لا يقتصر مفهوم المسجد في الولايات المتحدة الأميركية على العبادة، بل هو أوسع وأشمل من ذلك بكثير. إلى جانب كونه مكاناً للصلاة والتقرّب إلى الله، هو بالنسبة إلى كثيرين ملجأً ومساحة للشعور بعدم الاختلاف وفرصة للتقرّب من آخرين تجمعهم بهم العقيدة ذاتها.
ملك حمادة، هي رئيسة اللجنة الاجتماعية في مسجد عمر الفاروق الذي يعدّ من أبرز المراكز الإسلامية في جنوب كاليفورنيا، تتحدّث عن "مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق المسجد، إذ نحن كمغتربين غالباً ما نعيش بعيدين عن عائلاتنا الكبيرة. من هنا، نرغب في أن يرتبط أبناؤنا بالمسجد. بالتالي لا يكفينا أن يقتصر المسجد على الصلاة وقراءة القرآن، فنحاول جعله جزءاً من المجتمع من خلال نشاطات متنوعة ومسلية". تضيف: "الجامع أصبح أقرب إلى نادٍ، ونسميه جامعاً لأنه يجمع الناس. ونشاطاتنا الاجتماعية تختلف، من بازارات وحملات تبرع بالدم ونزهات الأعياد. كذلك، نقوم بترتيب لقاءات تعارف بين الشباب والشابات المقبلين على الزواج".
تتابع حمادة أنه ومن بين فعاليات المساجد هنا، يأتي "اليوم المفتوح". من خلاله، تفتح المساجد أبوابها يوماً في السنة لجميع الناس من غير المسلمين، كي يتعرفوا أكثر على الدين الإسلامي من خلال جولات تعريفية ومعارض فنية إسلامية وأطعمة.
النشاطات الاجتماعية التابعة للمسجد تشمل جميع الفئات، من أطفال وشباب ونساء ورجال. ويعد برنامج الكشافة من ضمن البرامج التي تتبناها المساجد من خلال مسؤوليتها الاجتماعية.
ناديا حسن، هي مسؤولة فريق فتيات الكشافة التابع للمسجد، تتحدث عن أهمية الكشافة لهؤلاء الصغيرات. تقول: "فتياتنا مولودات هنا وفي النهاية هن أميركيات. وقد بدأنا برنامج الكشافة رغبة منا بإدماجهن في أنشطة كشافة أميركا، إنما في إطار الجو الإسلامي الآمن الذي يوفره المسجد". تضيف أن "للبرنامج فوائد كثيرة، منها مثلاً تحسين مهارات القيادة والتواصل الاجتماعي. ولا ننسى أيضاً أن اندماجهن في الكشافة سيمنحهن فرصاً كبيرة مستقبلاً في مجال العمل والدراسة".
وتشدّد حسن على أن المسجد لا يحاول عزل نشاطات فتيات الكشافة عن المحيط الخارجي، بل يقوم الفريق بنشاطات خارجية عديدة، الأمر الذي يتيح لهن لقاء فتيات أخريات ومن مختلف أنحاء العالم. وهذا يمنحهن شعوراً بأنهن جزء من المجتمع، ولا يختلفن عن سواهن".
نشاطات فريق الكشافة تبرز في مناسبات كثيرة، من بينها تلك المتعلقة بالمسجد. ففي بازار أقامه المسجد أخيراً، تسابقت هؤلاء الصغيرات مملوءات بالحماسة والنشاط لتوفير المساعدة والدعم لزائري البازار وبيع الحلويات والسكاكر من خلال كشك خصص لهن بمحاذاة كشك فريق الصبية.
وتعبّر القائدات الصغيرات (8 - 12 عاماً) عن مدى سعادتهن بانضمامهن إلى الكشافة. تقول جمانا (10 أعوام): "أحب الكشافة لأنها تمنحني الفرصة للقاء فتيات أخريات، والقيام بنشاطات مختلفة معاً. نحن نتعاون دائماً كفريق لتنفيذ المهمات المطلوبة منا. الكشافة تعلمنا أموراً إيجابية كثيرة، كأن نكون شغوفين وصبورين ومتعاونين ولطيفين وأكثر من ذلك".
سليمة (12 عاماً)، من أصول نيجيرية، ليست عضواً في الكشافة لكنها كانت متطوعة في البازار تجمع تذاكر بيع "غزل البنات" لمساعدة صديقتها نور. تقول: "أريد أن أستغل وقتي بالتطوع في المسجد للمساعدة، ولقاء غيري من الأطفال، والبقاء قريبة من ديني وممّن يفكرون مثلي. أرى في ذلك وسيلة أيضاً للبقاء بعيدة عن المشاكل وعن أصدقاء السوء. المسجد بالنسبة لي هو البيت الآمن".
شيرين، والدة أحد أعضاء فريق الصبية للكشافة ومسؤولة متطوعة، تقول إنها وفور سماعها بخبر بدء البرنامج لدى المسجد، سارعت إلى إشراك ابنها به. هي أرادت أن تزيد من تفاعله الاجتماعي، وتنمي ارتباطه بالثقافة العربية والبيئة المسلمة. تضيف: "على الرغم من أن البرنامج ما زال حديثاً بالنسبة إلى الصبية، إلا أن ابني أحبه وعرف ماذا يعني أن يكون الإنسان قائداً".
من جهته، يرى صلاح (12 عاماً)، أن الكشافة هي الإحساس بالمسؤولية، إذ "تعني وجوب أن تكون جاهزاً لكل المواقف، وأن تواجهها بقوة ومن دون خوف. كذلك عليك أن تكون إيجابياً، وأن تعالج المشاكل من دون تردد".
وفي البازار السالف الذكر، تتاح الفرصة لأبناء المجتمع لكي يعرضوا خدماتهم ومنتجاتهم الاستهلاكية، من ألبسة ومجوهرات وخدمات، في حين يخصص جزء لألعاب الأطفال وآخر لبيع وجبات الطعام الحلال.