27 سبتمبر 2018
عن احتجاجات الأردن
زيادة الضغط على الشعب دفعت المواطنين الأردنيين إلى الانفجار، حيث الاحتجاجات مستمرة، وتشمل قطاعات واسعة في كل مدن الأردن ومناطقه، تجاوزت كثيراً أشكال الاحتجاج التي رافقت الثورات العربية. وذكّر ما يجري بألق الثورات في مرحلتها الأولى، كما في تونس ومصر، وبالأحلام والنشوة نفسيهما، والشعور بالثقة، وبهذا الحلم الكبير بتغيير عميق، يؤسس لعيش كريم وحياة ديمقراطية. ويبدو أن ما يحدث أعاد الأمل لشعوبٍ سُحقت ثوراتها، وتعيش الانهيار المعيشي ذاته، وبالطريقة ذاتها: الضرائب، الضرائب التي باتت تطاول كل شيء، وتتصاعد بشكل لا مثيل له في العالم. بالتالي يمكن أن تكون هذه هي الموجة الجديدة لثورات في بلدان عربية، وربما في دول عديدة، حيث نشهد حراكاً كبيراً في الأرجنتين، وإضرابات كبيرة في البرازيل وإيران، واحتجاجات في إسبانيا وفرنسا، وغيرها.
لقد راكمت الحكومات الأردنية المتعاقبة عبئاً كبيراً على الدولة، مصاريف وأقساطا وفوائد ديون، بما يجعلها تسعى إلى إيجاد المورد الداخلي لسداد ذلك كله، وليس إلا الشعب بما يملك، ليسدد كل هذه الضخامة في الأموال. وأيضاً تراكم الرأسمالية المحلية الأرباح بأشكل متعدّدة، وتنهب بما يفرغ البلد من الأموال. والضرائب هي المورد الأخير، مع زيادة أسعار الخدمات الأساسية التي تتحكّم الدولة فيها، بحيث باتت عمان أغلى بلد عربي (سورية كانت كذلك سنة 2010)، والرقم 29 على الصعيد العالمي، يعني أكثر من مدن بلدان رأسمالية كثيرة. ولأن الأردن بدأ، منذ زمن طويل، اتباع سياسة فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ووصل الأمر إلى أن لا يعود الشعب قادراً على التحمّل، مع زيادة الأسعار بشكل فظيع. وهذا مسارٌ أخذت دول أخرى تسير عليه، مثل مصر وتونس والسودان، حيث يُربط بشروط صندوق النقد الدولي التي باتت تفرض سياساتٍ أقسى، يستفيد منها طغمة من الرأسماليين المحليين.
ولا شك أن عمق النهب الذي يعانيه الشعب، مع أجور منخفضة جداً، بعكس غلاء الأسعار، جعل الاحتجاجات واسعةً، بشكل ربما فاجأ كثيرين بمن فيهم السلطة التي ظنّت أن ما جرى في سورية من وحشية أفضت إلى قتل وتدمير واسعين، والى هجرة أعداد هائلة، سوف يعلّم الشعوب الأخرى. بالتأكيد سوف يعلِّم، ولكن ليس في هذا التعليم ما يمنع الثورة، بل سيجعل الشعب أكثر وعياً في كيفية إدارة الصراع.
في كل الأحوال، الاحتجاجات مستمرة، والمحتجون يعون أن الأمر لا يتعلق بتغيير رئيس الحكومة، أو حتى كل الطاقم الحكومي والوجوه القديمة، بل بتغيير النهج والسياسات الاقتصادية. وفي جوهر ذلك الفك عن شروط صندوق النقد الدولي، وعن مصالح الرأسمالية التي راكمت ثروةً كبيرةً خلال العقود السابقة، والتي تصرّ على استمرار النهج نفسه: الإصلاح الاقتصادي عبر شروط صندوق النقد الدولي، الشروط التي لا تتعلق بالإصلاح أصلاً، بل تتعلق بكيفية ضمان سداد القروض، وضمان أرباح الطغم المالية التي تُقرض، حيث يحرص الصندوق على مصالحها، وهو المحامي المدافع عن هذه المصالح، فالمطلوب هو تغيير النمط الاقتصادي القائم على الريع، أي الناشط في العقارات والمضاربات والخدمات والاستيراد، والذي تتحكّم فيه طغم مالية. طبعاً لمصلحة نمط منتج، ويتضمن حلّ مشكلات تدنّي الأجور والبطالة والفقر والتهميش وانهيار التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
ربما لا يتحقق ذلك الآن، حيث يلعب غياب البدائل دوراً في إبقاء "الحل" بيد الدولة، وحلّ الدولة إصلاحي بالارتباط مع شروط صندوق النقد الدولي. لهذا أتت كل الوزارات لكي تلتزم السياسة الاقتصادية ذاتها، على الرغم من أن كل وزارة تحمّل السابقة لها وزر الأزمة الاقتصادية، وتدّعي أنه لا حلّ إلا باتباع السياسة الاقتصادية ذاتها.
