يبدو أن عدوى حجب المواقع الإلكترونية في مصر قد تخطت مرحلة المواقع الإخبارية المصرية والعربية والدولية التي تنتقد النظام المصري، بل وصلت لمرحلة حجب المواقع الإلكترونية الموالية والناطقة باسم النظام.
إذ يناقش المجلس الأعلى للإعلام (مؤسسة حكومية تحل محل وزارة الإعلام في مصر)، اليوم الأربعاء، حجب عدة مواقع إخبارية مصرية، من بينها "بوابة الأهرام" الموقع الإلكتروني الصادر عن صحيفة الأهرام القومية المصرية، على خلفية نشرها أخبارًا عن إغماء مُدرّسة بمحافظة بورسعيد بعد اعتداء ضابط شرطة عليها.
وأعلنت لجنة الشكاوى التابعة للمجلس الأعلى للإعلام، أنها حصلت على توصية بحجب موقع "الشرقية أون لاين" نهائيًا، وتوجيه إنذارات لثلاثة مواقع أخرى، إلى جانب حجب جزئي لمدة ثلاثة أشهر لعشرة مواقع أخرى هي "الفجر"، "القاهرة 24"، "مصر بوست"، "أهل مصر"، "حرية برس"، "صوت مصر"، "أخبارك"، "الحدث اليوم"، "الديار"، "بوابة الأهرام"، على خلفية نشرها نفس الخبر.
كانت تلك المواقع الإخبارية، قد نشرت تقارير صحافية نقلًا عن غرفة عمليات نقابة المهن التعليمية، تشير إلى أنها "تلقت إخطارًا من النقابة الفرعية للمعلمين ببورسعيد، يفيد بتعدي ضابط شرطة على إحدى المعلمات المنتدبات من محافظة بورسعيد إلى إحدى لجان الثانوية العامة بالإسماعيلية لتأدية عملها كملاحظ".
وكشفت الأجهزة الأمنية بعد ذلك، بيانًا يفيد بأن الشرطة تلقت بلاغا من طالبة وأسرتها بقيام المعلمة بالاستيلاء على هاتف ابنتهم أثناء دخولها لجنة الامتحان، وعندما تحركت القوة الأمنية لمحل الواقعة رفضت المدرسة التوجه لقسم الشرطة بصحبة القوة الأمنية ثم توجهت وحررت محضرا لإثبات الحالة لكنها لم تتهم الضابط بالتعدي عليها، عكس ما أشيع على مواقع التواصل الاجتماعي.
اللافت في هذه الواقعة، ليس تحقيق المجلس الأعلى للإعلام في ممارسات المواقع الإلكترونية السابقة في تداول خبر نقلًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، دون التحقق من مصدره، بل مناقشتة توصية بحجب تلك المواقع مباشرة، بما فيها "بوابة الأهرام".
يُشار إلى أن بداية إقدام النظام المصري على حجب المواقع الإلكترونية المنتقدة للنظام، كانت مع حجب "العربي الجديد" في ديسمبر/كانون الأول 2015، ولا يزال محجوبًا في مصر إلى اليوم. ثم انتشرت عدوى حجب المواقع في مصر في 24 مايو/أيار 2017 عدنما أقدمت السلطات المصرية على حجب 21 موقعًا إلكترونيًا، كانت أغلب المواقع المحجوبة هي مواقع إخبارية. لاحقًا، توسعت السلطات في حجب مواقع لتشمل عددًا ضخمًا من المواقع التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة حتى وصل عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 520 موقعا وفق ما أمكن رصده بعد حجب موقعي وكالة الأناضول التركية والتلفزيون التركي، مع استمرار أزمة حجب موقع التحرير الإخباري، حسب تقرير للمرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة مجتمع مدني مصرية) عن الانتهاكات التي وقعت بحق إعلاميين وصحافيين في يونيو/حزيران الماضي.
يشار إلى أن الدستور المصري أعطى الصحافة بأنواعها المختلفة حرية مطلقة حيث ينص على: "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة". إلا أن القانون رقم 180 لسنة 2018، والمسمى بقانون تنظيم الصحافة واﻹعلام والمجلس اﻷعلى لتنظيم اﻹعلام، وضع قيودًا مكبِّلة لحرية الصحافة في مخالفةٍ ﻷحكام الدستور".
لكن قانون تنظيم الصحافة والإعلام المصري، توسع في منح المجلس اﻷعلى للإعلام صلاحيات الحجب والمنع والمصادرة للصحف والوسائل اﻹعلامية المصرية وفقًا لمعايير فضفاضة قابلة للتأويل مثل: "اﻵداب العامة" و"النظام العام"و"اﻷمن القومي".
وتنص المادة الرابعة من الباب اﻷول في قانون تنظيم الصحافة والإعلام "يُحظر على المؤسسة الصحافية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو تخالف النظام العام والآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية. وللمجلس الأعلى، للاعتبارات التى يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات، أو صحفًا، أومواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض".
وبذلك؛ أطاح القانون بالحرية الممنوحة للصحافة وفقًا للدستور ونصَّب المجلس اﻷعلى للإعلام رقيبًا على الصحف يتدخل بالقص والحذف والتعديل والمنع والمصادرة إذا تراءى لهذلك. إلا أنه رغم تلك السلطات الواسعة الممنوحة للمجلس فإن الجماعة الصحافية ما زال لديها هاجس بأن اﻷجهزة اﻷمنية هي صاحبة اليد العليا فيما يتعلق برسم السياسات التحريرية للصحف ووسائل اﻹعلام.