عن إقالة وزير الداخليّة في مصر

08 مارس 2015

عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم (مايو/2013/الأناضول)

+ الخط -

أثار قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي إقالة أحد أركان انقلابه، محمد إبراهيم، وسبعة وزراء آخرين، تساؤلات حول أسبابها، وتوقيتها، ودلالتها على المستقبل السياسي "الغامض في مصر"، ولا سيما أنه لم يصدر عن الرئاسة بيان يوضح الأسباب، منعاً للقيل والقال. لكن، يبدو أنه تم التمهيد لها من خلال بعض إعلاميي الانقلاب عن وجود معلومات شبه مؤكده لديهم عن إقالة وزير الداخلية تحديداً.

لم ترتبط الإقالة بحادثة محددة تبررها، مثل انتهاكات الشرطة الجسيمة، لا نقول في مذابح ميداني رابعة والنهضة، لأن السيسي كان شريكاً فيها، وإنما انتهاكات أخرى، منها مذبحة دار الدفاع الجوي لجمهور ألتراس الزمالك، الشهر الماضي. كما أن القول إن السيسي أقال إبراهيم لتحسين صورته أمام الرأي العام، لا سيما خصومه السياسيين، أمر مشكوك فيه، أيضاً، لأسباب منها أنه لم يعلن ذلك، ولو تلميحاً، في تصريحاته السابقة أو من خلال أبواق الإعلام التابعة له، فضلاً عن أن السياق العام السابق للإقالة لا يشير إلى ذلك، لا سيما مع تصعيده ضد الخصوم السياسيين الرافضين له في قانون الكيانات الإرهابية، ناهيك عن مدى تأثر مؤيديه السياسيين من هذا القانون أيضاً، علاوة على قرار المحكمة الدستورية، أخيراً، بشأن وجود عوار في قانون تقسيم الدوائر السياسية الذي أقره السيسي، ما يعني تأجيل الحصول على نصيب من الكعكة السياسية. إذن، يصعب القول إن الجنرال العسكري يسترضي خصومه أو مؤيديه.

هنا، تبرز تفسيرات أخرى، ربما منها التسريبات التي أذاعتها، أخيراً، قناة الجزيرة، وتفرّدت بها للوزير محمد إبراهيم، وأظهرت وجود شعبية كبيرة له لدى ضباط الشرطة، ظهرت من التصفيق المستمر له مرات، لا سيما بعدما أظهر الرجل أنه صاحب النفوذ الأقوى في الحكومة، إذ يستخدم عدة أساليب للحصول على ما تحتاجه وزارة الدخلية وضباطها، ومن ذلك "قلّة الأدب والذراع"، بل ظهر الرجل أنه المهتم والحريص على الضباط وأسرهم، ومن ذلك تعويضاته للضباط الذين أحرقت سياراتهم، أو استجابته الفورية، ليس فقط لتعيين أبنائهم في جهاز الشرطة، وتفضيلهم عن غيرهم، بل قد يقبل من يتعاطون منهم المخدرات بعد إعطائهم فرصة إجراء أكثر من تحليل لإثبات أنها "تحليلات سلبية" ، ثم تمادى الرجل في كرمه وعطائه بتعيينات فورية لزوجاتهم في وظائف مدنية في الوزارة، حتى قبل معرفة تخصصاتهم. إذن، توضح التسريبات مدى نفوذ الرجل وشعبيته داخل وزارته، والأخطر قوله فيها إن "الداخلية"، وليس الجيش فقط، شريك في 30 يونيو، وبدون المؤسسة الشرطية والعسكرية ما كان ليحدث ما سماها ثورة 30 يونيو، أو أي ثورة مستقبلية في البلاد، وفق التسريبات.

بعبارة أخرى، يرفض اللواء محمد إبراهيم أن يتصدّر الجيش المشهد بمفرده بعد الانقلاب. فبات السيسي أمام رجل قوي، ربما ينافسه على الزعامة الشعبية. وبالتالي، كعادة النُّظُم الانقلابية والمستبدّة، كان لا بد من إطاحة أي شخصية قد تشكل تهديداً، ولو محتملاً لها، خصوصاً في ظل منطق الشك في الجميع، لا سيما المقرّبين. وإذا كانت الثورات عادة ما تأكل أبناءها، يبدو أن هذا المثل ينطبق بصورة أكبر على النظم الديكتاتورية والانقلابية.

يشير تفسير آخر إلى أن الصراع ليس بين السيسي ومحمد إبراهيم، على اعتبار أن السيسي هو الذي رشح الأخير وزيراً للداخلية في عهد الرئيس محمد مرسي، فضلاً عن هيمنة الجيش ونفوذه على الشرطة. وبالتالي، قد ترتبط الإقالة بوجود صراع داخل المؤسسة الأمنية نفسها، لا يعود إلى الآونة الأخيرة فحسب، وهو غالباً بين الوزير ونائبه، أو بين مَن ينتمي إلى الشقين، المدني والجنائي من ناحية، والذي ينتمي إلى أمن الدولة من ناحية ثانية. والأمثلة عديدة، منها تولي نائب الوزير حبيب العادلي (أمن دولة)، الوزارة عام 1997 خلفاً لحسن الألفي (مباحث أموال عامة)، والذي كان يعد الوزير الأول في عهد مبارك من بين خمس وزارء كلهم من أمن الدولة.

وتشير تحليلات إلى وجود خلاف بين وزير الداخلية الانقلابي، أحمد جمال الدين، والذي أقاله مرسي، بعد أحداث "الاتحادية" لتواطئه مع جبهة الإنقاذ، ثم عيّنه السيسي مستشاراً له لشؤون الأمن والإرهاب، وبين محمد إبراهيم الذي كان نائباً له، وعيّنه مرسي خلفاً له. وهذا صراع يبدو أنه يعود إلى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومن ثم كان السيسي ينتظر الوقت المناسب لإرضاء جمال الدين الذي لعب دوراً مهماً في انقلاب 30 يونيو/ حزيران، بتزعمه الضباط الانقلابيين في النزول إلى ميدان التحرير، بل أكثر من ذلك هو الذي رشح الوزير الجديد، مجدي عبد الغفار (أمن دولة)، للسيسي.

وهنا سؤال ثان عن مدى جدوى هذه التأثيرات. أو بمعنى آخر، هل ستشهد "الداخلية" المصرية تغييراً في نهجها، تحديداً تجاه خصوم السيسي الرافضين للانقلاب؟

ويؤشر إسناد "الداخلية" لشخص كان يرأس أمن الدولة، الجهاز سيئ السمعة، وكان إلغاؤه أحد مطالب ثورة يناير، إلى نهج التصعيد والعنف الذي يمارس ضد السياسيين، بحيث يصبح أمر البلد في يدي رجل كان ينتمي للمخابرات الحربية (السيسي)، ورجل ينتمي للجهاز السياسي المدني الذي لديه ملفات كاملة عن النشطاء السياسيين. وبالتالي، قد يكون من غير المتوقع أن يحمل الرجل انفراجة، أو تغييراً في نهج سياسته، بل إنه، بالتعاون مع أحمد جمال الدين مستشار الرئيس للإرهاب، سيحكم القبضة على كل القوى والنشطاء السياسيين، لا سيما بعد صدور قانون الكيانات الإرهابية الذي يمكن أن ينطبق على الجميع، بمَن فيهم مؤيدي السيسي، وربما جاء اختيار الوزير الجديد لتنفيذ هذا القانون سيئ السمعة.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.