عن أفلامٍ أجنبية لم تنل شهرةً وتقديراً

13 يونيو 2018
من "أنت لم تكن هنا إطلاقًا" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
لم تقدّم صناعة السينما "أفلامًا كبيرة" في النصف الأول من عام 2018، فغالبيتها المعروضة في الصالات التجارية متوسّطة فنيًا، أو أقلّ من ذلك أحيانًا. لكن هذا لا يمنع وجود أفلام مهمّة ومختلفة فعليًا، لبعضها جماهيرية كبيرة، كـ"بلاك بانثر" لراين كووغلر، و"مكان هادئ" لجون كْراسينسكي، في حين أن بعضًا آخر منها لم يحصل على القدر نفسه من الشهرة. 

أول تلك الأفلام هو "أنتَ لم تكن هنا إطلاقًا (You Were Never Really Here)"، الذي أنجزته البريطانية لين رامسي العام الفائت. القصّة تحمل الكثير من "سائق التاكسي" (1976)، لمارتن سكورسيزي: رجلٌ يحاول إنقاذ فتاة صغيرة من خاطفيها، مع مساحة مستترة من الهجاء العنيف للمجتمع والوضع السياسي. عرض الفيلم للمرة الأولى دوليًا في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كان" السينمائي، وفاز بجائزتي أفضل سيناريو للين رامسي نفسها وأفضل تمثيل ليواكين فونيكس. وكان متوقّعًا أن ينافس على جوائز "أوسكار"، لكن منتجيه قرّروا تأجيل عروضه التجارية إلى عام 2018، ليصبح أحد أهمّ أفلام العام الجاري لغاية الآن، مع تمنّي كثيرين ألا يحرم الموعد الباكر للعرض فونيكس من ترشيح يستحقّه لـ"أوسكار" أفضل ممثل في دورة 2019.



فيلمٌ آخر تعرّض لظروف مشابهة: "أول إصلاح (First Reformed)" لبول شرايدر ـ كاتب سيناريوهات بعض أبرز أفلام مارتن سكورسيزي وأهمها، كـ"سائق التاكسي" و"الثور الهائج" (1980) وغيرهما ـ المعروض للمرة الأولى دوليًا في الدورة الـ74 (30 أغسطس/ آب ـ 9 سبتمبر/ أيلول 2017) لمهرجان البندقية السينمائي (لا موسترا)، ونال مديحًا، قبل أن يقرر منتجوه تأجيل عروضه التجارية إلى العام الجاري. يحمل هذا الفيلم (تمثيل إيثان هوك وأماندا سيفريد) الهموم المتكّررة نفسها، الحاضرة في أفلام شرايدر: الإيمان والثقة بالإنسانية في عالم موحش. بطله عسكري سابق في الجيش الأميركي يتحوّل إلى كاهن بعد معاناة مريرة إثر فجيعة فقدان ابنه في حرب العراق. يشعر باليأس الكامل من العالم، قبل أن يتعرّض لاختبارٍ ناتجٍ من ظهور ماري التي تُخبره بـ"وقوع كارثة بيئية منتظرة"، وبأن عليه التصرّف والتحذير.
إذا سارت الأمور كما هو متوقّع، فإن هذا الفيلم ـ "الرائع والمعجز في أسلوبه"، كما وصفه الناقد كولين كوفرت ـ سيكون أحد أهم الأفلام المعروضة في العام الجاري.



فيلم ثالث مهمٌّ للغاية، عرض في النصف الأول من عام 2018: "الراكب (The Rider)"، لكلوي زاوو، الذي اعتبره الناقد تود مكارثي "جوهرة نادرة"، ووصفه جيوفري تشيشير بأنه "أحد أكثر الإنتاجات المذهلة في السينما المعاصرة". ينبع اختلاف الفيلم وخصوصيته من مزجه بين الروائيّ والوثائقيّ، إذْ تتناول مخرجته حياة برادي جاندرو، الذي يؤدّي دوره في الفيلم، وهو راكب أحصنة في مسابقات رعاة البقر المحلية، الذي تعرّض في إبريل/ نيسان 2016 لإصابة بالغة في جمجمته، أخبره الطبيب بعدها أن حياته كمتسابق وكراكب أحصنة "قد انتهت". بدأت زاوو تصوير مقتطفات من حياة جاندرو، ومحاولته التعامل مع العالم بعد فقدان هويته الأساسية و"الشيء" الذي يُجيده، قبل أن تتفّق معه على تحويل الحكاية إلى فيلمٍ، بإضافة خطوطٍ درامية أخرى. النتيجة؟ أكثر أفلام النصف الأول من عام 2018 اختلافًا وشاعرية، كما أجمع نقّادٌ عديدون.



إلى تلك الأفلام الـ3، الأهم نقديًا لغاية الآن، هناك أعمالٌ أخرى لم تنل شهرةً موازية وتقديرًا لفنيّتها، كـ"حبّ بعد آخر (Love After Love)"، باكورة المخرج راسل هاربو، الذي يتابع فيه علاقة أم (آندي ماكدويل في دور ربما يُرشّحه لـ"أوسكار" أفضل ممثلة) بولديها بعد وفاة الزوج/ الأب، ومحاولتها استئناف حياتها العاطفية؛ و"عصيان (Disobedience)"، للتشيلي سيبستيان ليلو (فاز فيلمه السابق "امرأة رائعة (A Fantastic Women)" بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي في 4 مارس/ آذار 2018): يتناول موضوع الهوية الجنسية الذي يشغله، من خلال حكاية امرأة تعود إلى بلدتها بعد وفاة والدها، فتكتشف أن مشاعر الانجذاب نحو إحدى صديقاتها القديمات لم تتغيّر. أخيرًا، هناك فيلم التحريك "جزيرة الكلاب (Isle Of Dogs)"، لوس أندرسن، الذي افتتح الدورة الـ68 (15 ـ 25 فبراير/ شباط 2018) لمهرجان برلين السينمائي (برليناله)، والذي فائزة بـ"الدب الفضي" لأفضل إخراج في الدورة نفسها للمهرجان نفسه: قصّة بسيطة عن فتى يبحث عن كلبه المفقود. لكن الرؤية البصرية لأندرسن تجعل الفيلم "عملاً مُقدَّرًا"، كفيلمه السابق "السيّد فوكس الرائع" (2009).








المساهمون