01 نوفمبر 2024
على هامش تقرير التعذيب في مصر
كنت قد كتبت مقالين عن حقوق الإنسان، عن أحوال التواطؤ على تلك الحقوق، وأجد هنا مهما الإشارة إلى أهم الصور الإيجابية من بعض المنظمات الحقوقية الدولية، ممثلة في تقاريرها الكاشفة والفاضحة، فقد أصدرت "هيومن رايتس ووتش" عدة تقارير عن حالة حقوق الإنسان في مصر، تكشف فيها المدى الذي وصل إليه نظام "3 يوليو" في انتهاك هذه الحقوق، بأشكال متنوعة وبطريقة ممنهجة، و"هيومن رايتس ووتش" منظمة دولية غير حكومية تملك مكاتب عدة وتصدر تقارير حقوق الإنسان عن كل الدول، تستند إلى معلومات شديدة الانضباط، وعلى درجة عالية من التوثيق المتعارف عليه في التعامل مع تلك الحقوق وانتهاكاتها المختلفة.
ذكرت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن ضباط الشرطة وعناصرها، و"قطاع الأمن الوطني"، في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب.. قد يرقى التعذيب واسع النطاق والمنهجي من قوات الأمن إلى جريمة ضد الإنسانية. وحسب المنظمة الحقوقية العالمية، تتجاهل النيابة العامة عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهدّدهم، أحيانا، بالتعذيب، ما يشيع بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب، ما حدا جو ستورك، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" إلى أن يؤكد أن "الرئيس السيسي أعطى ضباط الشرطة والأمن الوطني وعناصرهما الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا، لم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين المصريين في تحقيق العدالة".
ويعد هذا التقرير عن التعذيب، وعنوانه "هنا نفعل أشياء لا تصدق.. التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي"، دليلا على وقوع أحداثٍ يصعب تصديقها بما يشكل نظاما
بوليسيا فاشيا يحاول، بأشكال مختلفة، أن يرتكب كل الانتهاكات، مدعيا في كل المحافل الدولية أنه يلتزم حقوق الانسان، فأي حقوق إنسان يتحدث عنها هذا النظام الذي أصبح لا يملك، بعد كل تقرير تصدره تلك المنظمة المتخصصة في حقوق الإنسان، غير أن يصدر بيانا من وزارة الخارجية في كل مرة بالمفردات نفسها، يحاول فيه المتحدث الرسمي باسم الوزارة، من كل طريق، أن يطعن في مصداقية هذه المنظمة، ويتحدث عن تسييسها، وأنها لا تستند إلى معلومات دقيقة، على الرغم من أن التقرير يتضمن في صفحاته الستين توثيقا ومقابلات وملاحق، إذ قابلت "هيومن رايتس ووتش" 19 معتقلا سابقا وأسرة معتقل آخر تعرّضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، وقابلت محامي الدفاع وحقوقيين مصريين، وراجعت عشرات التقارير عن التعذيب، وأكدت أنه "مورست تقنيات تعذيب عدة واستخدمت أساليب متطابقة سنوات عديدة"، إلا أن المتحدث المذكور، كعادته، يحترف الاتهام من دون أدنى مرجع، ويتحدث بفائض النعوت، من دون أدنى تدقيق أو تحقيق، ويتهم التوثيق، ولا يقدم أي معلومات أو بيانات تحترم التوثيق في كل مرة. سنرى هذا المشهد الخطير الذي يعبر عن حالة متدنية لحالة حقوق الإنسان في مصر، وعن نظامٍ تمرّس في فنون تعذيبه، وابتداع أساليب مستجدة في هذا المقام، ليؤكد تلك الحالة الممنهجة التي يتبعها ذلك النظام في إحداث حالةٍ من الترويع والتفزيع ضمن محاولته لصناعة الخوف وتصنيعه، حتى يضمن استقراره، ويدعم تأمين نظامه.
ومن ثم، يشكل هذا التقرير، كما تلك السلسلة من التقارير التي سبقته، توثيقا لأحداث معينة من التعذيب لتسع عشرة حالة استطاعت منظمة هيومن رايتس ووتش أن تقوم تقصيا وتحريا لتقدم صورة قاتمة حول أساليب التعذيب الممنهجة، خصوصا التي يرتكبها جهاز الأمن الوطني (جهاز أمن الدولة سابقا). وجدت المنظمة "أن وزارة الداخلية قد طورت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة، لجمع المعلومات عن المشتبه في أنهم معارضون، وإعداد قضايا ضدهم، غالبا ما تكون ملفقة، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم، لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبا عن التحقيق في الانتهاكات".
وتعد هذه التقارير فرصة مهمة لمن يريد أن يعمل في ذلك المجال، ليقوم بأعمال مباشرة في الإبلاغ، وفي التعامل القانوني والقضائي فيما يتعلق بهذه الحالات المتعينة، ومباشرة فضح
النظام المصري في كل المعمورة، وفي كل مفوضيات حقوق الإنسان، وكل المؤسسات المهتمة بمتابعة تلك الحقوق ومراقبتها. ومن ثم، فإن عملا قانونيا وقضائيا لا يزال يحتاج إلى همم تحمل تلك القضايا إلى الوطن، وفي الخارج وفي المحافل الدولية، لتقدم أدلة إدانات كافية لهذا النظام الذي صار يقوم بكل ما من شأنه انتهاك لحقوق الإنسان من كل صنف ولون، "خصوصا أنه بموجب القانون الدولي، يُعتبر التعذيب جريمة تخضع للولاية القضائية العالمية، ويمكن مقاضاة مرتكبيه في أي بلد. على الدول توقيف، والتحقيق مع أي شخص على ترابها يشتبه في تورّطه في التعذيب، وأن تحاكمه أو تُرحله لمواجهة العدالة". ويبدو هذا الملف مهما وخطيرا بما يشير إليه من أن النظام "3 يوليو"، وعلى رأسه المنقلب السيسي، يحاول بكل طريق أن يقدم لائحة إنجازات في إطار إعادة ترشيح المنقلب لفترة رئاسية أخرى في العام المقبل. ويقدم التقرير الحقوقي الجديد، وغيره، لائحة اتهامات واضحة ومحددة وقاطعة، يجب التحقيق فيها وممارسة كل الوسائل الممكنة لفضح هذا النظام على رؤوس الأشهاد.
