عندكِ بنادول يا انشراح؟

10 يونيو 2014
الصورة من Getty
+ الخط -

زمان حين تسلّمتُ بطاقة صرّاف آلي، بعد دقائق فقط رحت أجرّبها في ماكينة الصرّاف التي إلى جانب البنك مباشرة.

سألتني الآلة ثلاث مرات: إيش بدّك؟ قلت: نقود. قالت: إنتَ متأكَد؟ فقلت: نعم.
قالت: نعامة ترفصك قول انشالله. قلتُ: انشالله. ثم أخذت الماكينة بطاقتي بلا رجعة.

ذهبت إلى البنك مهيض الجناح وقلت: أريد بطاقتي. فقال الموظّف الرسمي بعد الكشف والمراجعة: يا أستاذ أنتَ وضعتَ البطاقة في آلة غلط، هي آلة صرف الشيكات، وليس الصراف الآلي.

قلت: منذ متى هناك آلات تصرف الشيكات؟

قال مبتسماً: الدنيا تتطوّر.

قلتُ عابساً: الدنيا تتورّط.

وأضفتُ: طيب ما العمل؟

قال: التعليمات تقول إنّه لازم نثقبها.

قلت: تثقبوا إيش؟

قال: البطاقة. نثقبها مباشرة بماكينة خاصّة، ثم ترجع حضرتك بعد أسبوع تأخذ بطاقة جديدة.

 

تعلمتُ الدرس يا انشراح: ليس كل شيء مستطيل يعطينا نقوداً.

أحلى ما في أمر الصرّاف الآلي أنّ الخطوة الأخيرة هي تسلم النقود. تقول الماكينة: إذا لم تأخذ بطاقتك أولاً، فلن أعطيكَ فلساً واحداً.

والحقيقة أنّني لو تسلمت النقود أولاً، سأهرب بها وسأنسى بطاقتي في الماكينة.

الذي اخترع الصرّاف يعرف هذا جيداً، يعرف أنّ أحد مسبّبات سيلان اللعاب عند الثدييات هو رؤية النقود.

النقود، النقود، النقود تقريباً هي مركز كل الوجود.

ثم تعالي: نحن نطلب من أمّنا أن تدعو لنا وأوّل شيء يخطر ببالها: الله يوسّع رزقك. الله يفتحها في وجهك. الله ييسّر دربك، الله يبعثلك أولاد الحلال.

 لماذا تتمنى الأم أن يصادفنا أولاد الحلال في الطريق؟ حتى يدلّونا إلى الخير. وما الخير؟ إنّه المال بشكل أساسي (أنظري لسان العرب).

الخير أشياء كثيرة. ليس فقط أن يكون مالاً عداً ونقداً.

نعم، الخير أن يكون لك صديق طيّب تستنصحه فينصحك.

لكن للأسف يخبرنا الأب العظيم أنّ النصيحة زمان، كانت بجمل واليوم ببلاش، ولا أحد يسمعها. والجمل سعره في السوق ألف دولار. والجمل الكبير سعره ثلاثة آلاف دولار. أما إذا كانت النصيحة مصيرية (أدرس طبّ أو هندسة؟ أسكّر فيسبوك أو أخلّيه فاتح؟) فهي تساوي جملاً من جمال سباقات الإبل، يعني هنا نتكلم عن ملايين الدولارات.

جماعة البلاش الذين يمحضون النصيحة ببلاش هؤلاء هم الزاهدون. وهؤلاء ماذا يفعلون؟ إنهم يصدّعون رؤوسنا طوال الوقت: لا للنقود لا للنقود.

أي أنّه لا مفرّ، إما أن تحلم بنقود آتية إليك أو أن يطاردك الزاهدون، الذين تطاردهم ساحرة على مكنسة.

عندكِ بنادول يا انشراح؟

دلالات
المساهمون