27 نوفمبر 2018
على هامش مقتل محسن فكري
محمد مونشيح (المغرب)
لا يبدو أنّ العقل الأمني المغربي قد تعلّم من لا جدوى مقاربته المبنية على القبضة الحديدية وحدها، على الرغم من العديد من التجارب التي مرّ منها في السنوات القليلة الماضية، والتي كان لبعض انزياحاتها المتكرّرة أن تؤدي إلى انفلاتات غير محسوبة، فمن حادث العفو عن المجرم دانيال كالفان، مغتصب الطفلات، إلى مقتل محسن فكري، طحناً في شاحنة الأزبال، مروراً بقمع العديد من الحركات الاحتجاجية بشكل فج، إذ لم يقتنع هذا العقل بعد بأنّ المواطن المغربي لم يعد في مجموعه كما كان، وأنّه أصبح أكثر ممانعة من ذي قبل، وأضحى صعب المراس وغير طيّع، وأكثر حساسية تجاه القوة العارية، التي لا تتوّخى سوى أن يظل الوضع على ما هو عليه، بصرف النظر، عن الاختلالات والطموحات أو الإكراهات التي يعيشها الناس.
لا يبدو أنّ العقل الأمني استطاع أن يكون عقلانياً، مسطرياً، مؤنسناً، في خدمة المواطن، وليس في خدمة النظام، الذي ليس بالضرورة أنّه ديمقراطي، تعدّدي، تشاركي، فنحن إزاء عقل أمني محكوم بمنطق التوّتر والمواجهة والانفعال، مهووس بأسطورة هيبة الدولة، والذي ينصّب نفسه حارسها، والقائم على حمايتها، فهو غير معني بأي تغيير أو على الأقل بالإصلاح، شأنه شأن الإصلاح السياسي والدستوري، وكأنّ التحديات التي تواجه الدولة لا تواجهه، وكأنّ علاقته بالديمقراطية غير قائمة باعتباره ضمانة أساسية، إذ لا يمكن تجاهل المعنى الذي كرّسته في مصر ثورة 25 يناير عندما جعلت من يوم الاحتفال بعيد الشرطة هو ذات اليوم الذي تنطلق فيه مسيرتها.
لا يدرك هذا العقل أيضاً، أنّ إصلاح المؤسسة الأمنية هو جزء من المعادلة الديمقراطية، بأن يتحوّل الأمن نفسه إلى مؤسسة ديمقراطية، سيّما أنّ الأمن والدفاع أضحيا من القطاعات المفتوحة، التي تجاوزت الحدود الأمنية والعسكرية المغلقة، وأصبحت من ضمن الاهتمامات العمومية، لأنّ المهمة الأولى لقطاع الأمن في مجتمع ديمقراطي هي حماية المجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية، وضمان الأمن وحماية القيم الديمقراطية، ودولة القانون والحقوق والحريات العامة لكلّ الأفراد والجماعات، لأنّه بدون أمن يستحيل حماية القيم ومصالح وحقوق المجتمع.
ولم يدرك بعد أنّ الطريقة التي تدار بها المسائل الحيوية المتعلقة بقطاع الأمن لأي دولة هي مؤشر جيّد على مدى صحتها الديمقراطية أو العكس، لذلك تُضبط العلاقة بين الدستور والأمن شكلياً ومعيارياً بإدراج أحكام خاصة في صلب الدستور، أو حتى تخصيص باب خاص بالأمن، تنص مقتضياته على احترام مبادئ النظام الديمقراطي والحياد التام بكل أبعاده ومعانيه السياسية والإيديولوجية والاقتصادية، إذ لا يبدو أن العقل الأمني حريص على أن يعمل على تفادي أي انفلات أمني، وتحقيق الأمن بمستوياته المتعدّدة باعتباره حقاً إنسانياً، يعكس الإرادة الجماعية للعيش المشترك بسلام ووئام، وبُعد مؤسساتي من خلال النظم والقوانين والإجراءات للحفاظ على النظام العام، والحيلولة ضد كلّ ما يمكن أن يشكل خطراً على الأشخاص والممتلكات، أو تعكيراً لصفو الأمن العام والسهر على احترام القانون من لدن الجميع باستعمال الوسائل المشروعة بما فيها وسائل الإكراه المادي.
