في عام 1954، أعلنت فاتن حمامة طلاقها من المخرج عز الدين ذو الفقار، لتتزوج من عمر الشريف بعد أشهر عدة. يفترض أن تلك حكاية تخصّ أصحابها الثلاثة فقط، لكن الأمر هنا تجاوز هذا الثلاثي، وبات يرتبط بالذاكرة الفنية والثقافية لمصر في الخمسينيات والستينيات.
"ذاكرة ثقافية" لأن أسماء مثل يوسف شاهين وإحسان عبد القدوس ارتبطت بالحكاية، سواء لأن أحدهما (يوسف شاهين) جزء من الحكاية، أو لأن الآخر (إحسان عبد القدوس) كتب عن الحادثة مقالاً مهماً وتاريخياً في مجلة "روز اليوسف" منتصف الخمسينيات تحت عنوان "إنهم بشر". في المقال أعاد توضيح بعض البديهيات، وأهمها أنه لا سلطة للمجتمع لمحاسبة "فاتن وعمر" على زواجهما، لأن تلك حريتهما الشخصية.
"ذاكرة فنية"؛ لأن تلك الحكاية مثلث الحب الأشهر في تاريخ السينما المصرية، تم نقلها بشكل شبة حرفي في فيلم يحمل اسم "القبلة الأخيرة"، من بطولة ماجدة ورشدي أباظة وإيهاب نافع، إنتاج عام 1968، والأغرب من كل ذلك أنه من إخراج محمود ذو الفقار، شقيق عز الدين الذي رحل قبل خمس سنوات من إنتاج الفيلم.
يحكي "القبلة الأخيرة" عن مخرج كبير يكتشف ممثلة شابة ويتزوجها وتصبح بطلة أفلامه، وأثناء تحضيره لفيلم جديد عن قصة "أنطونيو وكليوباترا"، تقوم ببطولته أيضاً، يكتشف ممثلاً شاباً ووسيماً ويقرّر جعله بطلاً للفيلم أمامها، وعبر أحداث الفيلم تبدأ مشاعر عاطفية تنمو بين الممثل والممثلة، وسط شكوك المخرج، والتي تصل لذروتها في النهاية.. حين يكون عليهما أداء "قبلة" ضمن أحداث الفيلم الذي يصوّره، ويتم أداؤها بشكل أطول وأكثر حقيقية من اللازم، فيتأكد المخرج من مشاعرهما المشتركة، ويقرّر في المشهد الأخير أن ينهي علاقته بزوجته ويطلب منها النظر إلى مستقبلها، على أن تستمر علاقته بها "كزوج وكأب"، ويخبرها ألا تخاف عليه طالما "كاميرا السينما" إلى جانبه.
الحكاية نفسها بكل تفاصيلها تقريباً حدثت قبلها بـ14 عاماً، الفارق فقط أن يوسف شاهين هو من اكتشف عمر الشريف، وليس عز الدين ذو الفقار، ومنحه البطولة في فيلم "صراع في الوادي" أمام فاتن حمامة، لتنشأ بينهما قصة حب استمرت طيلة فترة التصوير، وتنتهي بقبلة طويلة وشهيرة في الفيلم. وسبب شهرتها أن فاتن حمامة كانت من أكثر الفنانات محافظة ورفضاً للقبلات في الأفلام حينها، لكنها وافقت للمرة الأولى في هذا الفيلم.
وخلال أشهر قليلة انتهت علاقتها بعز الدين ذو الفقار، وقد صرّحت بعد سنوات طويلة أن علاقتها به كانت أقرب بمثل أعلى ومكتشف، أكثر من زوج أو حبيب، وتتزوج سريعاً عمر الشريف، بشكل غير معلن للجمهور في البداية، قبل أن يكشفها إحسان عبد القدوس في مقاله في مجلة "روز اليوسف" بناءً على طلب الثنائي "عمر وفاتن".
الوقائع التي تركها تاريخ تلك الفترة، ومن ضمنها فيلم "القبلة الأخيرة"، تقول إن المجتمع تصالح مع "قصة الحب" هذه، ومع أصحابها الثلاثة، ولم ينظر لأي من الأحداث على اعتبارها خيانة أو خطأ ارتكبه أي من الثلاثة، ونهاية الفيلم تشير إلى ذلك، فتكون نهاية تصالحية تماماً وغير مُدينة لأي طرف، خصوصاً مع الإشارة من جديد إلى أن محمود ذو الفقار، شقيق عز الدين، هو من أخرج الفيلم.
هل هناك ما هو أغرب (أو) أكثر تصالحاً من ذلك (بحسب وصف ومنظور كل قارئ للحكاية)؟ نعم، الأغرب (أو الأكثر تصالحاً) أنه في القصة الحقيقية بين "فاتن وعمر وعز الدين"، وبعد ست سنوات من انفصالها عن أحدهما وزواجها من الآخر، التقى الثلاثة في فيلم "نهر الحب"، عام 1960، المقتبس عن رواية "آنا كارنينا"، لليو تولستوي، والتي تحكي عن امرأة متزوجة تشعر بالحب تجاه شخص جديد، فتقرّر ترك زوجها وحياتها من أجل الرحيل معه.
فيلمان، ومقالات في أرشيف الصحف، وحكايات متناثرة في الذاكرة الثقافية والفنية، تبقى تلك الحكاية راسخة للأبد.. تماماً كما يبقى الفن الذي تركه البطل الثلاثي.
اقرأ أيضاً: كاريزما عمر الشريف