عطوة كنانة: لستُ إسلامياً

17 مايو 2016
(كنانة في أحد أدواره، الصورة: صفحة الفنان على فيسبوك)
+ الخط -

كان عائداً من مكانٍ ذهب إليه ليرفع إحدى حلقاته على يوتيوب، وفي حوزته "ممنوعات": USB تحتوي حلقات ساخرة قد صوّرها، ليبثها على صفحته في فيسبوك. لم يعرف أن حاجزاً أمنياً ينتظره لتفتيشه هو وكل من مرّ؛ فاضطر إلى إلقاء تلك "الممنوعات" من النافذة، كي لا يقع بقبضة الأمن.

هذا ما حصل مع تامر جمال، المعروف بـ"عطوة كنانة" قبل سنوات، لم يتخلّ خلالها عن السخرية السياسية من نظام الحكم في مصر، متقمّصاً عدّة شخصيات مصرية؛ إما شعبية تشبه الناس، أو أخرى سياسية، على رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليبثّها في صفحته على فيبسوك.

في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يوضّح جمال طبيعة شخصية عطوة: "بدايةً، اسم الشخصية مستوحى من أمرين؛ كنانة ترمز لمصر، أما عطوة، فيرمز لاسم شعبي". يضيف: "أما الشخصية نفسها، فهي مستوحاة من عدة شخصيات أقابلها في حياتي اليومية، أشهرها صاحب محل تصليح إطارات السيارات (الكاوتش) الذي أذهب إليه".

يتابع: "رغم أنه رجل بسيط جداً، إلا أنه لا يمتنع عن الكلام في أي موضوع حسب رؤيته وتفكيره. هو لا يفهم كلام من يظهرون على شاشات التلفاز والقنوات الفضائية، ممّن نسمّيهم نخبة. ولديه عبارة أثيرة: سيبك من الكلام ده كله، واسمع مني؛ الموضوع كذا وكذا..".

في هذا السياق، يشير الفنان إلى أن هؤلاء الناس البسطاء لم يجدوا من يقترب منهم ويخاطبهم؛ "لذا، قرّرت أن أركزّ على هذه الشخصية، من خلال حديثها، مثلاً، مباراة الأهلي والزمالك وعن ضرورة "ارحل". حاولت أن أشرح ما يحصل في الميدان بطريقة مبسطة".

يعمل جمال معالجاً نفسياً، متخصّصاً بـالسايكودراما، أي استخدام التمثيل في علاج الحالات النفسية. وبحكم دراسته وتخصّصه، استطاع أن يقارب معرفته الأكاديمية بتلك التمثيلية، إلى جانب موهبته الموسيقية، فهو يعزف العود والناي والكلارينت. وأثناء الـ18 يوماً إبّان الثورة، وفقاً له، كان يحاول أن يلفت نظر الناس أكثر إلى ما يحصل في الميدان، فاشترى طبلاً وآلة نفخية هي المزمار البلدي، واستعملهما ليستميل المارة.

يُلاحظ أنّ العدد الأكبر من متابعي صفحة عطوة كنانة على فيسبوك هم من الإسلاميين، فبات من المتداول أن جمال ذو ميول حزبية إسلامية، إلا أنه ينفي هذا: "لستُ إسلامياً، وليس لي خلفية سياسية معينة، ولم أنتمِ إلى أيٍ من التيارات. وعلى العكس من ذلك، تصادمت بفترة ما مع الإخوان، في فترة حكم المجلس العسكري لمصر".

ويؤكد جمال أن تصنيفه على التيار الإسلامي أضره شخصياً: "أكثر من مرة أحاول أن أكتب على صفحتي الشخصية أنني لست إسلامياً، لكن وقعها سيُفهم أنني أتبرّأ منهم، فأتراجع؛ فأنا مسلم لكنني لست متأسلماً، ورغم سمتي أنني متدين وأقرب للإسلاميين إلا أنني عندما عزفت العود في إحدى الفيديوهات، أصبحت مُحيّراً، مسلم مسيحي معاً، أو مسلم ليبرالي، يجب أن يتم تصنيفك، أردت أم لم ترد".

عموماً، يركّز جمال في معظم أعماله على فترة ما بعد الانقلاب، إلى درجة أن بعضهم يعتقد أن يحصر نفسه في هذه المسألة. إلا أنه يوضح: "لم أقصد حصر نفسي في حالة الانقلاب فقط، لكنني أعمل في العلاج النفسي صباحاً وفي العيادة مساءً، وفي وقت الفراغ، أبدأ بتجهيز الفكرة وكتابتها وتمثيلها، ثم أصورها وأقوم بعمل مونتاج لها. والفكرة في أساس الأمر لا تأتي إلا كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وعليك أن ترتب أولوياتك".

