منذ أيام، أصدرت مجموعة من الصحافيين والمثقفين والناشطين اللبنانيين بياناً صحافياً، سمّوه "ضد العنصرية"، وجاء البيان استنكاراً لما يتعرض له اللاجئون السوريون في لبنان من انتهاكات وعنصرية، في محاولة لتخفيف حدة خطاب الكراهية الذي انتشر مؤخراً، واكتسح وسائل التواصل الاجتماعي. وشارك فيه، للأسف، بعض الفنانين الذين قاموا بنشر تصريحات متطرّفة لهم ضمن هذا السياق.
وقام عدد من نجوم الفن اللبناني بالتصريح عن أفكار لا تخلو من العنصرية، وذلك ما نلمسه في الفيديو المنشور عن مقابلة للفنانة اللبنانية إليسا، والذي انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، إذْ ذكرت في الفيديو، بأنها تتمنى عودة اللاجئين السوريين والفلسطينيين إلى بلدهم، لأنهم يشكلون عائقاً اقتصادياً بوجه لبنان، وبسبب ما يعانيه اللبنانيون من أزمات في البطالة.
Twitter Post
|
ورغم أن لغة إليسا في الفيديو لم تكن عدائية، انتشرت آلاف المنشورات التي تردّ عليها، وحاول البعض مناقشة الفكرة بطريقة عقلانية. وشارك بالتعليق على الحدث بعض الفنانين والشخصيات السورية واللبنانية المعروفة، أمثال المغنية السورية أصالة، التي نشرت على حسابها الرسمي على إنستغرام ما يلي: "كم هو مؤلم التعبير القاسي العنصري الذي يخرج من فم شخص مشهور، كان من المفروض أن يكون هو أول من ينادي بالوحدة العربية، وبالتعاضد الإنساني، خصوصاً عندما يتعرض شعب من شعوبنا العربية لمحنة ليس له فيها يد، كم هي مخجلة الكلمات العنصرية من "لاجئ" "نازح" و"مهجر" و"مشرد"، حين تخرج من أفواه من توقعنا ألا يتلفظ بهذه الكلمات الدخيلة على لغتنا الإنسانية، بلادنا تشتكي، أكثر مما تتألم لمصابها، من حروب، من خراب، من دمار، نعم تشتكي هذه الأرض من العنصرية، أنا إنسان أتعاطف مع الإنسان سواء كان من ديني أو لا، يتكلم ذات لغتي أو لا، ولا أقبل أنا الإنسان أن يُهان مَن احتاج لمساعدتي، سواء بيتي أو حضني، أو كلمة قد تعينه على ما هو فيه، لا للعنصرية، كلنا إخوة، فالضعيف اليوم يحتاج إلى القوي ليعينه لا ليهينه. لا للعنصرية".
Instagram Post |
لكن إليسا فاجأت الجمهور بطريقة تعاطيها مع الانتقادات، وذلك عندما ازداد إصرارها على قول الأفكار الإقصائية. إذْ أعادت نشر رأيها على "تويتر" بطريقة مستفزة، وذكرت في تغريدتها ما يلي: "أنا مع عودة اللاجئين لبلدن لأن بلدن أحق فيهن. لبنان عم يعاني أزمة اقتصادية ومنو قادر يتحمل، أنا بحب الشعب السوري وأمي سورية وبريد يكونو مرتاحين بأرضن .. بعيد وبكرر".
Twitter Post
|
وفي الحقيقة، لم تكن إليسا أول الفنانين اللبنانيين الذين صرحوا بتصريحات عنصرية ضد السوريين، إذْ صرَّح في الأسابيع القليلة الماضية العديد من الفنانين اللبنانيين عن أفكارهم الرافضة للوجود السوري في لبنان. فعلى سبيل المثال، قام الممثل اللبناني طوني عيسى بالتعبير عن امتعاضه من مشاركة الممثلين السوريين في بطولة أعمال درامية لبنانية. فصرَّح بأن الممثلين السوريين هم السبب في تغييبه عن الشاشة في الموسم الرمضاني الفائت. وكذلك فإن الممثلة اللبنانية، نادين نجيم، صرحت في لقاء تلفزيوني، أنها تفضل التمثيل بجانب ممثل لبناني، على أن تمثل بجانب ممثل سوري.
إن بيان "ضد العنصرية" كانت له أهمية قصوى، عن طريق التأكيد بأن الطبقة المثقفة في لبنان لا تتبنى التوجه الذي صدر للعلن من خلال تصريحات الفنانين مؤخراً، والتي جاءت في سياق غريب. فلم يسبق أن تم تداول موضوع اشتراك ممثلين من جنسيات مختلفة بالأعمال الدرامية على أنها خيانة للوطنية أو للثوابت من قبل المتابعين والفنانين سابقاً. ولكن فعلياً، بذور هذه الفكرة العنصرية بدأت في سورية وليس في لبنان. إذْ شهد العام الماضي حملات سورية إلكترونية تنادي بإقصاء الفنانين اللبنانيين عن الدراما السورية لـ"تستعيد بريقها"، وكأن الممثلين اللبنانيين مسؤولون عن تدهور حال الدراما السورية، والتي يفترضون بأنها كانت في القمة. ومثال على ذلك، الحملة التي أطلقتها صفحة "دمشق الآن" على فيسبوك، والتي حملت اسم "أخرجوا اللبنانيين من الدراما السورية".
وهذه الحملات، كان لها امتداد هذه السنة، فعدد كبير من السوريين أعلنوا عن رفضهم لإقحام أسماء فنانين لبنانيين في المهرجانات الفنية السورية. ومن هنا، جاء جزء كبير من تصريحات الفنانين اللبنانيين كردّة فعل على العنصرية التي يتعرض لها أقرانهم في سورية. ولكن ردة الفعل، التي اتسمت بالعنصرية بدورها، وقع ضحيتها اللاجئون السوريون في لبنان. وحاول بعض الفنانين السوريين المعارضين أن يتصدوا لها، كما فعلت أصالة نصري، بينما لم يهتم أبواق النظام وفنانوه بمصير اللاجئين والعنصرية التي يتعرضون لها. وبدلاً من ذلك، صرح العديد منهم بتصريحات عنصرية وتحريضية ضد اللبنانيين تحت غطاء الوطنية، كما فعل عارف الطويل، لتعلن هذه الأصوات عن حرب عنصرية، هي الأغرب، ما بين الفنانين السوريين واللبنانيين.