عصفور نور شمس
لا أعرف أحداً منهم، فقط تربطُهم صداقة "عصافير" مع ابن عمي الذي يبحث عن عصفور فريد من نوعه في فلسطين. هل في المخيم عصافير! عصافير جميلة. يقول عبد الفتاح سأدخل أمامكم بسيارتي، وأنتم اتبعُوني، ندخل وراءه مباشرة. في كل 20 متراً هناك مُفترق أزّقة تُودِي بك إلى حارات تشعُر أنها ستوْدِي بك إلى أزقة أكثر وأضيق!
لعنةُ الله على الزّقاق والضِيق، سيتوه عبد الفتاح على الأقل مرتين، "والتيه في المخيم مُكلِف". إنك تدخل من شارع لتخلص لتنتهي منه، فكيف إنْ تُهت وعُدت مِنْ حيث دخلت! اللعنة على مَنْ كان سبباً في تِيهنا في شارع أو حارة أو مدينة نعرفها جيداً.
يتقدم عبد الفتاح بسيارته سريعاً، ولا سيارة أخرى مُضادّة في الاتجاه تُلاقِينا، فليس ثمة مساحة لتمُرّ سيارتان متعاكستان في الاتجاه. وما الفائدة مِن وجود كل هذه الطرق واللفّات، إنْ لم تكن واحدة منها تقود إلى يافا؟ هكذا قلت لنفسي.
نتوهُ عن عبد الفتاح، الأمر أصبح بحاجة لخط هاتف مفتوح ومُتواصل، لنظل وراءه مباشرة، يقول عبد الفتاح انظر للبيت المائل على اليسار، أنا أقف أمامه.
يا عبد الفتاح، كل البيوت مائِلة، وألف طريقٍ، هنا، تقودُ إلى اليسار. فمِنْ أين نستدّلُ عليك؟
يترجّل من سيارته، ويقول: "دقيقة وبكون عندكم".
ثم وصلنا وقادنا إلى المكان الذي ركن فيه سيارته في انتظارنا لنعود مجدداً، نمشي خلفه. وأخيراً، وصلنا إلى منزل غالِب الذي يقطُن في آخر المخيم، في أعلاه.
لم يُعجبنا العصفور، كما قال ابنُ عمي، يبدو أنه ليس أصليّاً. "هذه مهنته، أما أنا فأعجبني شكله وصفيره. لكنّ خِبرتي قليلة جداً بالعصافير، ولا حُكم لي".
نشرب قهوتنا بسرعة، فالعودة طويلة من آخر المخيم إلى الشارع الرئيس.
مع أنّ الساعة لم تتجاوز الواحدة والنصف ظهراً، لكن، خِفنا أنْ لا نخرج قبل غروب الشمس وأنْ يحل الظلام، ونحن نحاول الخروج.
الأمر شبيه جداً بتعقيدات قضية اللاجئين، فالدخول بالقضية للخروج منها يلزمُه تعبٌ ووقتٌ طويل. يقترح عبد الفتاح أن نعود من طريق آخر أيسَر."لا طريق أيسر أو أقصر من طريق هنا، فلماذا هذا الاقتراح يا عبد الفتاح".
نريد أن نعود من الطريق نفسه، لنتوه التِيه نفسه، فالتيه مرتين أمر مُقلِق.
تبسّمنا لحظة خروجنا من الأزقة، كالخارجين من حرب بإصاباتٍ خفيفة.
أنظُر لوجوه الناس، وأتساءل، وحدي، يا إلهي، مَنْ أتى بهم هُنا؟ متى يعودون؟ مَنْ أرعبَهم؟ مَنْ أوهمهم؟ مَنْ توَّهَهُم.
وكان ثمة نُوّار اللوز على قليلٍ من أطراف المخيم، وأطفال لا يلهون بشيء. وبماذا سيلهون، ألا يكفيهم من يلهو بهم منذُ 66 عاماً.