07 اغسطس 2024
عمق الخلاف المصري السعودي
تبدو العلاقات المصرية السعودية، حالياً، وقد دخلت مرحلة جديدة من الخلافات، تتخطى بوضوح الخلاف حول قضية واحدة، سورية مثلاً، فعنوان الخلاف الصاعد على السطح أخيراً يتعلق، في جوهره، بقضايا أعم وأكبر، وهي تصورات البلدين الرئيسية للمنطقة وسياساتهما الخارجية، وسبل إعادة بناء التحالفات والقوى الكبرى في الإقليم، وتحقيق استقراره.
وعلى الرغم من أن بوادر هذا الخلاف كانت كامنةً في تصورات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ صعوده إلى السلطة، بدعم من دولٍ خليجية، في مقدمتها المملكة، إلا أن الخلاف لم يصعد على السطح إلا في الأسابيع الأخيرة، وخصوصاً بعد لقاء وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع نظيره الإيراني، جواد ظريف، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد تصويت مصر بالموافقة على مشروع قرار روسي في مجلس الأمن، يتعلق بحلب، ولا يتضمن وقفاً للغارات الروسية والسورية على المدينة المحاصرة.
بعد لقاء نظيره الإيراني، خرج شكري ليؤكد للإعلام على وجود خلافٍ بين مصر والسعودية بشأن سورية لن يؤثر على العلاقة بين البلدين. ولكن، بعد تصويت مصر في مجلس الأمن، خرج مندوب السعودية، عبدالله المعلمي، للإعلام ليعبر عن أسفه من موقف مصر. وبعد أيام، أعلنت الحكومة المصرية عن توقف إمدادات النفط السعودي، وفقا لاتفاقية وقعت، أخيراً، بين البلدين، تمد من خلالها المملكة مصر بحوالي 40% من وارداتها النفطية خمس سنوات، وبتسهيلاتٍ كبيرة، تسمح لمصر بالتفرّغ لسداد ديونها المتراكمة لشركات النفط الأجنبية، وليس معلوماً ما إذا كان توقف النفط السعودي مؤقتاً مدة شهر أم دائماً.
ويبدو لوهلة أن الخلاف بين البلدين هو بشأن الموقف من سورية وإطاحة نظام بشار الأسد، ولكن المواقف أكبر من التطورات الجديدة وأقدم. ذلك أن السيسي، منذ صعوده إلى الحكم، يريد تحالفاً دولياً ضد الجماعات الدينية الساعية إلى السلطة، مثل "الإخوان المسلمين" والسلفيين، ينطلق من مصر، وينفتح على مختلف القوى الدولية والإقليمية المعنية بالغرض نفسه، سواء كانت روسيا أو الولايات المتحدة، إيران أو السعودية، أو حتى إسرائيل وقوى الإسلاموفوبيا واليمين الغربي. يعارض السيسي أيضا سياسة تغيير النظم. لذا، هو ضد إطاحة بشار الأسد، ويريد التحالف مع علي عبدالله صالح والحوثيين في اليمن واللواء خليفة حفتر في ليبيا.
تقوم سياسة السيسي الخارجية أيضا على فكرة توازن القوى الدولية والإقليمية وتعدّدها، ما يعطي لصانع القرار المصري مرونةً ومساحة للحركة، والقدرة على اللعب على توازنات السياسة الدولية والإقليمية، والاستفادة من أطرافها المختلفة.
بمعنى آخر، السيسي منفتح على روسيا وأميركا في الوقت نفسه، لأنه يرى أن اعتماد حسني مبارك المتزايد على الولايات المتحدة لم يسعفه في أثتاء ثورة يناير، ويرى كذلك الدور المتزايد لروسيا في سورية والشرق الأوسط مع التراجع الأميركي، كما أنه يرى التقرّب من روسيا ورقة ضغط يمكن ان يستخدمها بنجاح في علاقته مع أميركا وأوروبا، في ظل تراجع الأحادية القطبية.