هذا العقل، يتوّخى الأمن لذاته لا لأجل الاستجابة لحاجات وحقوق الأفراد والجماعات، والانتقال من البراديغم (النموذج) المستلهم من التجربة التركية العسكرية الأبوية "العسكر يحمي الدستور، والدستور يحمي العسكر"، إلى "العسكر يحمي الدستور وأمن المجتمع، والدستور يؤطّر وينظم ويضبط العسكر"، بالشكل الذي تعود فيه سلطة الأمر والقيادة إلى سلطة مدنية واحدة منتخبة بشكل ديمقراطي، وواضحة على مستوى التسلسل القيادي وفعاليتها في أوقات الحرب والسلم، كلّ ذلك للحيلولة دون تنامي الوزن السياسي لقوات الأمن، وهيمنتها في صنع القرار.
يبدو أنّ العقل الأمني المغربي بحكم تزايد التهديدات التي تضغط على الأمن الداخلي والخارجي، ونهج "سياسة الابتزاز عن طريق الحماية "، يسعى إلى تعزيز "أمننة" المجتمع في مرحلة ما بعد الربيع العربي، لذلك السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مطالبة ببلورة الرقابة وتطبيق سياسة للدفاع والأمن، وعدم تفادي إشكالية توزيع الصلاحيات في مجالات الأمن الوطني والقومي بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، مع استبعاد أسلوب الاعتماد على إطار أمني وعسكري ينهل من الرؤية المهنية الضيّقة المتحيّزة للمؤسّسة الأمنية والعسكرية أكثر من انحيازها للمجتمع.
يبدو أنّ العقل الأمني مستفيد من وضعية الإفلات من العقاب وعدم الخضوع للقانون، لأنّه هو السبب الرئيس في تصدّع العلاقة بين رجل الأمن والمواطن، وفي الخصومة الثأرية الكامنة في نفوس المواطنين تجاه جهاز الأمن، وهو يستفيد من عدم تغيير بنية جهاز الأمن، وضعف الثقافة الديمقراطية لدى المواطن بالزي (الشرطي)، من خلال تغيير عقليته ووظيفته وثقافة عناصره كأفراد، من خلال ما يسمى بـ "الحراب الذكية"، وتمتيع الموظفين العسكريين والأمنيين بالضمانات الأساسية للموظفين، بالاعتماد في هذا الشأن على المرجعية الدولية من قبيل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 2)، ومدوّنة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون (ديسمبر 1979)، والقانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها).
لا يبدو أنّ العقل الأمني استطاع أن يكون عقلانياً، مسطرياً، مؤنسناً، في خدمة المواطن، وليس في خدمة النظام، الذي ليس بالضرورة أنّه ديمقراطي، تعدّدي، تشاركي، فنحن إزاء عقل أمني محكوم بمنطق التوّتر والمواجهة والانفعال، مهووس بأسطورة هيبة الدولة، والذي ينصّب نفسه حارسها، والقائم على حمايتها، فهو غير معني بأي تغيير أو على الأقل بالإصلاح، شأنه شأن الإصلاح السياسي والدستوري، وكأنّ التحديات التي تواجه الدولة لا تواجهه، وكأنّ علاقته بالديمقراطية غير قائمة باعتباره ضمانة أساسية، إذ لا يمكن تجاهل المعنى الذي كرّسته في مصر ثورة 25 يناير عندما جعلت من يوم الاحتفال بعيد الشرطة هو ذات اليوم الذي تنطلق فيه مسيرتها.
لا يدرك هذا العقل أيضاً، أنّ إصلاح المؤسسة الأمنية هو جزء من المعادلة الديمقراطية، بأن يتحوّل الأمن نفسه إلى مؤسسة ديمقراطية، سيّما أنّ الأمن والدفاع أضحيا من القطاعات المفتوحة، التي تجاوزت الحدود الأمنية والعسكرية المغلقة، وأصبحت من ضمن الاهتمامات العمومية، لأنّ المهمة الأولى لقطاع الأمن في مجتمع ديمقراطي هي حماية المجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية، وضمان الأمن وحماية القيم الديمقراطية، ودولة القانون والحقوق والحريات العامة لكلّ الأفراد والجماعات، لأنّه بدون أمن يستحيل حماية القيم ومصالح وحقوق المجتمع.