يتابع: "كنت أعتقد أنني إذا تكلمت عن أحداث ومواضيع أخرى غير ما يحدث في الميدان سيكون نوعاً من الهروب، فأولوياتي تكمن في أن يرحل لصوص البلد إلى غير رجعة".

يتطرّق الفنان إلى دور الفن في خدمة القضايا الإنسانية والاجتماعية، مشيراً إلى أنه استفاد من دراسته في سياق السخرية أيضاً، بوصفها وسيلة تواجه الأفكار. وحول الفن نفسه في مصر، يقول: "كان الفن أداة للبناء فترة الثورة، لكن بعدها تحوّل إلى أداة هدم" يوضّح: "مع الاستمرار الفج للنظام في سرقة المواطنين، أحاول أن أوجّه رسائل مضادّة للسرقة وهدمها، وليس رسائل تُخدّر المسروق والمتعرّض للظلم".

يتابع: "الفن وسيلة تخدم أي مجال في الحياة، فهو يخدم السياسة، والتعليم، والاقتصاد، ونشر الوعي، والصحة، وإنني أريد أن أخدم في الجانب الوطني وليس هدفي الجانب السياسي، ليس هدفي مَن على رأس الحكم أو حزب من الذي يفوز، هدفي هو إخفاء هذه العصابة التي تحكمنا".

تزامن ظهور السخرية السياسية وازدياد انتشارها في عام 2011 على مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب. لاحقاً، تبنّى كثير من القنوات التلفزيونية فنانين ومذيعين وأخذوا يبثون لهم برامج، إلا أن يوتيوب يظل، بالنسبة إلى جمال، أكثر قدرةً على الانتشار، وأكثر حرية. يفسّر:

"فالقنوات تتصادم مع تعقيدات إدارية وإجراءات حجز أو إمكانيات، كالمونتير والكاميرات والتصوير، أما اليوتيوب فيمكّنني بكاميرا الموبايل في لحظة أن أصنع فيديو".

يتابع: "أما المكياج فأعمل عليه بنفسي. أستخدم الميك آب الخاص بالسيدات، وباروكات الشعر؛ أي استخدام للأدوات البسيطة. مثلاً، أستعمل البن لتسويد لون بشرتي، أما إذا كنت في التلفزيون فهناك الماكيير الذي لا يعرف ماذا أريد بالتحديد".

يروي: "في يوم العيد الذي سبق مجزرة فض رابعة مباشرةً، كنت على منصة الميدان، شاهدت المعتصمين وقد أصبحوا يمتلكون صلابة، لقد كانوا في معسكر ليل نهار، وشاهدت الأطفال كأنهم بالفعل في معسكر تدريبي، وقمت بعمل شخصية عطوة يحمل بالونات وحلوى كثيرة جداً، كشخصية بابا نويل ويوزعها على الأطفال في الميدان وقد تفاعلوا معه كثيراً".

هكذا، يستبعد جمال أن ينتقل إلى إحدى القنوات ويحترف عمله بالتمثيل، لأنه، كما يقول، للاحتراف شروط: "وقد حاولت قنوات مشهورة أن تتعاقد معي، لكن كانت لي شروطي أيضاً؛ كأن لا يتدخل أحد في النص، وأن أشرف على مونتاج الحلقات بنفسي، وعدم إلزامي بوقت محدد للعرض..".

إلى جانب ذلك، يوضح جمال أن بعض القنوات يضيّق على الممثل، أو لا يمنح عمله أهمية، خصوصاً القنوات الإسلامية التي لا تجد الفن مهمّاً، فتعطيه وقتاً ضئيلاً، ولا تقدّر له تغطية مادية جيدة كالقنوات الليبرالية مثلاً.

هنا، يذهب جمال للحديث عن المذيعين والفنانين الذين عُرفوا عبر وسائل الإعلام المختلفة، مثل باسم يوسف. يقول عن الأخير: "إنه حالة جيدة، لكن أسيء استغلاله. كان بإمكانه أن يبني ويؤسِّس لما هو أفضل، إلّا أن أحداً لم يستثمره أو يدعمه". يضيف: "باعتقادي، العسكر هم من استثمر يوسف بمنتهى السهولة؛ فهم من يملكون العرض".

(مصر)

دلالات
المساهمون