على المنوال نفسه، قد لا يريد السيسي لنظامه أن يدور إقليميا في الفلك السعودي وحده، بل يريد كذلك التقرّب من المحور الإيراني المقابل. بمعنى آخر، يريد أن يكون عضواً، في الوقت نفسه، بالمحورين الرئيسيين في المنطقة، السعودي الغربي والروسي الإيراني. وقد يرى في ذلك ورقة ضغط إقليمي على المملكة، في ظل تقاربها مع تركيا التي يعاديها، أو ورقة مساومة للحصول على دعم ومساعداتٍ من الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة. وربما يريد السيسي كذلك أن يبتعد بمصر عن النفوذ السلفي الذي تدعمه المملكة، وتعاديه مصر، بحكم أيديولوجية النظام المصري الحاكم، والذي يرفع شعاراتٍ وطنيةً معاديةً للحركات الدينية الساعية إلى السلطة، وقد تأتي مشاركة الأزهر الرسمية في المؤتمر الذي عقد أخيرا في عاصمة الشيشان تعبيراً عن هذا التوجه الإيديولوجي، في ظل حديث السيسي المستمر عن رغبته في إصلاح الفكر الديني.
في المقابل، تبدو أولويات المملكة مختلفة كثيرا، فالمملكة عكس مصر جزء من صراع إقليمي على النفوذ مع إيران، وهو محتدم ومكلف على أكثر من جبهة منذ عقدين أو أكثر، ولعل اقترابه من المملكة، بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء مصدر تهديد هائل للمملكة وأمنها. تنظر السعودية إلى صراعها مع إيران، من منظور شبه صفري، يرفض السماح لإيران بمزيد من التمدد في سورية والعراق واليمن، وخصوصاً في ظل التقارب الأميركي الإيراني الذي يوفر لإيران موارد سياسية واقتصادية كبيرة، لا تتردّد في استخدامها لمزيد من التوسع.
تختلف السعودية كذلك عن نظام السيسي أيديولوجياً، فهي ترفع وتستخدم أدوات دينية واضحة في سياستها الداخلية والخارجية، وتحافظ على علاقاتٍ قويةٍ بجماعات دينيةٍ سلفيةٍ عبر العالم العربي، وربما بجماعات إخوانية في بلدان مثل سورية والعراق واليمن، في ظل صراعات محتدمة، تشارك فيها المملكة بقوة، وتكلفها مليارات ودماء عشراتٍ من جنودها.
ولذلك، لم يمنع خلاف المملكة مع تركيا بشأن مصر من توثيق علاقات البلدين، نظرا لحاجة المملكة لتركيا في أكثر من ملف رئيسي، مثل حرب سورية ومواجهة النفوذ الإيراني والتواصل مع الجماعات الدينية السنية في سورية والعراق واليمن، وربما كانت تأمل المملكة في دعمها الكبير نظام السيسي أن تجد فيه حليفا قويا على مختلف الجبهات، خصوصاً بعد الدعم المالي الكبير الذي قدمته المملكة له، والذي أنقذه مرات، غير أنها وجدت نظاماً مشغولاً بوجوده، وبتصوراتٍ مبتكرة لمصالحه، ولو على حساب مصالح رئيسية للمملكة. ويبدو أنه شعر، أخيراً، بثبات أقدامه داخلياً ودولياً، خصوصاً مع تصاعد نفوذ روسيا في المنطقة وقوى اليمين الغربي المتشدّد في أميركا والغرب، والتي يتحالف معها النظام، ومع تزايد الضغوط الدولية على المملكة في صورة قانون "جاستا" في الولايات المتحدة، وكذلك عودة إيران إلى سوق النفط
وصعود نفوذها الإقليمي، وهي لحظة رآها النظام المصري مواتيةً لفتح صفحة جديدة في علاقاته الإقليمية بلقاء وزير خارجية إيران، ودعم مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن.
لا يهدف النظام المصري من ذلك الدخول في مواجهة مع العربية السعودية، أو الإضرار بمصالحه الاقتصادية الهائلة لدى المملكة، بل يريد توازناً في علاقاته الإقليمية، يسمح له بتلقي الدعم من الطرفين، الإيراني الروسي والسعودي الغربي. وربما تخيل أنه سيتحوّل تدريجياً إلى رمانة ميزان المنطقة، وحلقة تفاوض وتواصل بين المحورين، وهو تخيّل بعيد عن قدرات النظام في الوقت الراهن.
