"تضربني أمي إذا لم أحسن التصرف، أو لم أنجز واجبي المدرسي.. تعاقبني أكثر من مرّة، ومع ذلك أحبها كثيراً، فكل أم تضرب أبناءها إذا أخطأوا". يتضح من هذه الكلمات أنّ الطفل التونسي رؤوف (7 سنوات)، يسلّم بحتمية توبيخ الأم لأبنائها بالضرب. وفي مجتمع ينتشر فيه هذا النوع من العنف الأسري كعادة مألوفة، لن يتمكن الطفل من إدراك أنّها جريمة بحسب المواثيق الدولية، تندد بها كل المنظمات والجمعيات التي تُعنى بالطفولة.
تشير إحصائيات "مندوبية حماية الطفولة" في تونس إلى أنّ العنف الأسري على الأطفال يبلغ 64 بالمئة من مجمل الاعتداءات على الأطفال، وهو رقم مفزع، بحسب الخبراء. ويشير الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعصبية، عماد الرقيق، إلى أنّ تفكك الأسرة والصراعات الكبرى داخلها، والوضع المادي السيئ، وغياب الحوار يمكن أن ينمي الشعور بالكره والحقد ويؤدي إلى ارتكاب جرائم.
من جهته، يقول أستاذ علم النفس، مجدي القربي، إنّ العنف يزعزع ثقة الطفل بنفسه، من دون أن تشعر أسرته بذلك. ويضيف أنّ ذلك يكبر معه ليختلّ توازنه الاجتماعي وتهتز ثقته بالمجتمع، فيصبح منعزلاً وانطوائياً يرفض التواصل والحوار لاحقاً.
يشير الخبراء إلى أنّ البيت هو أهم بيئة يعيش فيها الطفل، والمكان الذي من المفترض أن تتوافر فيه الحماية والرعاية والاستقرار. لكنّ المجتمع التونسي يمارس العنف الأسري المسكوت عنه على الطفل، وتعتبره العائلة أو بعض أفرادها نوعاً من التأديب والتربية.
كريم اللطيفي، أحد الأولياء الذين يؤيدون استعمال العنف على الأبناء لردعهم وكأسلوب للتربية والتأديب، يقول إنّه شخصياً "من جيل العصا الذي أنشأ جيلاً محترماً، ولا بد من استعمال العصا لتربية الأجيال المتعاقبة، فلا يمكن للأب أن يرى ابنه يتصرف تصرفاً لاأخلاقيا ويغض الطرف عنه".
كذلك، توافق منيرة بن رابح على هذا الأسلوب، وتشير إلى أنّه "لا ضرر في ضرب وتعنيف الأطفال إذا تطلّب تأديبهم ذلك". وتضيف أنّ "كلّ كبار اليوم ضربوا عندما كانوا أطفالاً، وهم اليوم أناس عاديون يمارسون حياتهم بطريقة طبيعية".
في المقابل، يشير المندوب العام لحماية الطفولة، مهيار حمادي، إلى رصد أكثر من 5 آلاف و700 إشعار بالاعتداء على الأطفال بطرق مختلفة سنة 2013. من بينها أكثر من 64 بالمئة حالة لأطفال مورس عليهم العنف داخل الأسرة، و742 إشعاراً خاصاً بالاعتداء على أطفال الشوارع، وأكثر من 332 حالة استغلال جنسي. لكنّه يؤكد أنّ هذه الأرقام والإشعارات لا تعكس الواقع الموجود في تونس، باعتبار وجود إشعارات أخرى توجه إلى الأمن ووزارة التربية، فيما هنالك الكثير من الحالات المسكوت عنها.
من جانبه، يبيّن رئيس مركز الدفاع والاندماج الاجتماعي، عاطف بو رغيدة، أنّه تلقى العام الماضي 154 إشعاراً، من بينها أربع حالات تعرض أصحابها للعنف الأسري بسبب خلافات عائلية أدت إلى ردود فعل سلبية على الأطفال. ويضيف أنّ ما يعقد الأمر هو عدم الشعور بخطورة العنف على الناحية النفسية للأطفال، إلى جانب غياب مراكز مختصة بالتعامل مع الطفل المعنّف.
وتتعدد أشكال العنف ضد الطفل، بحسب حمادي، ومنها سوء معاملته في المنزل واحتجازه وتوقيع عقوبة مادية ومعنوية عليه، وحرمانه من الطعام، ونعته بألفاظ نابية وشتمه، وضربه، وحرقه، ليصل الأمر أحياناً إلى التحرش الجنسي به، واغتصابه.
إلى ذلك، صادق البرلمان التونسي عام 2010 على عقوبة السجن لمدة 15 يوماً مع النفاذ بالإضافة إلى توقيع غرامة مالية عليه. لكنّها عقوبة أثارت جدلاً واسعاً، بعد أن عارض البعض القانون، واعتبره مخالفاً للتقاليد الاجتماعية، وتحريضاً مبطناً لتقويض سلطة الآباء وإسقاط "حصانة" الأولياء في معاقبة أطفالهم.