عندما قررنا ألّا ننتصر

10 سبتمبر 2015
ثم تكتمل فصول المأساة بوصول رئيس يدعي تمثيل الثورة(Getty)
+ الخط -
(1) 
في أوائل عام 1963 بدأت تظهر على الساحة السياسية الإيرانية شخصية الزعيم "روح الله الخميني"، كقائد للمعارضة حينها ضد برنامج الإصلاحات، الذي أعلنه الشاه وقتذاك، والذي عُرف "بالثورة البيضاء".


حينها بدأت حكاية قائد الثورة الإيرانية وبدأت أسهمه في التصاعد في الداخل الإيراني، ووصلت إلى قمتها في العام التالي بعد اعتقاله لمدة ثلاثة أيام لم تَنم خلالها إيران إثر المظاهرات وأعمال الشغب، التي قام بها مؤيدو "روح الله" مطالبين بالإفراج عنه. وبعد انتهاء هذه الموجة من الاضطرابات الداخلية التي كانت تُنذر بأمرٍ جلل، أعلنت الحكومة الإيرانية أن عدد القتلى ستة وثمانون قتيلاً، بينما قالت المعارضة إن الرقم يتجاوز الألف قتيل. (التقارير بعد نجاح الثورة أعلنت أن عدد القتلى كان ثلاثمائة وثمانين قتيلاً ).

تم الإفراج عن الخميني بعدها وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية قرابة ثمانية أشهر، وتم بعد ذلك نفيه إلى الخارج. ومنذ ذلك الحين، بدأت أسطورة "الخميني"، قائد الثورة الإيرانية، والذي كان خير مُمثل ومتفاوض نيابة عن الشعب الإيراني.

(2)
"إن من عبقرية الثورة المصرية، أنها كانت دون قائد".
كانت هذه المقولة إحدى أبرز المقولات، التي تصف الانتفاضة المصرية بعد تنحي مبارك عن السلطة وتسليمها للمجلس العسكري. كنت حينها مبهورًا بتلك المقولة الفارغة من أية معانٍ حقيقية وليس لها أي سند تاريخي.

لم تكن المُعضلة الحقيقية فقط في غياب القائد المُلهم محرك الجماهير وغياب المرجعية الفكرية للثورة، والتي على أساسها تُستنفر الجماهير، لكن كانت الأزمة في عُقم الوسط السياسي المصريّ في أن يُخرج قائدًا يتحمل المسؤولية، بالإضافة إلى هشاشة وضعف المُنتج الفكري للفصائل التي شاركت في الانتفاضة منذ بدايتها.

فلم يكن من المقبول أن تتصدر جماعة لم تحسم اختياراتها بعد، وبداخلها تياران يتطاحنان، حالة ثورية بالإضافة إلى أن هذه الجماعة مُكبلة بذكريات الماضي!

وفي نفس السياق، لم يكن من العقلانية أن يقود تلك الحالة الاستثنائية رجلٌ غير قادر على اتخاذ قرار واحد دون مساعدة. رجلٌ يعيش في عالمه الافتراضي، وآخر يحاول تصفية خلافاته الشخصية مع مكتب الإرشاد.

ثم تكتمل فصول المأساة بوصول رئيس يدعي تمثيل الثورة في قصر الرئاسة، ويعلن أن الشرطة كانت في القلب.

في المُقابل، تم تهميش أولئك الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه وتم إخراجهم من المعادلة تمامًا، وتصويرهم على أنهم مجموعة من الشباب الأخرق، الذين لا يمثلون الصورة الحضارية لثورة يناير السلمية، ربما لأنهم لا يجيدون الكلام المنمق ولا يرتدون تلك البزات الأنيقة!

أتذكر تلك المواقف العصيبة، التي مررنا بها خلال الأربعة أعوام الماضية، أقول في نفسي ماذا لو كان "سيد مُشاغب" -كمثال- هو الناطق باسم انتفاضة يناير؟!

أتذكره وهو يقف في المُنحنى الجنوبيّ في ستاد القاهرة، وبإشارة واحدة منه تتحرك آلاف مؤلفة من الأبدان في نفس اللحظة، يهتف فيرددون خلفه، يعلن الاشتباك فينساب من ورائه جيشٌ يأكل الأخضر واليابس إن قرر، جيشٌ جاهزٌ للذهاب إلى أبعد نقطة من أجل الحلم الجميل. بالتأكيد كان سيختلف الأمر كليًا، كان سيكون لهذه الثورة حماة يذودون عنها، ربما حينها كان سيصبح لنا وزن وثقل، ولم نكن لنعتبر حينها مجرد أرقام في كشوفات الشهداء والمعتقلين فقط.

والآن، وبعد أن دفع هؤلاء الثمن، وتفرق شملهم بين شهيد ومعتقل، يجلس شباب الثورة النقيّ، ومعهم أربابهم الذين كانوا يتصورون أنهم صاروا قادة ونجومَ مجمتع في الماضي القريب.

(3)
بالتأكيد، تَصدُّرُ وجوه وغيابُ وجوهٍ أخرى، كان أحد الأسباب في دخولنا دوامة الثالث من يوليو، والتي يبدو أننا لن نخرج منها قريبًا.

(مصر)
المساهمون