عندما ينافس السيسي ظلّه

14 مارس 2018
+ الخط -
أسوأ الصور التي نجح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تشكيلها هي صورته الكرتونية على هيئة "جيكو مورية" الذي لا يمتلك القوة، وإنّما يعتمد في قوته على فاكهة الشيطان (الحديد والنار وقوة السلاح)، واستخدام الظلال (الإعلام) في القتال. وبينما تجري الانتخابات الرئاسية على مدى ثلاثة أيام من 26 إلى 28 مارس/ آذار الحالي، رابع انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ مصر وثالث انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير، ينافس فيها السيسي نفسه، ويتفوّق على ظلّه، يمعن شعب مصر في فضيلة الصبر التي دعاهم إليها، وهكذا تخلو الاحتمالات من أي أمل وخلاص في الوقت الراهن، فهو يرى رأي المستكين أنّه أحسن، فيما أساءت عهود قبله للشعب المصري، وعلى الشعب أن يشكره ويحمد الله على هذه المنّة.
فضلاً عن الأزمة الدستورية التي أحدثت فراغاً تشريعياً وسياسياً واقتصادياً في مصر، فإنّ مؤسسة الرئاسة تحاول أن تسدّ باب الذرائع، بمنح السيسي مشروعية زائفة. ويصب هذا الجهد المبذول في خانة الإعلان عن انتخاباتٍ تم تحديد موعدها من دون استشارة الشعب، ما يفتح الباب حول مآلات ممارسةٍ ديمقراطيةٍ، أُريد بها تثبيت نظام انقلابي بسلطة الأمر الواقع.
وكمن ينتقد نفسه، يتحدث السيسي عن الوعي الزائف، وينسبه إلى الأعوام الماضية، من دون فترته، ويحذّر من التحرك ضده، لكي لا تقع البلد في المحظور. ولا يُنسى بالطبع الدور المتقن في استعطاف الحضور في عدة مناسبات، فمنذ الملتقى الشبابي الذي عُقد بمناسبة الاحتفال بذكرى تحرير سيناء في أبريل/ نيسان العام الماضي، أدمن نبرات الاستعطاف والحديث الدائم عن تضحياته ومجاهداته، لكي يصل بمصر إلى برِّ الأمان، ولولاه لكانت في خبر كان منذ أربع سنوات. هذا الوعي الزائف هو الذي صوّر له أنّ جميع المصريين، وعلى قلب رجلٍ واحد، يريدونه ولا يريدون رئيساً سواه.
حدث هذا قبل أشهر قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية الديكورية لمرشحي الرئاسة المصرية 
الذين تساقطوا واحداً تلو الآخر، فيما بدت مثل سابقتها بلا لون ولا طعم ولا رائحة. وكان في الوسع أن تتخذ مساراً آخر، أقل ما يمكنها فعله هو تحريك ساكن الخضوع، لكن الرئيس السيسي بادر بتهديد مبطّن، يشير إلى صدام محتمل مع المعترضين على ترشيحه.
لإعلان الترشّح للرئاسة من الأهمية ما له، لأنّه بالنسبة للناخبين المتعطشين لعمل سياسي نزيه يُرجى منه أن يرتقي بوسيلة الحكم والمجتمع إلى مستوى الطموح الذي ينشده الشعب لينال حقه في العيش حراً مستقلاً، وينعم بالرخاء والهناء. وبالنسبة لمن سُلبت الديمقراطية التي ناضل من أجلها من بين يديه، فإنّه لن تكون له الثقة في أن يدير هذا النظام عملية انتخابية شفّافة، إذ كيف لمن انقلب على نظام حكم ديمقراطي أن يمارس الديمقراطية في عمليةٍ معلومةٌ نتيجتها مسبقاً. ولأنّ العدل، بمنظوره القيمي، يجب أن يجسده المرشح الرئاسي كمعنى عام يتحقق من خلال الممارسات.
وإن كان غالب الشعب هم من فئة المستنيرين الذين يرون في الديمقراطية السياسية اهتماماً بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية، فإنّ في الشعب نفسه من لم يمكّنهم حظهم من الإلمام بمتطلبات معرفة أمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها، حيث إنّ أولوياتهم تكمن في لقمة العيش وملاذ آمن يظلهم، وهذا لا يتحقق إلّا بالعدل الاجتماعي.
من بين هؤلاء الشباب من لم يشهد انتخابات وعملية ديمقراطية حقيقية، غير التي تلت ثورة 25 يناير، وكانوا أكثر الفئات مقاطعة لها، ومنهم من لم يَحظ بالتصويت لعامل السنّ. ما سيحدث في هذه الانتخابات، وما يصاحبها من تعقيدات، وما يلوث الأجواء، كفيلٌ بأن يصبغ العملية برمتها بالإحباط، هذا غير دحر الآمال العِراض في عملية التحوّل الديمقراطي، كلمة الحق التي يراد بها باطل، فبينما يمشي هؤلاء خطاهم نحو انجلاء عتمة الليل، وانبلاج ضوء الصباح، فلا يصبح الصبح، ولا يغادر ليل الديكتاتورية عتمته الموحشة.
غنيٌّ عن القول إنّ ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر لا يعني الغرب إلّا بدرجة 
ارتباطها بشبكة المصالح الاستراتيجية مع النظام. الانتخابات المصرية المزمع عقدها هي لمتطلبات الإدارة الأميركية، وليست للداخل المقموع. ولا يهمّ الرئيس دونالد ترامب التعامل مع سلطةٍ شموليةٍ عن غيرها، ما دامت تخدم مصالحه بأي شكلٍ كان، ولكن هناك تعقيدات خاصة بالداخل الأميركي نفسه، فيما يتعلّق بالمنح والقروض التي يجيزها الكونغرس، بناءً على رضى من يمثّلهم من الرأي العام عن أداء أي دولةٍ في مسائل تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان وغيرها. وهذا هو نفسه ما يفسّر الصمت الأوروبي تجاه تجاوزات نظام السيسي، وعبثية المشهد الانتخابي.
في هذه الأجواء غير الديمقراطية، في بلدٍ يحكم فيها الرئيس تحت حراسة قانون الطوارئ الذي يحرم الشعب، حتى من إبداء رأيه، سيناريو انتخابات "صورية" يُتوقّع أن يفوز خلالها السيسى باكتساح ظلّه، وبالنسب نفسها التي كان يفوز بها الرئيس الأسبق، حسني مبارك. ومن بعدها يكون السيناريو الأقرب، هو تعديل الدستور لمد فترات الرئيس، تحت ظلّ السلطة وبحماية قانون الطوارئ الذي يتم تفعيله من وقتٍ إلى آخر، لتمرير قرارات استثنائية في مصلحة النظام، حتى أصبحت قضايا أخرى، مثل محاربة الإرهاب، الفزّاعة المعلّقة عليها الطوارئ بتفويضٍ مفتوح.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.