عقل بسيط في وضع معقد

21 اغسطس 2014

نقطة مواجهة بين الجيش السوري الحر و"داعش" قرب حلب(27يونيو/2014/الأناضول)

+ الخط -


يزداد وضع المنطقة تعقيداً، والصراعات تتشابك، وكل المحاور تداخلت. هذا هو التوصيف الممكن لما يحدث بعد نشوب الثورة السورية، وما وصلنا إليه، الآن، بعد الغارات الجوية الأميركية على العراق. ولم تعد تظهر حدود بين المحاور المرسومة في "الذهن" منذ فترة الحرب الباردة، على الرغم من استمرار الحدود في "الذهن" لدى قطاع من النخب، لا تريد مغادرة الماضي، لأنها تريد البقاء في "حالة رومانسية"، نشأت في الماضي.

في سورية، كل التصوّر أن جبهة النصرة وداعش من تصنيع أميركي، وبالتالي، هما جزء من "المؤامرة الإمبريالية" على "النظام الوطني" في سورية، وعلى محور الممانعة (إيران وحزب الله والنظام السوري). لكن، فيما عدا عن بعض الاحتكاك بين تنظيم داعش وبين النظام السوري، فإن كل معاركه، وكل نشاطه وممارساته، هي ضد الكتائب المسلحة، والناشطين ضد النظام، إضافة إلى أنه يفرض "قوانينه" التي هي مضادة للتكوين المجتمعي. ولهذا، فرض على الكتائب المسلحة أن تخوض الصراع ضده. قامت بذلك قبل مدة، وطردت داعش من الشمال السوري، وهي، الآن، تخوض الصراع من جديد. كما خاضت الصراع ضده في دير الزور والرقة. وجرت اشتباكات عديدة مع جبهة النصرة، والآن، يهددها في منطقة درعا.

بالتالي، ليس النظام هو الذي يخوض "الحرب ضد الإرهاب"، بل إن الثورة هي التي تخوض هذه الحرب، ويساعد النظام "داعش" في هجماته عبر القصف الجوي والمدفعي، وتسهيل حصوله على السلاح والذخائر.

في العراق تحرّك قطاع من الشعب عسكرياً، بعد أن اعتصم أشهرا عديدة، سُحق بعنف جيش نوري المالكي. وتحالف بعض هؤلاء مع داعش من دون فهم لطبيعته، ومن ثم انقلب داعش، كالعادة، لكي يلعب دوراً يخدم المالكي وإيران، في التشويش على الحراك الشعبي، واستغلال دوره لتخويف الشعب والتدخل. لهذا، كما أشرنا، في مقالات سابقة، لعب داعش دوراً تخريبياً في الموصل، وللسيطرة على الشمال العراقي، ومن ثم هاجم المناطق الكردية، لأن الأكراد كانوا يميلون إلى الحراك، ويقفون ضد التجديد للمالكي.

الآن، تدخل أميركا الحرب عبر قواتها الجوية، فتقصف داعش ليس في الشمال العراقي فقط، بل في الأنبار ومحافظة صلاح الدين. وبهذا، باتت القوات الأميركية بالتنسيق مع القوات العراقية المدعومة من النظام الإيراني، تخوض الصراع "ضد داعش". هذا يطرح السؤال، إذن ما هو داعش إذا كانت أميركا ضده؟

من اعتبر أن الصراع ضد النظام السوري هو من فعل داعش أساساً، وأن الصراع معها هو الأولوية، سيكون مع الدور الأميركي الذي بدأ في العراق، وسيظهر تقارب كبير بين "قوى الممانعة" التي تقاتل داعش وأميركا التي تعتبر أنه الخطر الرئيسي الآن، بعد أن تلاشى دور القاعدة بعد انشقاق داعش.  بهذا لا يعود هناك محور "مقاومة وممانعة" ومحور إمبريالي سعودي قطري، فقد باتت قوات الممانعة تقاتل إلى جانب القوات الأميركية، حيث الطيران السوري قصف داعش (كما أُعلن)، وقوات الحرس الثوري تدافع عن النظام العراقي، وحزب الله يرسل قوات إلى العراق، كما إلى سورية. وفي هذه الحرب يشكل الطيران الأميركي الغطاء الجوي، لتقدم قوات المالكي والحرس الثوري وحزب الله والبيشمركة.

أليست الإمبريالية الأميركية هي التي تشكّل الغطاء لوحشية النظم التي تريد سحق الثورات؟

الثورات هي "الحلقة المركزية" التي توحّد كل هذا الخليط، أو الذي يبدو خليطاً، على الرغم من توافقه العام واختلافه الجزئي، ليس داعش ولا النصرة ولا القاعدة، التي كلها أدوات ضد الثورات. و"الاسم الحركي" لسحق الثورات، والاسم السحري لتوحيد كل هذه البلدان والقوى.