عمل الليل... غزة تحاول التغلب على انقطاع التيار

09 يونيو 2017
"قد يصبح عملنا أسوأ من اليوم" (محمد الحجار)
+ الخط -
أزمة الكهرباء في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر وانقطاع التيار معظم فترات اليوم يجبران أصحاب المهن على العمل ليلاً من أجل إنجاز مهامهم المتراكمة

الكهرباء أمّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة. يعتبر الغزّيون حلّ هذه الأزمة من المستحيلات فهي مرتبطة بالحصار الإسرائيلي من جهة وبقرارات سياسية يحكمها الانقسام الفلسطيني من جهة أخرى.

في هذا الوضع، لا يصل التيار الكهربائي إلى المنازل والمتاجر والمنشآت أكثر من أربع ساعات مقابل كلّ اثنتي عشرة ساعة انقطاع. ساعات قليلة لا تكفي الغزيين لإنجاز أعمالهم المنزلية والمهنية في المحلات والمصانع. وفي شهر رمضان تتفاقم أزمة العمال وأصحاب الورش خصوصاً فهم محرومون من الشعائر الرمضانية لأجل العمل في أوقات منتصف الليل.

فالساعات الأربع كلّ اثنتي عشرة ساعة لا تناسب كثيرين، وفي غالبية المناطق يكون وقتها في الصباح الباكر أو في منتصف الليل بعد خلود كثيرين إلى النوم، وهي بالنسبة لشركة توليد الكهرباء في غزة ساعات الاستهلاك الأقل. بذلك، بات من العادي جداً بالنسبة للمواطن أن يصادف ورشة تعمل في هذه الأوقات الغريبة. وعلى الرغم من الانزعاج من أصوات ورش العمل أو المصانع، إلّا أنّ المواطنين يتحملون الأصوات لإدراكهم أن لا خيار أمام تلك الورش إلّا العمل في تلك الساعات.

أحمد اللحام (29 عاماً) يملك ورشة نجارة في منطقة السامر في غزة، كان يعمل بكلّ صعوبة في الأيام العادية عندما كانت الكهرباء تصل ثماني ساعات يومياً، فقد كان في تلك الفترة يتأخّر في تسليم عدد من طلبات بعض الأطقم أو الأثاث، ويحتاج ما بين خمسة أيام وعشرة لتسليم أي نوع من أنواع الأثاث. اليوم وضعه أصعب بكثير، فالكهرباء هبطت ساعات تغذيتها إلى النصف منذ شهرين، وهبط معها العمل إلى أقل من أربع ساعات يومياً لديه، ما منعه من تسليم أكثر من طلبين لا غير لزبائنه طوال تلك الفترة. يقول لـ"العربي الجديد": "حتى اللحظة أنا محروم من رمضان وأعماله. أحتاج إلى مولّد كهربائي ثمنه ألفا دولار أميركي إلى جانب الوقود اليومي بقيمة لا تقل عن 30 دولاراً، بالإضافة إلى أجور العمال الأربعة. لذلك، نسيت النوم وبتّ ألاحق الكهرباء حتى في منتصف الليل".



ورشة نجارة أخرى في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، لا تعمل إلّا في منتصف الليل. يضع صاحبها حازم الصاوي مولّداً كهربائياً على بابها لكنه لا يتمكّن من تشغيله إلّا للحالات الطارئة في العمل أو مع استعداد الزبون لدفع مبلغ إضافي نظير تسريع تسليم طلبه. وهكذا يعمل الصاوي لأنّه لم يجد أيّ وسيلة مغايرة، على الرغم من أنّه يعتبرها طريقة غير لائقة تجاه الزبائن.

يقول لـ"العربي الجديد": "مهنة النجارة رائجة جداً في قطاع غزة، ليس فقط في تصميم الأثاث وبيعه، إنما في الغالب لتصليح أثاث منازل المواطنين، فنسبة كبيرة جداً من أهالي القطاع فقراء يقبلون على الورش لتصليح خزانات بيوتهم أو غرف نومهم أو غرف الضيوف أو الأبواب. لذلك، لا يمكن لبيت أن يستغني عن النجار".

