ولأنه ضروري لصنع التحف القديمة كقناع توت عنخ آمون الشهير، ولا يزال غاية مرجوة في ثقافة الشرق الأوسط حتى اليوم، تم التنقيب عن الذهب في مصر منذ آلاف السنين، لكن الخبراء يقولون إن البلاد لم تكتشف بعد، وأن التقنيات الحديثة تسمح الآن بتنقيبات أكثر عمقا في المواقع الأثرية التي تظهر على خرائط الكنوز الفرعونية.
في حال خضع للتطوير، فإن التنقيب عن الذهب والمعادن قد يشكل نعمة للبلاد التي تتعطش للعملة الأجنبية، ويوفر فرص عمل لشباب مصر، التي يزيد عدد سكانها عن 90 مليون نسمة. لكن المنقبين والخبراء يقولون إن القوانين الحالية لا تتماشى مع الممارسات العالمية، ولا تقدم ما يكفي من حوافز للاستثمارات الأجنبية.
وقال مارك كامبل، رئيس شركة التنقيب الكندية "ألكسندر نوبيا"، التي زادت من عمليات الحفر العام الجاري في 1070 ميلا مربعا في الصحراء، إن "التنقيب يجري هنا منذ أكثر من خمسة آلاف عام، لكن في القرن الحادي والعشرين لا تزال هذه الأرض بكرا تماما. التنقيب عن الذهب والمعادن في مصر اليوم مع التقنيات الحديثة يشبه وجود خريطة محددة عليها علامات (إكس) بوضوح".
وحددت المجموعة ستة مناجم محتملة في المنطقة المليئة بالوديان القاحلة وصخور السربنتين الوردي المعروفة باسم الدرع العربي النوبي، والتي تمتد جنوبا الى إرتيريا وشرق العربية السعودية. ورغم أن العروق القريبة من السطح عكف على التنقيب فيها الفراعنة، ومن ثم الرومان حتى العصر الاستعماري البريطاني، إلا أن ثمة تركيزات من الذهب لا تزال قابعة في الأعماق، ويمكن استخراجها باستخدام الآلات الثقيلة.
في الوقت الحالي، يقوم فريق كامبل بحفر عينات يتم إرسالها للتحليل في رومانيا. لا يمكن رؤية الذهب بالعين المجردة دائما، مع تركيزات من بضع غرامات قليلة في طن واحد من المعادن الخام. لكنها واعدة بما يكفي للفريق المؤلف من عشرين مستكشفاً ومتخصصاً تولوا التخطيط لافتتاح أول منجم مصري بحلول عام 2019.
وهجر منجم سابق يعود لحقبة الاستعمار البريطاني، ويعرف باسم أبو زوال، في منتصف القرن العشرين، بعدما طرد الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، الأجانب. كما كان البريطانيون يتتبعون المواقع الأثرية القديمة، ولا تزال شظايا الآنية الرومانية تتناثر في الموقع، وتوجد فيه قلعة قديمة وساقية، وكذلك أحجار فرعونية تتناثر إلى جانب خراطيش بندقية تعود إلى بداية القرن الماضي.
لكن قطاع التعدين اليوم لا يزال غير مستغل إلى حد بعيد في مصر، حيث يرى الخبراء أنه ضحية لسياسات عتيقة. وعلى الرغم من أن بعض الإصلاحات التي دخلت حيز التنفيذ العام الماضي في ظل وعود حكومية بسن قوانين أكثر تشجيعا للاستثمار، لا يزال التشريع الخاص بالتعدين في مصر بعيدا من المعايير الدولية، كما فشلت محاولات الحكومة جذب الاستثمارات الأجنبية إلى حد بعيد.
وقال يوسف الحسيني، وهو محلل في بنك المجموعة المالية "هيرميس" المصرية، والذي يتابع قطاع التعدين: "لا أحد يريد التعامل مع هيكل تقاسم الأرباح".
وأضاف في إشارة إلى النظام الحالي، الذي يتعين بموجبه على شركات التعدين في مصر دفع ما لا يقل عن نصف أرباحها إلى الدولة، بالإضافة إلى الرسوم التي تدفع سنويا بناء على أرقام المبيعات: "الأساس المثالي يجب أن يكون الرسوم والضرائب بدلا من الرسوم وتقاسم الأرباح، مثلما هي الحال حاليا. وفي معظم الدول، تتراوح الضرائب التي تفرض على الشركات في قطاع التعدين بين 25% إلى 50%".
ورأى مار تايلر، وهو مصرفي استثماري في نيدبانك بلندن، أن اقتسام الأرباح الذي تطالب به مصر بعيد كل البعد عن الممارسات الدولية، لأن كلفة بناء وتشغيل المناجم باهظة مقارنة بعمرها الافتراضي خلافا للاكتشافات النفطية والغازية التي تكون رخيصة نسبيا بعد الاستثمارات الأولية.
وقال تايلر "ثمة تاريخ من التعدين محدود المستوى في مصر. هذا بشكل عام مؤشر جيد على أن ثمة معادن في المنطقة. لكن القواعد قاسية للغاية. فالمتعارف عليه هناك رسوم وضرائب ونوع ما من امتلاك الدولة لحصة في الشركة، مثلما هي الحال غالبا في غرب أفريقيا وبقية العالم".
والاستثناء من النهج المصري القديم في إدارة قطاع التعدين هو منجم السكري والذي زادت أرباحه باضطراد في السنوات الأخيرة. وبني المنجم على موقع قديم لتعدين الذهب على مسافة أبعد إلى الجنوب، وشهدت شركة "سنتامين" التي تديره زيادة سعر حصتها بأكثر من 60 في المائة منذ بداية العام، بفضل ارتفاع أسعار الذهب وزيادة نسبتها 15.7 في المائة في الإنتاج في الربع الأول مقارنة بالعام الماضي.
ولدى الشركة اتفاق استثنائي وافق عليه مجلس الشعب المصري خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك. لكن محكمة مصرية قضت في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، بأن حق سنتامين في تشغيل السكري كان باطلا.
وفي ظل حكم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، تحدثت الحكومة عن إنشاء "المثلث الذهبي" للتنمية في المنطقة، وهو واحد من "المشاريع العملاقة" المفضلة لديها لإطلاق النمو الاقتصادي السريع اللازم لتوفير فرص العمل. ولكن على غرار إصلاحات القوانين الاستثمارية، التي أعلن عنها في 2015، فشلت الخطة حتى الآن، إذ لا يزال المستثمرون يشتكون بانتظام من الروتين الذي لا نهاية له عند ممارسة الأعمال التجارية في مصر.
ومع ذلك، فإن الأطراف المشاركة في التعدين اليوم متفائلة. كل من كامبل ورئيس مجلس إدارة "سنتامين"، جوزيف الراجحي، يتصوران مستقبلا فيه مناجم جديدة تنبت في أنحاء مصر.
"إذا كانت ثمة تشريعات ملائمة أكثر، ستكون هناك العشرات من الشركات في جميع أنحاء المنطقة"، يقول الجيولوجي ليونارد كار، وهو أميركي يعمل في شركة "كامبل"، والذي عمل لمدة 36 عاما في هذه الصناعة، بينما كان يشير بحماس إلى التكوينات الصخرية خلال جولة في المنطقة.
كما أكد كامبل، الذي أشرف على التعدين والتنقيب عن النفط في 12 بلدا أو أكثر على مدى سنوات: "مصر هي ديزني لاند جيولوجية".