عقد كرامة تونس لا ينصف العاطلين من العمل

12 مارس 2017
الاحتجاجات متواصلة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
منذ ستّ سنوات والعاطلون من العمل من حاملي الشهادات الجامعية في مختلف المناطق التونسية، يتلقون وعوداً بالتشغيل والتنمية. حاولت الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول كفيلة بالحد من أزمة البطالة في ظل واقع اقتصادي متأزّم، لكنّ أياً من الوعود أو الحلول المقترحة لم تخفف من غضب الشارع والشباب الذين ظلوا على مدى السنوات الماضية ينفّذون تحركات احتجاجية تنديداً بالبطالة.

بعدما شدّدت حكومة يوسف الشاهد على أنّ ملف البطالة من ضمن أولوياتها، أعلن رئيس الحكومة في سبتمبر/ أيلول 2016، عن برنامج "عقد الكرامة" الذي من شأنه الحدّ من أزمة بطالة حاملي الشهادات، إذ يشغّل نحو 25 ألف عاطل من العمل من خرّيجي الجامعات.

كان من المتوقّع أن ينطلق العمل بمنظومة عقد الكرامة في مطلع عام 2017. أعلن وزير التكوين المهني والتشغيل عماد الحمامي، أنّ توقيع العقود ينطلق خلال شهر مارس/ آذار الجاري، على أن يبدأ البرنامج في شهر إبريل/ نيسان المقبل على أبعد تقدير. أضاف أنّ 300 دولار أميركي سوف تُصرف كراتب شهري لنحو 25 ألف منتفع من عقد الكرامة، 200 دولار منها تمنحها الدولة و100 دولار من المؤسسة المشغلة. كذلك تتكفل الدولة بمصاريف تكوين (تدريب) كل شاب بقيمة 150 دولاراً.

وأوضح الحمامي أنّ منظومة عقد الكرامة سوف تشمل في بداية 2018 نحو 255 ألف عاطل من العمل منذ سنتين، ليتحوّل إلى عقد مهني دائم بعد سنتَين من العمل في المؤسسة المشغلة. أضاف أنّ هؤلاء العاطلين من العمل من حاملي الشهادات العالية، سوف يستفيدون من هذه المنظومة في كل محافظات الجمهورية بالتساوي وبالمناصفة بين النساء والرجال.

من جهته، أعلن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، لطفي بن ساسي، أنّ مدّة عقد الكرامة الذي أعلن عنه الشاهد والمتعلّق بتشغيل 25 ألف باحث عن عمل من حاملي الشهادات العالية، تمتد إلى سنتَين، على أن يجري تكوين المرشحين لمدّة شهرَين أو ثلاثة أشهر، سواء في اختصاصاتهم أو في اختصاصات غير تلك التي يحملون فيها شهاداتهم، وذلك في مراكز التكوين التابعة للدولة أو في المؤسسات التي سوف تشغلهم، بهدف دمجهم في سوق الشغل وحتى لا يتقيّد العاطل من العمل باختصاصه، خصوصاً بالنسبة إلى حاملي شهادة الماجستير.

إذاً، ينطلق خلال الشهر الجاري توقيع العقود مع المؤسسات، ويوزّع العدد بالتساوي بين كلّ المحافظات، أي بمعدّل 1042 عقد عمل لكل محافظة، فيما يُعتمد مبدأ المناصفة في إسناد العقود، أي 500 عقد للإناث و500 للذكور و42 عقداً لذوي الإعاقة.


على الرغم من أنّ عدد العاطلين من العمل من حاملي الشهادات العالية بلغ في عام 2016 نحو 250 ألفاً، إلا أنّ كثيرين يرون أنّ عقد الكرامة لن يحلّ إلا أزمة نسبة قليلة من العدد الإجمالي لهؤلاء. أمّا آخرون، فيرون أنّ اعتماد مبدأ المساواة بين المحافظات في نسب الانتفاع من هذا العقد، لا يتماشى وواقع مناطق كثيرة، وهو لن يعالج مشكلة العرض والطلب في سوق الشغل، خصوصاً في الجهات الداخلية، بسبب عدم توفّر العدد الكافي للمؤسسات الخاصة.

محسن العابدي، من منطقة القصرين ويحمل شهادة ماجستير، يشير إلى أنّ "تطبيق عقد الكرامة في منطقتنا يكاد يكون مستحيلاً، لأنّها لا تتضمّن مؤسسات خاصة كافية لاستيعاب أكثر من ألف عاطل من العمل". ويقول إنّ "الدولة أعلنت عن هذا العقد من دون أن تفتح حواراً مع أصحاب المؤسسات الخاصة، وتعي مدى قابليتهم لهذه الفكرة ولمساعدة الدولة على حلّ مشكلة البطالة". يضيف أنّ "الشاب هو المطالب بإيجاد عقد مناسب مع مؤسسة، وليست الدولة التي سوف توفّر العقود للعاطلين من العمل بعد الاتصال بالمؤسسات. وهذا أمر صعب".

لا تختلف لمياء الحافظي، من منطقة جندوبة، مع العابدي، فتشير وهي تحمل شهادة في التاريخ، إلى "صعوبة تطبيق المنظومة في منطقتها بسبب عدم وجود مؤسسات خاصة كذلك". وتسأل إذا كان "غياب المؤسسات الخاصة في تلك الجهات سوف يدفع بالشباب إلى البحث عن مؤسسات في مدن أخرى، على أن تتكفل الدولة بترتيب أمر قبولهم في تلك المؤسسات. وإذا كان لهم ذلك، فإنّ العاطل من العمل سوف يجد نفسه مضطراً إلى استئجار بيت في تلك المدينة وتحمّل مصاريف قد لا يقدر عليها، في حين أنّه يتقاضى مجرّد 300 دولار".

ويعبّر عاطلون آخرون من العمل عن تخوّف يتعلّق بالمؤسسات المشغلة. فعقد الكرامة لا يقيّد المؤسسات بأي التزام قانوني يقضي بترسيم أو قبول الشخص بعد سنتَين كموظف دائم في المؤسسة. وهو ما قد يعرّض الأشخاص إلى الطرد بعد سنتَين من العمل من دون توفّر سبب يستدعي ذلك. فيستبدل بعاطل جديد من العمل، مثلما كان يحدث في بعض آليات التشغيل الأخرى المقرّة سابقاً.

في السياق، ينتقد رئيس اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، سالم العياري، المنظومة الجديدة التي اقترحها رئيس الحكومة، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّها "مجرّد مبادرة لتقليص عدد المتمتعين ببعض الآليات السابقة على غرار عقود التأهيل للحياة المهنية ومنح البحث النشيط عن عمل، من 50 ألف شخص إلى 25 ألفاً فقط". يضيف أنّها لن توفّر "فرص عمل ثابتة، إذ إنّ المؤسسات قادرة على طرد الأشخاص بعد انتهاء العقد. إلى ذلك، فإنّ الحكومة لم تتصل بمؤسسات القطاع الخاص التي تعتزم انتداب أصحاب الشهادات العالية لتحديد الاختصاصات المطلوبة وعدد فرص العمل التي توفرها. ولم تتأكد من أنّ تلك المؤسسات سوف تلتزم باستمرارية عمل المنتدبين بعد انتهاء السنتَين، لكي لا نعود إلى نقطة الصفر ونخلق في كلّ مرة حلولاً مؤقتة".