يشير الصاوي إلى أنّ أهالي مخيم الشاطئ باتوا يقبلون على ورشته عند منتصف الليل بعد علمهم بتغيير أوقات عملهم. وقد تلقى شكاوى عدة بداية شهر مايو/ أيار الماضي من الجيران، واحدة منها وصلت إلى الشرطة لأنّ جيرانه لا يستطيعون الراحة في بيوتهم. هذا ما اضطره بعدها إلى الجلوس مع جيرانه الأقرب إلى ورشته فحاول معهم التوصل إلى اتفاق للسماح له بتشغيل المولّد في منتصف الليل وتحمّل أصوات ماكينات النجارة.

يعتبر الغزّيون أنّ الوضع الحالي هو أسوأ الأوقات التي عاشوها. فأمام أزماتهم اليومية والظروف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة تتولى الكهرباء القضاء على أرزاقهم الضئيلة. يضيف أحد أصحاب الورش الصغيرة في القطاع: "أصحاب المنشآت الكبيرة هم الذين يعملون وحدهم في الوقت الحالي، لأنّهم قادرون على تحمل نفقات كميات كبيرة من الوقود. أما المنشآت الصناعية والمتاجر الصغيرة فعوض الله عليها".

تترافق أزمة الكهرباء في القطاع مع صعوبة الحصول على الوقود. فالعديد من محطات توزيع الوقود توزع كميات محدودة لزبائنها، ولا يكاد يمر شهر إلا وتعاني جميع المحطات من الكميات المحدودة من الوقود الذي لا يكفي لتغطية المولدات أو المركبات. بذلك، يجد كثيرون أنفسهم مضطرين إلى التأقلم مع العمل أقل ساعات ممكنة، بالاعتماد على شركة الكهرباء وتقنينها المتواصل.

في منطقة عسقولة بمدينة غزة ورشة حدادة صاحبها أحمد بحري كان من أوائل الذين بدأوا عملهم في منتصف الليل في المنطقة التي تعتبر من أكثر مناطق القطاع كثافة بالمنشآت الصناعية الكبيرة والصغيرة. يشير إلى أنّه اضطر في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي إلى فتح ورشته عند منتصف الليل، بناء على توقيعه عقداً مع إحدى المؤسسات لتسليم نوافذ وأبواب حديد، فامتد عمله إلى ما بعد الساعة الثانية ليلاً.




يلاحظ اليوم أنّ معظم الورش الصغيرة تفتح أبوابها عند منتصف الليل لمحاولة إنجاز أعمالها: "قريباً، قد يصبح عملنا أسوأ من اليوم، على الرغم من أنّ عملنا الحالي لا يتجاوز أربع ساعات، وعلى الرغم من أنّه الوقت الأسوأ في تاريخ قطاع غزة. صمتنا على هذه الحال يسمح للحكومتين في رام الله وغزة اللتين تهمهما المصالح السياسية فقط بفعل ما تريدان، أما لقمة العيش للمواطنين فإنّها من أواخر همومهما".

بالقرب من ورشة بحري ورشة ميكانيك سيارات تعمل أيضاً في منتصف الليل بعدما تشجع صاحبها من بحري نفسه. يصلح مالك الورشة أيمن الترتوري السيارات في هذا الوقت المتأخر، ويحاول العمل صباحاً على السيارات التي تعاني من مشاكل بسيطة. يشير إلى أنّه لم يقفل طوال الشهر الحالي ورشته، بل هي مفتوحة ليل نهار.

في شهر سبتمبر/ أيلول 2015 نزل الغزيون إلى الشارع في مناطق وسط وجنوب القطاع للمطالبة بتشغيل الكهرباء بما يكفي المنازل، لكنّهم فشلوا في تحقيق مطالبهم. وفي شهر يناير/ كانون الثاني من العام الحالي تحرك الغزيون بشكل موحّد في جميع مناطق القطاع للمطالبة بحقوقهم في تشغيل الكهرباء. نجحت مطالبهم وعملت الكهرباء لمدة شهرين بنظام ثماني ساعات تشغيل يومياً لكنّ أمنيات الأهالي انتهت مع بداية أبريل/ نيسان الماضي إذ هبطت التغذية إلى أربع ساعات يومياً فقط.

الفاتورة على حالها
ما يثير استغراب المواطنين في قطاع غزة، هو أنّ فاتورة الكهرباء الحالية لا تتغير بتاتاً عن قيمة الفواتير السابقة، بالرغم من أنّ ساعات التغذية الكهربائية تقلصت إلى نصف ما كانت عليه سابقاً. ويشعر كثيرون أنّ النزول إلى الشارع لا يجدي شيئا، فقد سبق للغزيين التحرك لرفض سياسة التقنين غير العادلة ولم تنجح تحركاتهم.