يشير النقّاد إلى تأثّر جيل الثمانينيات في المشهد التشكيلي العراقي بتقنية الهدم بوصفها أساس البناء من خلال التعبير عن الحروب والدمار المحيط بهم، كما في أعمال هناء مال الله ونزار يحيى ونديم الكوفي، على نحو معاكس للجيل الذي سبقهم، والذي بنى فنّه بشكل أو بآخر على بعد أيديولوجي.
يرى الفنان العراقي عمّار داود (1957)، المقيم في السويد، أنه وضَع الخراب جانباً، وعمل وفق رؤى مضادة تماماً كأنه يهرب من الواقع والاشتباك مع أزماته نحو عالم فردوسي أجمل، رافضاً أن يقف في "موضع الرثاء" لوطنه الذي ظلّت الأحداث الكبرى التي عاشها المولّد الأساسي للفن فيه، بحسب مقابلة صحافية أُجريت معه العام الماضي.
في معرضه الجديد "تليمحات" الذي افتتح مساء السبت الماضي في "غاليري كريم" في عمّان، ويتواصل حتى الخامس من كانون الثاني/ يناير المقبل، يقدّم داود أعمالاً لا تندرج تحت أسلوب محدّد وهي سمة أساسية سعى لتكريسها في تجربته الممتدة حوالي أربعين عاماً.
تتنوّع الأعمال التي قدّمها داود من الغرافيك إلى الرمزية التعبيرية إلى التجريد، وتباين الأسلوب في تقديمها يعكس في أحد مستويات تلقيه شكلانية محددة تنزع نحو بعض الإيهام والغموض في تقديم موضوعاته، وربما أثراً صوفياً في تشكّل الفضاء؛ تلك المفردة لا تغيب عن معظم مراحل تجربته.
ويوضح الفنان في حديث سابق أن "المكان في أعمالي ليس واقعياً، فهو إما أن يكون سحرياً أو سرياً أو لامعقولاً، المنظور (الذي ندرك به المكان) في هذه الأعمال يتعرض للتخريب في أغلب الأحيان، فلا أميل لتعريف المتلقي ببنيته الفضائية الفيزيقية، بل هي بنية ميتافيزيقية".
في الوقت نفسه، يحضر الرسم بوصفه العنصر الأبرز، رغم تأثّره بالطباعة والنحت، اللذين يمتلك معرفة أكاديمية متخصّصة فيهما، لكن إخلاصه يظلّ في المقام الأول للفرشاة والقدرة على الابتكار، مع التفاوت بين لوحة وأخرى، وجاذبية التلوين التي تمنح سمات مميزة لتكويناته.
يشتغل داود على الحواف دوماً، خاصة في الثيمات التي يقاربها، وفي مقدّمتها الحرب والسحر كما يتكئ على مفردات تراثية، والتي قد تذهب باللوحة إلى بعد زخرفي أو أيقوني يبدو مستنسخاً، أو تبعث فيها روحاً جديدة وتخرجها عن التصوّرات التقليدية.