ولم يدرك بعد أنّ الطريقة التي تدار بها المسائل الحيوية المتعلقة بقطاع الأمن لأي دولة هي مؤشر جيّد على مدى صحتها الديمقراطية أو العكس، لذلك تُضبط العلاقة بين الدستور والأمن شكلياً ومعيارياً بإدراج أحكام خاصة في صلب الدستور، أو حتى تخصيص باب خاص بالأمن، تنص مقتضياته على احترام مبادئ النظام الديمقراطي والحياد التام بكل أبعاده ومعانيه السياسية والإيديولوجية والاقتصادية، إذ لا يبدو أن العقل الأمني حريص على أن يعمل على تفادي أي انفلات أمني، وتحقيق الأمن بمستوياته المتعدّدة باعتباره حقاً إنسانياً، يعكس الإرادة الجماعية للعيش المشترك بسلام ووئام، وبُعد مؤسساتي من خلال النظم والقوانين والإجراءات للحفاظ على النظام العام، والحيلولة ضد كلّ ما يمكن أن يشكل خطراً على الأشخاص والممتلكات، أو تعكيراً لصفو الأمن العام والسهر على احترام القانون من لدن الجميع باستعمال الوسائل المشروعة بما فيها وسائل الإكراه المادي.
هذا العقل، يتوّخى الأمن لذاته لا لأجل الاستجابة لحاجات وحقوق الأفراد والجماعات، والانتقال من البراديغم (النموذج) المستلهم من التجربة التركية العسكرية الأبوية "العسكر يحمي الدستور، والدستور يحمي العسكر"، إلى "العسكر يحمي الدستور وأمن المجتمع، والدستور يؤطّر وينظم ويضبط العسكر"، بالشكل الذي تعود فيه سلطة الأمر والقيادة إلى سلطة مدنية واحدة منتخبة بشكل ديمقراطي، وواضحة على مستوى التسلسل القيادي وفعاليتها في أوقات الحرب والسلم، كلّ ذلك للحيلولة دون تنامي الوزن السياسي لقوات الأمن، وهيمنتها في صنع القرار.
يبدو أنّ العقل الأمني المغربي بحكم تزايد التهديدات التي تضغط على الأمن الداخلي والخارجي، ونهج "سياسة الابتزاز عن طريق الحماية "، يسعى إلى تعزيز "أمننة" المجتمع في مرحلة ما بعد الربيع العربي، لذلك السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مطالبة ببلورة الرقابة وتطبيق سياسة للدفاع والأمن، وعدم تفادي إشكالية توزيع الصلاحيات في مجالات الأمن الوطني والقومي بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، مع استبعاد أسلوب الاعتماد على إطار أمني وعسكري ينهل من الرؤية المهنية الضيّقة المتحيّزة للمؤسّسة الأمنية والعسكرية أكثر من انحيازها للمجتمع.
يبدو أنّ العقل الأمني مستفيد من وضعية الإفلات من العقاب وعدم الخضوع للقانون، لأنّه هو السبب الرئيس في تصدّع العلاقة بين رجل الأمن والمواطن، وفي الخصومة الثأرية الكامنة في نفوس المواطنين تجاه جهاز الأمن، وهو يستفيد من عدم تغيير بنية جهاز الأمن، وضعف الثقافة الديمقراطية لدى المواطن بالزي (الشرطي)، من خلال تغيير عقليته ووظيفته وثقافة عناصره كأفراد، من خلال ما يسمى بـ "الحراب الذكية"، وتمتيع الموظفين العسكريين والأمنيين بالضمانات الأساسية للموظفين، بالاعتماد في هذا الشأن على المرجعية الدولية من قبيل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 2)، ومدوّنة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون (ديسمبر 1979)، والقانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها).
مقالات أخرى
21 نوفمبر 2018
11 نوفمبر 2018
03 نوفمبر 2018