صارت سياسات فضح النظام من أهم الأدوات التي يجب القيام بها وعليها في إطار إدانة هذه المنظومة بأسرها، إذ يستحق من يقودها من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء أو الأجهزة الشرطية أو وزارة الداخلية خضوعهم للمحاكمات وتوجيه الاتهامات، وكذلك الأجهزة القضائية التي تشارك في هذه المهزلة، وتقدم غطاء لتلك الانتهاكات الخطيرة، على الرغم من شيوعها ووضوحها، وتعتبر جريمة الصمت عن تحقيق العدالة من مؤسساتٍ منوط بها أن تقوم بهذه الأدوار اشتراكا، بل وتورطا في تلك الجرائم التي تنتهك الحقوق الإنسانية، صغرت هذه الجرائم أم كبرت. ومن هنا، من الواجب أن تكون هناك حملات يمكنها استثمار مثل هذه التقارير، للتأكيد على أن لهذا النظام لائحة جرائم واتهامات، لا لائحة مشروعات وإنجازات. ومن المستغرب حقا أن يروج هذا النظام نفسه في دورة رئاسية ثانية، وهو يرتكب كل هذه الموبقات في حق الشعب، ويستخف بالأرواح الإنسانية قتلا ومطاردة وخطفا واعتقالا وتعذيبا، ليشكل هذا أهم حلقات هذا النظام ضمن استراتيجية الترويع والتفزيع والتركيع.
ذكرت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن ضباط الشرطة وعناصرها، و"قطاع الأمن الوطني"، في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب.. قد يرقى التعذيب واسع النطاق والمنهجي من قوات الأمن إلى جريمة ضد الإنسانية. وحسب المنظمة الحقوقية العالمية، تتجاهل النيابة العامة عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهدّدهم، أحيانا، بالتعذيب، ما يشيع بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب، ما حدا جو ستورك، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" إلى أن يؤكد أن "الرئيس السيسي أعطى ضباط الشرطة والأمن الوطني وعناصرهما الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا، لم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين المصريين في تحقيق العدالة".
ويعد هذا التقرير عن التعذيب، وعنوانه "هنا نفعل أشياء لا تصدق.. التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي"، دليلا على وقوع أحداثٍ يصعب تصديقها بما يشكل نظاما
ومن ثم، يشكل هذا التقرير، كما تلك السلسلة من التقارير التي سبقته، توثيقا لأحداث معينة من التعذيب لتسع عشرة حالة استطاعت منظمة هيومن رايتس ووتش أن تقوم تقصيا وتحريا لتقدم صورة قاتمة حول أساليب التعذيب الممنهجة، خصوصا التي يرتكبها جهاز الأمن الوطني (جهاز أمن الدولة سابقا). وجدت المنظمة "أن وزارة الداخلية قد طورت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة، لجمع المعلومات عن المشتبه في أنهم معارضون، وإعداد قضايا ضدهم، غالبا ما تكون ملفقة، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم، لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبا عن التحقيق في الانتهاكات".
وتعد هذه التقارير فرصة مهمة لمن يريد أن يعمل في ذلك المجال، ليقوم بأعمال مباشرة في الإبلاغ، وفي التعامل القانوني والقضائي فيما يتعلق بهذه الحالات المتعينة، ومباشرة فضح
صارت سياسات فضح النظام من أهم الأدوات التي يجب القيام بها وعليها في إطار إدانة هذه المنظومة بأسرها، إذ يستحق من يقودها من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء أو الأجهزة الشرطية أو وزارة الداخلية خضوعهم للمحاكمات وتوجيه الاتهامات، وكذلك الأجهزة القضائية التي تشارك في هذه المهزلة، وتقدم غطاء لتلك الانتهاكات الخطيرة، على الرغم من شيوعها ووضوحها، وتعتبر جريمة الصمت عن تحقيق العدالة من مؤسساتٍ منوط بها أن تقوم بهذه الأدوار اشتراكا، بل وتورطا في تلك الجرائم التي تنتهك الحقوق الإنسانية، صغرت هذه الجرائم أم كبرت. ومن هنا، من الواجب أن تكون هناك حملات يمكنها استثمار مثل هذه التقارير، للتأكيد على أن لهذا النظام لائحة جرائم واتهامات، لا لائحة مشروعات وإنجازات. ومن المستغرب حقا أن يروج هذا النظام نفسه في دورة رئاسية ثانية، وهو يرتكب كل هذه الموبقات في حق الشعب، ويستخف بالأرواح الإنسانية قتلا ومطاردة وخطفا واعتقالا وتعذيبا، ليشكل هذا أهم حلقات هذا النظام ضمن استراتيجية الترويع والتفزيع والتركيع.