وبذلك، تعود الكرة إلى ملعب المملكة، فهل ستقبل الدور المصري الجديد، وتحاول تجاهله والتقليل من آثاره، في ظل تراجع التأثير المصري بشكل عام؟ أم ستحاول الضغط على الموقف المصري لتغييره، في ظل حساسية الصراعات المختلفة التي تخوضها المملكة، على عدة جبهات؟ في حال قرّرت المملكة الضغط على النظام المصري، وكان توقف صادرات النفط، في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بداية فعلية لهذا الضغط، فهل ستتمكّن المملكة من توحيد الصف الخليجي خلفها؟ وهل ستتمكّن من ممارسة ضغوطٍ يصعب على النظام المصري تعويضها من خلال علاقاته بدول أخرى خليجية، أو أطراف إقليمية ودولية كالمحور الروسي الإيراني؟
تعزّز كل تلك التصورات فكرة دخول العلاقات السعودية المصرية مرحلةً من الخلافات من المبكر التنبؤ بتبعاتها.
بعد لقاء نظيره الإيراني، خرج شكري ليؤكد للإعلام على وجود خلافٍ بين مصر والسعودية بشأن سورية لن يؤثر على العلاقة بين البلدين. ولكن، بعد تصويت مصر في مجلس الأمن، خرج مندوب السعودية، عبدالله المعلمي، للإعلام ليعبر عن أسفه من موقف مصر. وبعد أيام، أعلنت الحكومة المصرية عن توقف إمدادات النفط السعودي، وفقا لاتفاقية وقعت، أخيراً، بين البلدين، تمد من خلالها المملكة مصر بحوالي 40% من وارداتها النفطية خمس سنوات، وبتسهيلاتٍ كبيرة، تسمح لمصر بالتفرّغ لسداد ديونها المتراكمة لشركات النفط الأجنبية، وليس معلوماً ما إذا كان توقف النفط السعودي مؤقتاً مدة شهر أم دائماً.
ويبدو لوهلة أن الخلاف بين البلدين هو بشأن الموقف من سورية وإطاحة نظام بشار الأسد، ولكن المواقف أكبر من التطورات الجديدة وأقدم. ذلك أن السيسي، منذ صعوده إلى الحكم، يريد تحالفاً دولياً ضد الجماعات الدينية الساعية إلى السلطة، مثل "الإخوان المسلمين" والسلفيين، ينطلق من مصر، وينفتح على مختلف القوى الدولية والإقليمية المعنية بالغرض نفسه، سواء كانت روسيا أو الولايات المتحدة، إيران أو السعودية، أو حتى إسرائيل وقوى الإسلاموفوبيا واليمين الغربي. يعارض السيسي أيضا سياسة تغيير النظم. لذا، هو ضد إطاحة بشار الأسد، ويريد التحالف مع علي عبدالله صالح والحوثيين في اليمن واللواء خليفة حفتر في ليبيا.
تقوم سياسة السيسي الخارجية أيضا على فكرة توازن القوى الدولية والإقليمية وتعدّدها، ما يعطي لصانع القرار المصري مرونةً ومساحة للحركة، والقدرة على اللعب على توازنات السياسة الدولية والإقليمية، والاستفادة من أطرافها المختلفة.
بمعنى آخر، السيسي منفتح على روسيا وأميركا في الوقت نفسه، لأنه يرى أن اعتماد حسني مبارك المتزايد على الولايات المتحدة لم يسعفه في أثتاء ثورة يناير، ويرى كذلك الدور المتزايد لروسيا في سورية والشرق الأوسط مع التراجع الأميركي، كما أنه يرى التقرّب من روسيا ورقة ضغط يمكن ان يستخدمها بنجاح في علاقته مع أميركا وأوروبا، في ظل تراجع الأحادية القطبية.
على المنوال نفسه، قد لا يريد السيسي لنظامه أن يدور إقليميا في الفلك السعودي وحده، بل يريد كذلك التقرّب من المحور الإيراني المقابل. بمعنى آخر، يريد أن يكون عضواً، في الوقت نفسه، بالمحورين الرئيسيين في المنطقة، السعودي الغربي والروسي الإيراني. وقد يرى في ذلك ورقة ضغط إقليمي على المملكة، في ظل تقاربها مع تركيا التي يعاديها، أو ورقة مساومة للحصول على دعم ومساعداتٍ من الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة. وربما يريد السيسي كذلك أن يبتعد بمصر عن النفوذ السلفي الذي تدعمه المملكة، وتعاديه مصر، بحكم أيديولوجية النظام المصري الحاكم، والذي يرفع شعاراتٍ وطنيةً معاديةً للحركات الدينية الساعية إلى السلطة، وقد تأتي مشاركة الأزهر الرسمية في المؤتمر الذي عقد أخيرا في عاصمة الشيشان تعبيراً عن هذا التوجه الإيديولوجي، في ظل حديث السيسي المستمر عن رغبته في إصلاح الفكر الديني.
