عندما ترفض ألمانيا طلباً أميركياً

11 يوليو 2019
+ الخط -
ردّت الحكومة الألمانية، بسرعة، عبر متحدّثها الرسمي، شتيفن زايبرت، برفض طلب المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، إرسال قوّات برية ألمانية إلى سورية، للمشاركة في مهمّة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو الطلب الذي أفصح عنه الممثل الخاص لوكالة الأنباء الألمانية بالقول "نريد قوات برية من ألمانيا لتحل محل جنودنا جزئياً"، مضيفاً أنه ينتظر جواب الحكومة قبل نهاية شهر يوليو/ تموز الجاري، غير أن تفاؤل جيفري في مسار تسجيل اختراق على المستوى الأوروبي - الألماني تبخّر في مدّة قياسيّة، فقد جاء الرفض أسرع من المتوقّع، ولم يخضع لنقاش معمّق في أروقة البوندستاج (البرلمان) الألماني.
تقتصر مشاركة ألمانيا ضمن مهمّة قوات التحالف في سورية على جانبٍ تقني، يتمثّل بتقديم طائرات استطلاع من طراز تورنادو، وطائرة تَزوُّد بالوقود، في حين أنها تقدّم مدرّبين عسكريين في العراق لتدريب القوات الحكومية وقوات البشمركة، الأمر الذي لم تُقدم عليه في سورية في ما خصّ تدريب مقاتلي قوات سورية الديمقراطية (قسد)، على الرغم من اضطلاع شريكها الأوروبي - الفرنسي بهذه المهمّة في سورية، ولعلّ مردّ الحذر الألماني من مسألتي الوجود وتقديم الخبرات التدريبية يكمن في مراعاته الحساسية التركية البالغة لمثل هذا الدور، وفي هذا تفترق السياسة الألمانية عن نظيرتيها، الأميركية والأوروبية.
بالعودة إلى رفض برلين المقترح الأميركي، يمكن ملاحظة انقسامٍ أوّلي بين أقطاب الحكومة، إذ بادر الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الرفض السريع والمباشر، في حين التمست زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، أنغريت كرامب – كارينباور، مناقشة الطلب، إلّا أن المناقشة المطوّلة لم تتم، وكأن الطبقة السياسية الحاكمة كانت مستعدّة لقول "لا" كبيرة للولايات المتحدة التي تتعامل بتعالٍ وجلافة مع الاتحاد الأوروبي، ومع ألمانيا تحديداً. وفي سياق تعليق المستشار السابق، غيرهارد شرودر (الاشتراكي الديمقراطي) قد نعثر على عبارة شارحة الرفض 
السريع، إذ دعا إلى ألا يعامل ترامب ألمانيا كأنها دولة "تابعة"، أو اعتبارها "جمهورية موز". ولكن وبعيداً عن تعبير المستشار السابق، وأجواء "الكبرياء" الوطني، وما يستبطنه من حمولة شعبوية، ثمّة أسباب أهم للرفض الألماني، إذ سبق لبرلين أن شاركت في عديد القوات الدولية العاملة في أفغانستان، وبواقع تجاوز الأربعة آلاف جندي، وتكبّدت خسائر طاولت عشرات من جنودها، الأمر الذي أربك الحكومة وأجّج الرأي العام. وبالتالي، تعني مسألة إرسال القوّات البرّية مزيداً من الانخراط في المشكلات الناجمة عن الأزمة السورية، كأزمة اللاجئين التي تحوّلت مادة دسمة في السباقات الانتخابية، والتي عزّزت مواقع الاتجاهات اليمينية والشعبوية، وكادت تهدّد الائتلاف الحاكم غير مرّة، وكذا علاقات برلين بأنقرة، إذ يمرّ شرح السياسة الألمانية الحذرة في الملف السوري عبر السؤال الأهم: فتّش عن تركيا؟ ذلك أن السياستين الألمانيتين، الداخلية والخارجية، تحاولان ألّا تشدا من عصب تركيا في أي حال. وبطبيعة الحال لن يرضي تركيا وجود قوات ألمانيّة إلى جوار غريمتها "قوات سورية الديمقراطية"، وعلى مقربة من حدودها، الأمر الذي قد يعطّل مسار الاتفاق بين أنقرة وبرلين القائم على قاعدة الأموال مقابل منع تدفق اللاجئين.
في الغالب، ستعاود الولايات المتحدة رمي حجر آخر في مياه الألمان الراكدة، فلهجة ترامب في مناسبة سابقة في حديثه عن "ألمانيا الغنيّة"، وأن لا حماية بلا مقابل، والتي وُصفت بأنها محاولة ابتزاز، على طريقة ابتزاز دول خليجية، لم تجدِ نفعاً، واليوم يكرّر الألمان رفضهم الانخراط في السياسة الأميركية، والامتناع عن إرسال قوات برية تحلّ محلّ القوات الأميركية، جزئياً وفق تعبير جيفري، إيثاراً للمصلحة الألمانية الضيقة على حساب التحالفات التي قد تتعطّل، أو تتعرّض لاهتزازاتٍ لاحقة. وبذا يكون الفريق الألماني الحاكم قد قذف بكرة جيفري إلى ملعب الأميركان مجدّداً. وعليه، لننتظر نتائج رفض ألمانيا الدعوة الأميركية إلى سورية التي وصفها ترامب نفسه بأنها ليست سوى "رمال وموت"!