على تجنيد (وحشد) قطاعات من الناخبين، وعلى تحويل خطاطة الوجاهة الاجتماعية (الأصل العائلي/ القدرة الاقتصادية / تملك وظيفة تحكيمية داخل محيطه القريب) إلى نفوذ انتخابي.
كان الرهان على الأعيان المحليين امتدادا لاعتبار العالم القروي خزانا انتخابيا للدولة، حيث ضعف التنافسية وقلة التسييس، ويسر التحكم في مخرجات العملية الانتخابية، كلها عوامل جعلت الدولة تستطيع تطويق النفوذ الانتخابي للأحزاب غير الإدارية داخل المجال الحضري، وتأمين ثوابت السياسة الانتخابية الرامية إلى ضمان أغلبية موالية دائمة.
بين القيادات السياسية والأعيان المحليين، كان تقسيم العمل في البداية واضحا وجذريا: الأعيان البرلمانيون يمارسون وظيفةً أقرب إلى الوساطة منها إلى التمثيل، ولا يتعدى طموحهم البعد الإقليمي.
حتى الانتماء السياسي لم يكن، في النهاية، سوى شبه ضرورة قانونية، لذلك كانت العلاقة مع العنوان الحزبي دائما هشة، حيث كان الترحال ممارسة طبيعية لدى النموذج المتوسط للعين المحلي. وفي العمق، كان الأعيان وسيلة الإدارة للحد من السياسة داخل الحقل الانتخابي، وفي المؤسسات المنتخبة، وكانوا بالنسبة للسلطوية أدوات مثالية لممارسة سياسية بتسييس أقل. وانطلاقا من التسعينيات، ستعرف هذه الظاهرة في المغرب تحولات عديدة :
- الأحزاب الوطنية والديمقراطية ستنطلق في إطار سياسة براغماتية، تعتمد مقاربة "المقاعد تهمنا"، على انفتاح تدريجي ومراقب على الأعيان، سيتحول إلى أن تصبح كل استراتيجيتها الانتخابية رهينة لهذه "الكائنات"، كما ستسميها قواعد هذه الأحزاب قبل مرحلة التكيف.
- معطيات السوسيولوجيا ستجعلنا داخل المدن مع نوعية جديدة من "أعيان الانتخابات" المختلفة تماما عن مواصفات الأعيان القرويين، من حيث غياب الرأسمال الاجتماعي، والاعتماد المطلق على القدرة على صناعة شبكاتٍ للتأثير، بواسطة وسائل فاسدة في الغالب، ومعتمدة أساسا على منتخبين محليين، ودعم الإدارة عبر برامج التنمية البشرية، لمحاصرة المد الإسلامي.
- تقسيم العمل الأول سيصبح قابلا للمساومة والتفاوض، وسيتحول الطموح الانتخابي للأعيان إلى طموح تنظيمي وسياسي، وسيصبح البرلماني الفاسد، ذو الماضي الطويل في الترحال، وصاحب العلاقة الوطيدة مع السلطة، قائدا سياسيا داخل أحزاب بماض محترم.
كانت لهذا الاختراق التنظيمي والسياسي كلفته طبعا، على مستوى رهن القرار السياسي المستقل، حيث أصبح حضور الأعيان محدّدا مهيكلا للحياة الحزبية، إذ لم يعد من تصنيف ممكن وواقعي للحزبية المغربية، كما لاحظ الباحثون، سوى أحزاب المناضلين في مواجهة أحزاب الأعيان.
وفي الحقيقة، لا يعني تحرير السياسة المغربية شيئا آخر سوى تحرير الأحزاب من قبضة الأعيان. لكن، في الواقع التحكم في السياسة يعني العكس.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي