على هامش تقرير "إسكوا" المغيّب

04 فبراير 2017
+ الخط -
بعد تغييب تقرير أشرفت على إنجازه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، تحت ضغط إسرائيل ودول عربية، غُيّبت عن الرأي العام معطيات مهمة بشأن البؤس والحرمان اللذين تعاني منهما غالبية الشعوب العربية بفعل القمع السياسي، كما غيبت مؤشرات خطيرة تعكس واقع الفلسطينيين المرير الناتج عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. ولهذا، يقع على كاهل الباحثين والإعلاميين العرب إظهار مؤشرات الظلم وسبل الحد من تفاقمها في المستقبل.
يلحظ المتابع بشكل جلي أن عملية الفساد المالي والإداري في العالم العربي أدت إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فضلاً عن تفشي ظواهر خطيرة في غالبية الدول العربية، في مقدمتها ظاهرة القطط السمان حول النظم السياسية الديكتاتورية، وهذه شريحة لا يهمها إلا تراكم رأس المال، بعيداً عن القيام باستثمارات تعود بمنفعة مباشرة على الأوطان والشعوب، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة مؤشرات البؤس في غالبية الدول العربية، فتفاقمت معدلات البطالة، وازدادت قيمة الديون الخارجية، وارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع إلى معدلات فلكية، على الرغم من وجود المصادر الطبيعية والطاقات البشرية الكبيرة.
اللافت أن سياسات النظم السياسية انعكست على مناحي الحياة كافة، ومن بينها الحياة السياسية والاقتصادية، وتجلى التعبير عن ذلك في سوء توزيع الدخل، حيث تتحكم أقلية من السكان التي تعيش في كنف النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، في حين بقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضةً لتفاقم ظاهرة الفقر والبطالة والجهل.
وبالأرقام، يتوزع الدخل القومي بشكلٍ أكثر عدالة نسبياً في الدول المتطورة، في حين يستحوذ 20% من سكان غالبية الدول العربية على 90% من الدخل القومي، الأمر الذي يجعل
80% من السكان تحت خط الفقر، ويضعف خياراتهم من صحة وتعليم ورفاه اجتماعي.
وللدلالة على سياسات النظم العربية الدكتاتورية الفاشلة، ارتفعت وتيرة معدلات البطالة بين النشيطين اقتصادياً، لتصل إلى 11% حداً أدنى و35% حدّاً أعلى، في وقت وصلت فيه نسبة الأمية بين الإناث العربيات البالغات إلى 50%، كما تشير بحوث متخصصة إلى أن معدل الأمية بين البالغين في الدول العربية بقي في حدود 35% خلال الأعوام الأخيرة، وكان مؤشر الأمية بين الشباب العربي هو الأخطر، مقارنة ببعض الدول النامية في أميركا اللاتينية، حيث وصل إلى نحو 20% من إجمالي عدد الشباب في العالم العربي. ومن الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية، بسبب السياسات الفاشلة، عدم الاستفادة بالشكل المطلوب من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وثورة المعلومات بشكل عام.
ويمكن الجزم أن المؤشرات تزداد سوءاً عند الإشارة إلى ضعف المشاركة السياسية الشعبية في غالبية الدول العربية، وكذلك ضعف مشاركة المرأة العربية في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، هذا في وقت أصبحت فيه مشاركة المرأة من المعايير الرئيسية لمستوى التطوّر والتنمية البشرية. إذاً المسؤول عن تدني مؤشرات التنمية البشرية في غالبية الدول العربية هو النظم الحاكمة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة. وسيؤدي الاستمرار في حالة النظم السياسية العربية المترهلة والفاشلة إلى تراجع في المؤشرات كافة، والدالة أساساً على تطوّر المجتمعات، ويمنع العرب، في الوقت نفسه، من اللحاق في ركب الحضارة. وتبعاً لذلك، من المؤكد استمرار ثورات الربيع، وفق تعبيرات تبتكرها الشعوب، وخصوصاً شرائح الشباب والطلاب منها، للمطالبة ببناء مؤسسات ومنظمات اجتماعية حقيقية، فضلاً عن المطالبة بالتغيير الشامل، وترسيخ مبدأ الديمقراطية وسيادة القانون، عوضاً عن مبدأ الفردية في الحكم.
وبطبيعة الحال، سيهيئ انتشار المبدأ المذكور وترسيخه الظروف السانحة لعودة رأس المال العربي المهاجر من جهة، المقدر بمليار دولار، وكذلك ستكون الطريق ممهدة لعودة الأدمغة العربية المهاجرة إلى أوطانها، حيث تشير دراسات عديدة إلى وجود خمسة ملايين من العلماء والأكاديميين والباحثين العرب في أوروبا وأميركا.
وبعودة رأس المال والقوى البشرية، خصوصاً التي هجرت خلال السنوات الأخيرة إلى القارة
العجوز وكندا، إلى الدول العربية وتوطينها في الوطن الأم، يمكن التأكيد، عندئذٍ، أن قدرات وطنية حقيقية كامنة ستدفع باتجاه تعزيز قدرات الوطن والمواطن العربي وتنميتها، وتالياً تحسين شروط الأداء الاقتصادي للقطاعات الاقتصادية كافة في إطار الاقتصاديات الوطنية، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالٍ من شأنه تعزيز الخيارات للدول والشعوب العربية على حد سواء. وقد تدفع تلك التغيرات إلى أن يتبوأ الوطن العربي مكانة مهمة، ويصبح رقماً ليس هامشياً في إطار العلاقات الدولية.
ويبقى القول إن مستقبل الشعوب العربية الواعد مرهونٌ باستثمار المصادر الطبيعية والبشرية التي يزخر بها الوطن العربي، لمصلحة المواطن العربي في المقام الأول، حيث يستحوذ على نحو 60% من احتياطي النفط العالمي، ناهيك عن قوة بشرية كبيرة يصل مجموعها إلى 370 مليون عربي خلال بداية العام الحالي 2017، ومن بينها نحو 85 مليوناً من فئة الشباب الفاعلة في ميادين مختلفة، وهي الفئة الأقدر على تحقيق تطلعات الشعوب العربية في المستقبل المنظور وإطاحة مؤشرات الظلم والظلاّم في آن.
دلالات