عند أعتاب رابعة والثورة! [2ـ 2]

16 اغسطس 2015
هل حرصنا على اختيار "ميدان رابعة"معنى قبل اسماً(فرانس برس)
+ الخط -
عند آخر باب فارق أحدنا فيه ميدان "رابعة العدوية".. فارق معه روحه وضميره، رائعة تلك المفارقة.. ومورق ذلك الفارق!


ذات لون أخضر فاتح شفاف مقارب لطير الجنان، تلك الروح الحقيقية التي تشبه لحظات القرب من الله والتجلي في عبادته، تلك اللحظات القليلة تشابه أرواحنا جميعاً، وراحة ضمائرنا التي تركناها لدى "التبات" الرملية والسواتر الترابية الوهمية التي كانت لاستشعار الحماسة أو استكمال مظاهرها.. ويا لحماستنا ومحبتنا لـ"رابعة" تلك التي استغرقت الإنسان منا فتركناه هناك.. مع أرواحنا الحقيقية.. وإن بقيت في كتب حياتنا "فضلة" قليلة نسير بها.. وتسير بنا في حياة تشبه حياة البشر، وإن لم تكنها حتى حين الوفاة!

عند الأبواب كان يستقبلك أفضل وأنضر البشر، أولئك الذين أحسنوا تلقي معنى الحرية.. وفهمه وتحويله إلى سلوك من دون طلب أدنى مصلحة من الحياة، وفي الكلمات الماضية تبرئة لهم من دون اتهام لغيرهم من قيادتهم في الحقيقة، هناك كان التفتيش يتم بنَفس طويل جداً، وبمنهج الدولة المفتقدة على مدار حياتنا، لما تفتشنا.. لما تتأكد من سلميتنا، هؤلاء كانوا يستبعدون أقل القليل من سلاح ليتم اتهامهم بحمل السلاح، لدى الباب كنا نترك زوجاتنا وبناتنا لتفتشهن النساء.. ثم ليذهبن إلى حيث يردن من دون خوف عليهن.. وفي بقية دروب وميادين الحياة كم كنا وما نزال نخاف، لا نظرة غير محببة أو طرف عين نحو فتاة أو امرأة هنا، الجميع يحرس ويحفظ الجميع.. الكل حريص على المجتمع في صورته البهية النقية الجلية الجميلة..

ولكن هل حرصنا على اختيار "ميدان رابعة" معنى قبل اسماً.. وغرنا عليه قبل أن يحدث به ما حدث؟ بمعنى هل أعددنا العدة الحقيقية للحفاظ على "ميدان رابعة" وبقائه عند اختياره.. أم ماذا؟.

اقرأ أيضاً: عند أعتاب رابعة والثورة [1ـ 2]

في رأيي أن المجتمع الذي التأم في رابعة قرابة خمسة وأربعين يوماً ليس المجتمع الإسلامي، بل إنه المجتمع المدني الذي نأمل جميعاً في تحققه على أرض مصر، المجتمع الذي يحتوي جميع الراغبين في رفعة بلدهم مصر، وإن كان إلا قليلاً للحقيقة.. فما كانت الجهود الذاتية القاصرة للأحرار لتفيد فائدة مطلقة حيال انعدام دور الدولة بل حربها على اجتماع مئات الألوف في المكان البالغ النور، والذي نسأل الله أن ينعم علينا باكتحال أعيننا به مرة أخرى.. وللحقيقة فلن أفيض هنا في وصف رابعة ولا ألقها، فلعل لذلك سياق آخر، ولكن أرى أن السياق هنا يقتضي استكمال مناقشة عقلانية سياقها واضح، بداية من مسيرة ما اصطلحنا على تسميته ثورة في 25 يناير، ثم لمسيرة اعتصام رابعة تحديداً، مما بدأتُه في المقال السابق، فمع محبتي وتقديري لشهداء ومصابي رابعة، وكرهي لكل من شارك في مجزرتها.. بل خطط أو أعان عليها، ولكني أرى أمراً واضحاً أقوله من باب النصح لكل ثائر مخلص يرجو رفعة بلاده..

كذلك أخطأ الثوار في مصر بوجه عام في قراءة المشهد من حدث 25 يناير.. للآسف واصلوا الخطأ، خاصة جماعة الإخوان بعد الانقلاب، ولم يحسنوا لا قراءة الموقف ولا التعامل معه، ولي مع التصريحات التي تثور من حين إلى آخر من القيادات، والقيادات المفترضة موقف الحقيقة، فحينما يقول أحدهم إننا لم نذهب إلى رابعة لإعادة الرئيس محمد مرسي.. بل الضغط للتفاوض، ثم يحاول التبرير، نجح أم لم ينجح فيه، وحينما يخرج قبله من يملأ فمه بالقول إن الجماعة تدرس حل "فرعها" في مصر، ثم يقول إن الإخوان يحرقون أبراج الكهرباء، وما إليه من تصريحات بادر لنفيها كلها نفس "قائلها"، سواء أكانت مكتوبة أم تم بثها على الهواء، أرى في هذه التصريحات قمة المأساة، وإن قائليها افتقرا إلى ما يقولانه، بل لم يجدا شيئاً ليقولانه من الأساس، فانبريا ليحركا لسانيهما في فميهما، وإن لم يقولا شيئاً، وهذا هو قمة الفشل في الطرح الذي جاء بذكر رابعة في هذا السياق..