لم يعد الوضع الآن يحتمل الاستمرار في السياسة الاقتصادية هذا، وما طُرح في التظاهرات يمثّل نقلةً مهمة، على أمل أن يؤسّس الحراك بديله الحقيقي.
لقد راكمت الحكومات الأردنية المتعاقبة عبئاً كبيراً على الدولة، مصاريف وأقساطا وفوائد ديون، بما يجعلها تسعى إلى إيجاد المورد الداخلي لسداد ذلك كله، وليس إلا الشعب بما يملك، ليسدد كل هذه الضخامة في الأموال. وأيضاً تراكم الرأسمالية المحلية الأرباح بأشكل متعدّدة، وتنهب بما يفرغ البلد من الأموال. والضرائب هي المورد الأخير، مع زيادة أسعار الخدمات الأساسية التي تتحكّم الدولة فيها، بحيث باتت عمان أغلى بلد عربي (سورية كانت كذلك سنة 2010)، والرقم 29 على الصعيد العالمي، يعني أكثر من مدن بلدان رأسمالية كثيرة. ولأن الأردن بدأ، منذ زمن طويل، اتباع سياسة فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ووصل الأمر إلى أن لا يعود الشعب قادراً على التحمّل، مع زيادة الأسعار بشكل فظيع. وهذا مسارٌ أخذت دول أخرى تسير عليه، مثل مصر وتونس والسودان، حيث يُربط بشروط صندوق النقد الدولي التي باتت تفرض سياساتٍ أقسى، يستفيد منها طغمة من الرأسماليين المحليين.
ولا شك أن عمق النهب الذي يعانيه الشعب، مع أجور منخفضة جداً، بعكس غلاء الأسعار، جعل الاحتجاجات واسعةً، بشكل ربما فاجأ كثيرين بمن فيهم السلطة التي ظنّت أن ما جرى في سورية من وحشية أفضت إلى قتل وتدمير واسعين، والى هجرة أعداد هائلة، سوف يعلّم الشعوب الأخرى. بالتأكيد سوف يعلِّم، ولكن ليس في هذا التعليم ما يمنع الثورة، بل سيجعل الشعب أكثر وعياً في كيفية إدارة الصراع.
في كل الأحوال، الاحتجاجات مستمرة، والمحتجون يعون أن الأمر لا يتعلق بتغيير رئيس الحكومة، أو حتى كل الطاقم الحكومي والوجوه القديمة، بل بتغيير النهج والسياسات الاقتصادية. وفي جوهر ذلك الفك عن شروط صندوق النقد الدولي، وعن مصالح الرأسمالية التي راكمت ثروةً كبيرةً خلال العقود السابقة، والتي تصرّ على استمرار النهج نفسه: الإصلاح الاقتصادي عبر شروط صندوق النقد الدولي، الشروط التي لا تتعلق بالإصلاح أصلاً، بل تتعلق بكيفية ضمان سداد القروض، وضمان أرباح الطغم المالية التي تُقرض، حيث يحرص الصندوق على مصالحها، وهو المحامي المدافع عن هذه المصالح، فالمطلوب هو تغيير النمط الاقتصادي القائم على الريع، أي الناشط في العقارات والمضاربات والخدمات والاستيراد، والذي تتحكّم فيه طغم مالية. طبعاً لمصلحة نمط منتج، ويتضمن حلّ مشكلات تدنّي الأجور والبطالة والفقر والتهميش وانهيار التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
ربما لا يتحقق ذلك الآن، حيث يلعب غياب البدائل دوراً في إبقاء "الحل" بيد الدولة، وحلّ الدولة إصلاحي بالارتباط مع شروط صندوق النقد الدولي. لهذا أتت كل الوزارات لكي تلتزم السياسة الاقتصادية ذاتها، على الرغم من أن كل وزارة تحمّل السابقة لها وزر الأزمة الاقتصادية، وتدّعي أنه لا حلّ إلا باتباع السياسة الاقتصادية ذاتها.
لم يعد الوضع الآن يحتمل الاستمرار في السياسة الاقتصادية هذا، وما طُرح في التظاهرات يمثّل نقلةً مهمة، على أمل أن يؤسّس الحراك بديله الحقيقي.