عقدة الرئاسة اللبنانية

11 ديسمبر 2015
+ الخط -
حالة من الهستيريا والارتباك سادت في صفوف قوى سّياسيّة لبنانية كثيرة، بعد أن طرح الرّئيس سعد الحريري اسم النّائب والوزير السّابق سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية، حيث اصطدم التّرشيح بحائط الصّراع النّفسي عند أغلبية اللّبنانيين، نتيجة التّنافر الطّبيعي والمتوقّع بين المبادىء والاعتبارات الأخلاقية التي يؤمن بها كل طرف من جهة، وشهوة الفوز بالخلاص من جهة أخرى، الأمر الذي دفع محلّلين إلى لعب دور الباحثين النّفسيين، ليجدوا العلاج، فقد تبيّن، بما لا يقبل الشّك، أنّ أكثر النّاس مصابون بشيء منه، قليل أو كثير، وأجد أنّه قد يزمن عند بعضهم، فيسبّب لهم إنحرافاتٍ لا يحمد عقباها، تنتقل من الإزدواجية في الشخصية إلى الصراع النفسي.
لم تبدأ فصول قصّة الرّئاسة لحظة اقتراح اسم رئيس حزب المردة، سليمان فرنجية، إنّما أتت بعد مقدّمة وإهداء وحاشية وقضية وأحداث. قبل أن تصل إلى الفصل الذي نقرأ فيه الآن. ذلك أنّه، وبعد انتهاء عهد الرّئيس ميشال سليمان، طلب من البطريركية المارونية المبادرة إلى تشكيل طاولة حوار تدعو لها، ويشارك فيها أقطاب مسيحيّون ذوي تمثيلٍ واسعٍ من بين شخصيّات كثيرة مقدّرة ومحترمة وتتمتّع بوزنٍ سياسي، ورست حينها، ولا ندري كيف ولماذا أو على أيّ معيارٍ، على اختيار الشّخصيات الأربعة المعروفة للتباحث بموضوع الرئاسة، ولترشح بعدها أحدها أو من تراه مناسباً لذلك، وهم، كما بات معروفا، أمين الجميّل وميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية. ومنذ اللّحظة الأولى، سعى رئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، إلى تّسويق أحد المرشّحين المتوافق عليهم مسيحياً، وهو رئيس حزب القوات اللّبنانية، سمير جعجع، ورافقه في زيارات مكّوكيّة، وقبلها بالتّداول مع الدّبلوماسية الأميركية، ولكنها لم تفض إلى نتيجة. تبعها زيارات مماثلة للرّئيس أمين الجميّل قادها هو شخصيّاً ورشّح فيها نفسه، واقترح اسمه أمام المحافل الدّولية المؤثّرة، ولم تصل محاولاته أيضاً إلى رضا أو نتيجة فعليّة. في هذه الأثناء، كانت تتكثّف الاتصالات بين رئيس تيّار المستقبل ورئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، عبر مقرّبين منه، ومنهم صهره جبران باسيل، وحدث أن أبلغ الحريري مراراً من يهمّه الأمر أنّه لا يمانع من وصوله إلى الرّئاسة، في حال تأمّن له ذلك وذلّلت العقبات، وهو ما ترافق مع ثورة اعتراضات داخل تيّار المستقبل، من بعض كبار كوادره، حيث هدّدوا حينها بالاستقالة الجماعية. ولكن، ولأسبابٍ يعلمها المعنيون اصطدم التّرشيح بعواقب دوليّة وإقليميّة ومحليّة.
الأمر نفسه والغاية نفسها دفعت الحريري إلى خيار فرنجية، وسلكت المشاورات الطّريق نفسها التي سلكها موضوع ترشيح الآخرين من نادي الأربعة، وشارك فيها إلى جانب الحريري، هذه المرة، قادة من حزب الله، متعهدين في حال حصوله على قبول محلّي مقبول وإقليمي ودولي من المعنيين، السّير به، وتذليل العقبات من أمامه، وهو ما قابله الحريري بالعبارة نفسها لناحية إقناع حلفائه المسيحيين بالمبادرة.
هي عقدة الرئاسة اللبنانية في زمان التّسويات، فالمنطقة لن تنتظر طويلاً غنج اللّبنانيين، فأمامهم وقت قليل ليحفظوا ماء وجههم وكرامة وطنهم، واللاعبون الكبار في لبنان من المتورّطين بالصّراع الإقليمي بأمسّ الحاجة إلى هذه التّسوية لعدّة أسباب، أبسطها حجم خسائرهم، وأعقدها عدم قدرتهم على إدراك خواتيم الصّراع بعد أن طال.
avata
avata
كرم محمد السكافي (لبنان)
كرم محمد السكافي (لبنان)