في المقابل، تبدو أولويات المملكة مختلفة كثيرا، فالمملكة عكس مصر جزء من صراع إقليمي على النفوذ مع إيران، وهو محتدم ومكلف على أكثر من جبهة منذ عقدين أو أكثر، ولعل اقترابه من المملكة، بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء مصدر تهديد هائل للمملكة وأمنها. تنظر السعودية إلى صراعها مع إيران، من منظور شبه صفري، يرفض السماح لإيران بمزيد من التمدد في سورية والعراق واليمن، وخصوصاً في ظل التقارب الأميركي الإيراني الذي يوفر لإيران موارد سياسية واقتصادية كبيرة، لا تتردّد في استخدامها لمزيد من التوسع.
تختلف السعودية كذلك عن نظام السيسي أيديولوجياً، فهي ترفع وتستخدم أدوات دينية واضحة في سياستها الداخلية والخارجية، وتحافظ على علاقاتٍ قويةٍ بجماعات دينيةٍ سلفيةٍ عبر العالم العربي، وربما بجماعات إخوانية في بلدان مثل سورية والعراق واليمن، في ظل صراعات محتدمة، تشارك فيها المملكة بقوة، وتكلفها مليارات ودماء عشراتٍ من جنودها.
ولذلك، لم يمنع خلاف المملكة مع تركيا بشأن مصر من توثيق علاقات البلدين، نظرا لحاجة المملكة لتركيا في أكثر من ملف رئيسي، مثل حرب سورية ومواجهة النفوذ الإيراني والتواصل مع الجماعات الدينية السنية في سورية والعراق واليمن، وربما كانت تأمل المملكة في دعمها الكبير نظام السيسي أن تجد فيه حليفا قويا على مختلف الجبهات، خصوصاً بعد الدعم المالي الكبير الذي قدمته المملكة له، والذي أنقذه مرات، غير أنها وجدت نظاماً مشغولاً بوجوده، وبتصوراتٍ مبتكرة لمصالحه، ولو على حساب مصالح رئيسية للمملكة. ويبدو أنه شعر، أخيراً، بثبات أقدامه داخلياً ودولياً، خصوصاً مع تصاعد نفوذ روسيا في المنطقة وقوى اليمين الغربي المتشدّد في أميركا والغرب، والتي يتحالف معها النظام، ومع تزايد الضغوط الدولية على المملكة في صورة قانون "جاستا" في الولايات المتحدة، وكذلك عودة إيران إلى سوق النفط
لا يهدف النظام المصري من ذلك الدخول في مواجهة مع العربية السعودية، أو الإضرار بمصالحه الاقتصادية الهائلة لدى المملكة، بل يريد توازناً في علاقاته الإقليمية، يسمح له بتلقي الدعم من الطرفين، الإيراني الروسي والسعودي الغربي. وربما تخيل أنه سيتحوّل تدريجياً إلى رمانة ميزان المنطقة، وحلقة تفاوض وتواصل بين المحورين، وهو تخيّل بعيد عن قدرات النظام في الوقت الراهن.
وبذلك، تعود الكرة إلى ملعب المملكة، فهل ستقبل الدور المصري الجديد، وتحاول تجاهله والتقليل من آثاره، في ظل تراجع التأثير المصري بشكل عام؟ أم ستحاول الضغط على الموقف المصري لتغييره، في ظل حساسية الصراعات المختلفة التي تخوضها المملكة، على عدة جبهات؟ في حال قرّرت المملكة الضغط على النظام المصري، وكان توقف صادرات النفط، في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بداية فعلية لهذا الضغط، فهل ستتمكّن المملكة من توحيد الصف الخليجي خلفها؟ وهل ستتمكّن من ممارسة ضغوطٍ يصعب على النظام المصري تعويضها من خلال علاقاته بدول أخرى خليجية، أو أطراف إقليمية ودولية كالمحور الروسي الإيراني؟
تعزّز كل تلك التصورات فكرة دخول العلاقات السعودية المصرية مرحلةً من الخلافات من المبكر التنبؤ بتبعاتها.