ولا حاجة لي إلى تكرار أن طرحي هنا هو طرح عقلي يفكر ويبحث عن موطن الخلل للتغلب عليه، ولا يقلل من مكانة رابعة في النفس أو الروح..

ولنتناول الأمر من البداية:
كيف جاء اختيار ميدان رابعة كمكان للاعتصام؟ ومن الذي اختار هذا المكان وسط المباني العسكرية ليسهل بعد ذلك فضها والقضاء على مَنْ فيها؟ الحي مناسب للاعتصام لكن إحاطته من أكثر من جانب بمبانٍ عسكرية، ألم ير أحد أنه أمر بالغ الخطورة؟. هذا من ناحية "شكلية".. أما الأهم فلماذا تم الاعتصام من الأساس في ميدان رابعة؟.. بل استدعاء الإخوان وأسرهم من مختلف أرجاء الجمهورية.. وتقسيمهم لاحقاً بين رابعة والنهضة؟.

ما أعرفه أن ميدان رابعة كان اختياراً قبيل مايو/ أيار 2013م لتجمع أنصار الإخوان من الشرفاء للدفاع عن محمد مرسي، الرئيس آنذاك، إن تم اقتحام أو محاولة اقتحام للقصر على غرار ما تم في ديسمبر/ كانون الثاني 2012م، حتى جاءت أحداث 30 يونيو/ حزيران و3 يوليو/ تموز.. وبالفعل لم يتم اقتحام القصر الجمهوري فقط.. بل الحياة والقانون والديمقراطية في مصر.. فلماذا تم الإبقاء على التواجد في ميدان رابعة العدوية إذاً؟ لا أعتقد أن أحداً يملك التفسير أو الإجابة لأن الجواب الوحيد أنه جزء من مخطط التخبط لا أكثر..

ثم لماذا اختار الإخوان سياق الاعتصامات من الأساس، وهم إن كانوا صادقين بالفعل في ظنهم أن الاعتصام سيعود بالرئيس المنتخب محمد مرسي؟ وأحد جوانب صدقهم أنهم أتوا بأبنائهم وأنفسهم صغاراً وكباراً إلى رابعة والنهضة.

ولا داعي للتبرير في هذه الجزئية.. ولكنهم مالوا في الحقيقة إلى نفس النهج الخاص بالاعتصام بداية من 25 يناير/ كانون الأول 2011 حتى 11 من فبراير/ شباط من نفس العام، ولم يفهموا الدرس على أي نحو كان، فالذي سمح بالاعتصام من الأساس هو الجيش لغرض اقترب من تحقيقه.. والغرب الذي تدخل في 2011م، لن يتدخل في 2013م لإنه مشارك في الحدث الأول لغلبة التيار العسكري عليه وتغطيه بالستار المدني.. وهو ما افتقده الموقف تماماً في 2013م من وجهة نظرهم..

أما الأسئلة الأكثر نجاعة ولا تغطيها اللجان الإلكترونية ولا خطاب المحنة المستمر والدعوة لتكثيف الخروج، مع احترامي لأظفر قدم أصغر ثائر، ولكن الأسئلة المُرة فعلاً: 
ـ لماذا أصر الإخوان على دوام الاعتصام على الرغم من ورود معلومات من اتجاهات متعددة تقول ببشاعة الفض؟

إنه نفس السؤال لكن مرهوناً بالمدى الزمني:
ـ لماذا لم يستجب الإخوان لعدد كبير من التفسيرات تقول بإن الجيش يوشك أن ينقلب على الرئيس محمد مرسي؟

والعمل كان من عمل وعمل وعمل بل إعمال للعقل.. والأمر لا يخفف من إقراري بإجرام كل من شارك في المجزرة وما قبلها وما بعدها، ولكنه لا يُخلي من المسؤولية الخاصة بكل من لم يعمل عقله لتلافي هذا المصير؟

إن الأمر ليس أمر شعارات وكلمات.. فيما الأرواح تهدر، ونصر الله يتأتى لما تكون هناك أسباب له، ولكن الموقف كان أدعى للتفاوض في رابعة وبعد الانقلاب على نحو أفضل من بعد المجزرة الرهيبة، وما بعد المجزرة كان أفضل من قبل عام، والآن العسكر حققوا ما يريدون.. وهم الذين "يتعززون" في التفاوض ولنسأل عن طرح وزير خارجية قطر الأخير الذي رفضوا حتى السماع إليه..

من قال للإخوان إن الدخول في معركة صفرية حل للأزمة اليوم في مصر؟ ومن هو غير العاقل الذي لم يفهمهم أن استمرار المأساة ليس في صالح إلا الفسدة والظلمة والأعداء..

يعلم الله أن الكلمات الماضية بالغة الوجع والإيلام لصاحب هذه الكلمات، ولكنني أراها كلمة حق ليس من خير فيّ إن لم أقلها.. نجا الله وطننا ووهب القوى الثورية وفي القلب منها جماعة الإخوان القدرة على السداد والتوفيق.. لوقف طوفان الدماء الحالي وإعادة تنظيم الصفوف لعودة جديدة في أجواء أكثر توفيقاً، وألهم الله تعالى الثوار الرشد والثبات على طريق الحق.. وأتم طريق الثورة..

(مصر)
المساهمون