20 أكتوبر 2024
عندما تنفضح فزّاعة توطين الفلسطينيين في لبنان
يتعين على الدولة اللبنانية، وحكوماتها المتعاقبة ومؤسساتها الرسمية، الاعتذار من الفلسطينيين في لبنان، على الأكاذيب التي روّجتها من خلال تضخيم أعداد اللاجئين منهم، واستخدامها فزّاعة لتحريض طائفي وعنصري ضدهم، وحجةً لتبرير حرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية. فقد تبين اليوم أن عدد الفلسطينيين في لبنان ليس كما ادّعى مراراً وزير الخارجية، جبران باسيل، 400 ألف، بل هو لا يتعدى 174.422، وفق التعداد الذي أجرته "لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني" وإدارة الإحصاء المركزي في لبنان، والذي جرى الإعلان عنه في مؤتمر حضره رئيس الحكومة، سعد الحريري، الذي تحدّث للمرة الأولى عن ضرورة منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية في لبنان. وبالمقارنة مع عدد الفلسطينيين في لبنان سنة 1949 الذي كان 120 ألفاً، يظهر أن أعداد الفلسطينيين لم تزدد خلال خمسة عقود أكثر من 54 ألفاً فقط.
منذ النكبة واللجوء الفلسطيني إلى لبنان، وقفت الحكومات اللبنانية بالمرصاد ضد المحاولات الدولية لتوطين الفلسطينيين في لبنان التي نشطت منذ الخمسينيات، لسببين أساسيين: سبب معلن، هو الدفاع عن حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه، وإفشال المخططات الصهيونية الرامية إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في الدول التي استضافتهم. وسبب آخر مضمر، هو انعكاسات توطين الفلسطينيين الذين في أغلبيتهم من المسلمين، على التوازن الديمغرافي الهشّ في هذا البلد الذي يعتمد في توزيعه السلطات السياسية على تقسيمات طائفية معقدة. وبخلاف دول عربية أخرى، امتنعت الدولة اللبنانية عن منح اللاجئين حقوقاً مدنية، بوصفهم مقيمين بصورة دائمة في البلد، وعاملتهم كأجانب ينتمون إلى فئة خاصة، وأنشأت في العام 1950 "اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين" التي أصبح اسمها سنة 2002 "المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين". وكانت حقوق الفلسطينيين المدنية في لبنان عرضةً لتفسيرات وتأويلات مختلفة وقوانين جائرة وظالمة، دفع الفلسطينيون ثمنها، خصوصاً سكان المخيمات التي تحولت إلى أحزمة فقر وعوز.
بالطبع، لا يمكن تجاهل تأثير نشاط التنظيمات الفلسطينية المسلحة في لبنان منذ مطلع السبعينيات، والحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في البلد، وتورّط الفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 1975، على حالة الانقسام التي شقت اللبنانيين بين جمهورٍ يساري ومسلم مؤيد للمقاومة الفلسطينية لإسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية وجمهور يميني
مسيحي معارض له، وصل إلى ذروته مع الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وتعاون المليشيات المسلحة المسيحية مع الغزاة.
تركت هذه الفصول الدموية والقاتمة من تاريخ العلاقة مع الفلسطينيين آثارها العميقة على العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين والجمهور اللبناني ومؤسسات الدولة. ومع مرور الزمن، أصبح التهويل من وجود الفلسطينيين، ومن توطينهم، فزّاعة تستخدم لغايات سياسية انتخابية، ولترويج سياساتٍ عنصرية معادية لكل ما هو غير لبناني.
ليس الجمهور الفلسطيني في لبنان وحده الذي دفع ثمن التهويل من توطين الفلسطينيين، بل أيضا اللبنانيات المتزوجات من أجانب، دفعن ثمناً باهظاً بحرمانهن من إعطاء جنيستهن إلى أولادهن، بحجة الخوف من توطين الفلسطينيين، بينما يمنح القانون اللبناني هذا الحق للرجل المتزوج من أجنبية. ويعتبر هذا بمثابة غبن مزودج في حق اللبنانيات والنساء عامة.
لا يتعدى عدد اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين الثلاثة آلاف امرأة. وعلى الرغم من ذلك، يرى وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في ذلك خطراً على لبنان. فقد كتب، أخيرا، على "تويتر" أنه "مع مساواة المرأة والرجل، وإعطاء المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها، لكن باستثناء الفلسطينيين والسوريين حفاظاً على أرضنا". فهل إعطاء ثلاثة آلاف لبنانية متزوجة بفلسطيني الجنسية لأولادهن خطر وجودي على لبنان؟
على الرغم من الجيل الثالث من الفلسطينيين المولودين في لبنان، يمنع القانون هؤلاء من ممارسة أعمال حرة، مثل الهندسة والطبابة. كما يمنعهم القانون من حق التملّك، ناهيك عن سلسلة تعقيدات تتعلق بنفوسهم وقيودهم الشخصية، وتجديد إقاماتهم وأذونات العمل. وعلى الرغم من أنهم يشكلون شريحة ضئيلة من مجموع السكان في لبنان، ما تزال أطراف سياسية تدعم حرمانهم من حقوقهم والتضييق عليهم.
ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان هو منحهم حقوقهم المدنية أكثر من الخطابات الحماسية للمسؤولين اللبنانيين في المحافل العربية والدولية، دفاعاًعن فلسطين وعن القدس. لم تعد الازداوجية التي تتعامل معها الدولة اللبنانية مع الفلسطينيين في لبنان، ومع القضية الفلسطينية، مقبولة بعد اليوم، لا سيما بعد الأرقام المعلنة أخيرا عن أعدادهم وتبدّد المبالغات بشأنهم. ويجب أن يشكل الكشف عن الأعداد الحقيقية للفلسطينيين في لبنان تحولاً حقيقياً في المقاربة الرسمية للتعامل مع اللجوء الفلسطيني، ومنح الحقوق المدنية للفلسطينيين في وقت قريب، كما وعد رئيس الحكومة اللبنانية.
منذ النكبة واللجوء الفلسطيني إلى لبنان، وقفت الحكومات اللبنانية بالمرصاد ضد المحاولات الدولية لتوطين الفلسطينيين في لبنان التي نشطت منذ الخمسينيات، لسببين أساسيين: سبب معلن، هو الدفاع عن حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه، وإفشال المخططات الصهيونية الرامية إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في الدول التي استضافتهم. وسبب آخر مضمر، هو انعكاسات توطين الفلسطينيين الذين في أغلبيتهم من المسلمين، على التوازن الديمغرافي الهشّ في هذا البلد الذي يعتمد في توزيعه السلطات السياسية على تقسيمات طائفية معقدة. وبخلاف دول عربية أخرى، امتنعت الدولة اللبنانية عن منح اللاجئين حقوقاً مدنية، بوصفهم مقيمين بصورة دائمة في البلد، وعاملتهم كأجانب ينتمون إلى فئة خاصة، وأنشأت في العام 1950 "اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين" التي أصبح اسمها سنة 2002 "المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين". وكانت حقوق الفلسطينيين المدنية في لبنان عرضةً لتفسيرات وتأويلات مختلفة وقوانين جائرة وظالمة، دفع الفلسطينيون ثمنها، خصوصاً سكان المخيمات التي تحولت إلى أحزمة فقر وعوز.
بالطبع، لا يمكن تجاهل تأثير نشاط التنظيمات الفلسطينية المسلحة في لبنان منذ مطلع السبعينيات، والحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في البلد، وتورّط الفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 1975، على حالة الانقسام التي شقت اللبنانيين بين جمهورٍ يساري ومسلم مؤيد للمقاومة الفلسطينية لإسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية وجمهور يميني
تركت هذه الفصول الدموية والقاتمة من تاريخ العلاقة مع الفلسطينيين آثارها العميقة على العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين والجمهور اللبناني ومؤسسات الدولة. ومع مرور الزمن، أصبح التهويل من وجود الفلسطينيين، ومن توطينهم، فزّاعة تستخدم لغايات سياسية انتخابية، ولترويج سياساتٍ عنصرية معادية لكل ما هو غير لبناني.
ليس الجمهور الفلسطيني في لبنان وحده الذي دفع ثمن التهويل من توطين الفلسطينيين، بل أيضا اللبنانيات المتزوجات من أجانب، دفعن ثمناً باهظاً بحرمانهن من إعطاء جنيستهن إلى أولادهن، بحجة الخوف من توطين الفلسطينيين، بينما يمنح القانون اللبناني هذا الحق للرجل المتزوج من أجنبية. ويعتبر هذا بمثابة غبن مزودج في حق اللبنانيات والنساء عامة.
لا يتعدى عدد اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين الثلاثة آلاف امرأة. وعلى الرغم من ذلك، يرى وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في ذلك خطراً على لبنان. فقد كتب، أخيرا، على "تويتر" أنه "مع مساواة المرأة والرجل، وإعطاء المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها، لكن باستثناء الفلسطينيين والسوريين حفاظاً على أرضنا". فهل إعطاء ثلاثة آلاف لبنانية متزوجة بفلسطيني الجنسية لأولادهن خطر وجودي على لبنان؟
على الرغم من الجيل الثالث من الفلسطينيين المولودين في لبنان، يمنع القانون هؤلاء من ممارسة أعمال حرة، مثل الهندسة والطبابة. كما يمنعهم القانون من حق التملّك، ناهيك عن سلسلة تعقيدات تتعلق بنفوسهم وقيودهم الشخصية، وتجديد إقاماتهم وأذونات العمل. وعلى الرغم من أنهم يشكلون شريحة ضئيلة من مجموع السكان في لبنان، ما تزال أطراف سياسية تدعم حرمانهم من حقوقهم والتضييق عليهم.
ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان هو منحهم حقوقهم المدنية أكثر من الخطابات الحماسية للمسؤولين اللبنانيين في المحافل العربية والدولية، دفاعاًعن فلسطين وعن القدس. لم تعد الازداوجية التي تتعامل معها الدولة اللبنانية مع الفلسطينيين في لبنان، ومع القضية الفلسطينية، مقبولة بعد اليوم، لا سيما بعد الأرقام المعلنة أخيرا عن أعدادهم وتبدّد المبالغات بشأنهم. ويجب أن يشكل الكشف عن الأعداد الحقيقية للفلسطينيين في لبنان تحولاً حقيقياً في المقاربة الرسمية للتعامل مع اللجوء الفلسطيني، ومنح الحقوق المدنية للفلسطينيين في وقت قريب، كما وعد رئيس الحكومة اللبنانية.
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024