عقوبات السودان وحقوق الإنسان

07 يوليو 2017
+ الخط -
لم يكن لتعبير حقوق الإنسان الذي ملأ الأسفار، ليظهر بهذا الشكل، لولا تكهنات الأيام القليلة المتبقية من القرار الأميركي برفع العقوبات الأميركية المفروضة على السودان، منذ نحو 20 عاماً، والمتوقع صدوره في 12 يوليو/ تموز الجاري.
تظلّ الاحتمالات مفتوحةً على خيارين تتوازى أجندتهما، بين رفع العقوبات وتمديدها. والسبب أنّه ليس من مؤشّر يستطيع التنبؤ بالقرار الذي سوف يصدّره الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن رفع العقوبات.
يظهر التضارب الواضح في تصريحات الإدارة الأميركية وبياناتها ودبلوماسييها، فقد ذكر القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم، ستيفن كوتسس، في الأيام القليلة الماضية، أنّ العقوبات تم فرضها لإنهاء دعم البلاد للجماعات المتطرّفة وإحلال السلام في دارفور، ولكن لا علاقة لها بسجل السودان في مجال حقوق الإنسان، وهذا يشير إلى أنّها ستُرفع، لأنّه ليس هناك رابط بين حقوق الإنسان وهذه العقوبات. ولكن، ظهر بيان رسمي من السفارة الأميركية في الخرطوم بعد ذلك بيوم، يرجّح بقاء العقوبات بالنظر أيضاً إلى ملف حقوق الإنسان.
تم فرض العقوبات الأميركية على السودان في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1997، بناءً على علاقات السودان المزعومة بشبكات إرهابية. وكانت مطالب الإدارة الأميركية من السودان عند فرضها تدور حول ثلاثة محاور هي: قضية المنظمات الإنسانية التي تم طردها وإمكانية استبدالها بأخرى من أنحاء العالم المختلفة، تطبيق اتفاقية السلام الشامل بأكملها، ثم إيجاد سلام شامل في دارفور، يبدأ بالحوار مع الفصائل الدارفورية غير الموقعة على اتفاقية أبوجا.
قامت أميركا بتعزيز العقوبات في عام 2007 على أثر اندلاع الحرب الأهلية في إقليم 
دارفور، غرب البلاد، عام 2003. ثم تم تجديدها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حين أعلن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أنّ الظروف التى أدت إلى فرض العقوبات على حكومة السودان ما تزال قائمة، وأنّ الإجراءات التى اتخذتها الحكومة السودانية ما زالت تمثل سياسةً معاديةً لمصالح الولايات المتحدة، وتشكّل تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وعندما تقدّمت مطالب الإدراة الأميركية في التسعينيات خطواتٍ، قامت بتصعيدها إلى خمسة مسارات، تم الاتفاق حولها مع الحكومة السودانية لتطبيع العلاقات، وتشمل: مكافحة الإرهاب ومنع جيش الرب للمقاومة في أوغندا من العمل على أراضيها، ووقف الأعمال العدائية في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع وإنهاء أي تدخل سلبي في جنوب السودان.
على الرغم من كل الأدبيات السياسية والتصريحات الرسمية للإدارة الأميركية في قضايا الحقوق والحريات والإصلاح السياسي، إلّا أنّ ميزانها لقياس الأداء في ملف حقوق الإنسان يظلُّ مختّلاً إذا ما قارناه في ثلاث دول فقط، هي مصر وكوبا والسودان. كما يوضح الميزان نفسه الارتباك بين إدارتين أميركيتين، فتقريباً يعمل ترامب على نقض كل ما نسجه أوباما في نهاية ولايته. فبينما تم تصنيف الحكومة المصرية، في آخر عهد أوباما، بأنّها تقوم بانتهاك واضح لحقوق الإنسان وقمع الحريات، وزّع ترامب صكوك غفرانه، وأثنى على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عند مقابلته في البيت الأبيض في إبريل/ نيسان الماضي، بأنّه قام "بعملٍ رائع".
وبينما قام أوباما في أواخر عهده بالانفتاح على كوبا، وأنّها بلد صغير، لا يمكنه تهديد المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وقوله إنّ تعريف كوبا دولة راعية للإرهاب فيه تجنٍ عليها، فهي على الأقل تلبي شروط الولايات المتحدة، وتنبذ استخدام الإرهاب، قام ترامب بتعزيز العقوبات عليها بدعوى عدم تقدّمها في ملف حقوق الإنسان.
ينتظر السودان مصيره بين هذين الموقفين المتناقضين اللذين اتخذتهما الإدارة الأميركية في الوقت والظروف نفسها. يقف السودان عند قرار الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في 13 يناير/ كانون الثاني 2017، بإلغاء أمرين تنفيذيين بفرض عقوبات اقتصادية على السودان، المنتظر تقديمها بحلول 12 يوليو/ تموز 2017، بعد إشارته إلى أنّ السودان ملتزمٌ بشروط معينة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، والوفاء بالتزاماته بوقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع، وبالتالي رفع العقوبات بالكامل عنه.
صحيح أنّه ليس في وسع الحكومة السودانية إجراء عملياتٍ تجميليةٍ مستعجلة لتطبيق أي
إصلاحات اقتصادية أو سياسية، أو انفراج في مسألة الحريات. ووسط مسيرة الحكم هذه المليئة بالثقوب والأخطاء التاريخية وثبات نظام الخرطوم على موقفه وتجاهله كل النداءات، يمكن أن يأتي القرار الحاسم من ترامب، من دون أي مسوغاتٍ أو تبريرات.
أما آخر قطرة في كأس التوقعات فهي ما أورده السفير المتقاعد، برنستن ن. ليمان، كبير المستشارين في معهد السلام الأميركي، قبل شهرين، أنّ أثر تجميد العقوبات الأميركية على السودان أو إنهائها يظلُّ أقل مما يبدو. فعلى الرغم من أنّها ستفتح الطريق للتجارة وتنعش الاهتمام بالاستثمار، إلّا أنّه في ظل وجود عقوباتٍ أخرى مطبقة، وبالنظر إلى استمرار وجود السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، فإنّه من غير المرجح أن تحدث استثماراتٌ طويلة الأجل، وستظل المؤسسات المالية تنظر بتحفظ، بينما يحتاج المستثمرون إلى ضماناتٍ طويلة الأمد، كما أنّ الإعفاء من الديون لن يتم النظر فيه.
إذا تم رفع العقوبات فسيكون وفقاً لتحقيق الشروط والمطالب المنصوص عليها صراحة ومكافأة للسودان في مساهماته في مكافحة الإرهاب، الذي على الرغم من الاعتراف به، إلّا أنّه لن يساهم في رفع السودان من القائمة السوداء. وإذا لم يتم ذلك فسيُزجُّ بفزاعة حقوق الإنسان، لتأخير أمد العقوبات. ولهذا تستبق الدبلوماسية الأميركية إدارتها بقلقها البالغ إزاء سجل السودان في الملف الإنساني، وهي بذا تؤمّن نفسها بمسوّغ أخلاقي، وتأمن شرّ رئيسها في الوقت نفسه.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.