ليست المناطق العشوائية أمراً جديداً في مصر. لكن الجديد أو المشكلة أنها إلى زيادة. أمر يعكس خللاً في استراتيجيات الحكومة المتبعة لإيجاد حلول طويلة الأمد.
قالت المفوضيّة المصريّة للحقوق والحريّات إنّ نسبة العشوائيّات تمثل 38.6 في المائة من إجمالي العمران في مصر، فيما تمثّل نسبة الكتلة العمرانيّة الخالية من المناطق العشوائية نحو 61.4 في المائة من مساحة الكتلة العمرانية. من هنا، أعلنت رؤيتها الحقوقيّة والعمرانية لهذه المشكلة، وأرسلتها إلى متخصّصين.
يشار إلى أنّ قضيّة الإسكان العشوائي في بعض بلدان العالم تعدّ تجسيداً حيّاً لتشوهات في السياسات الاقتصادية والعمرانية للدولة. وتتفاقم الأزمة في ظلّ إهمال الحكومات وفشلها في وضع استراتيجيات سريعة لحلّ تلك القضية وتعديل سياساتها العامة.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أشار إلى أنّ المناطق العشوائيّة على مستوى مصر تقدّر بـ 1331. وكان لمحافظة القاهرة نصيب الأسد، وقدّرت المناطق العشوائيّة فيها بـ 81، منها 13 منطقة تجب إزالتها، و67 تحتاج إلى ترميم. وفي وقت سابق، أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أبو بكر الجندي، أن التقديرات تشير إلى زيادة المناطق العشوائية بنحو 1030 منطقة جديدة.
كذلك، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء المصري، تقريراً في عام 2012، أكد فيه أن صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان المصرية حدّث الخريطة المتعلقة بحصر المناطق غير الآمنة في مصر، وتبيّن أنّها تمثّل 383 منطقة غير آمنة، تشمل 39 منطقة خطرة من الدرجة الأولى، و226 منطقة خطرة من الدرجة الثانية، و68 منطقة خطرة من الدرجة الثالثة، و20 منطقة خطرة من الدرجة الرابعة.
حياة ليست بسهلة (العربي الجديد) |
وتشير المفوضية إلى أن إجمالي مساحة المناطق ذات الخطورة من الدرجة الثانية هي 2.2 ألف فدان أي بنسبة 71.5 في المائة من إجمالي مساحة المناطق العشوائية. أما المناطق ذات الخطورة من الدرجة الثالثة، فتقدّر بـ 1.1 ألف فدان، بنسبة 16.8 في المائة من إجمالي مساحة المناطق العشوائية. أما المناطق الخطرة من الدرجة الأولى والرابعة فتمثل نحو 11.7 في المائة من إجمالي المناطق العشوائية.
وتشمل الدرجة الأولى المناطق التي تهدّد حياة الإنسان بصورة كبيرة، والدرجة الثانية المناطق التي تضمّ مساكن غير ملائمة، والدرجة الثالثة المناطق التي تهدد الصحة العامة، والدرجة الرابعة المناطق التي يفتقد سكانها الحق في الحيازة.
وفي عام 2015، كشفت وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات عن ظهور 26 منطقة غير آمنة منذ عام 2009. ومؤخراً، أعلن محافظ القاهرة، عاطف عبد الحميد، أنّ درجة خطورة المناطق العشوائيّة في العاصمة تتراوح بين أولى وثانية وثالثة ورابعة. وأكد أن الحكومة تعمل على توفير 67 ألفاً و600 وحدة سكنية في مشروع الأسمرات، وغيره من مشاريع الإسكان الحكومية، لاستيعاب المناطق العشوائية في القاهرة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد افتتح في الثلاثين من مايو/ أيار عام 2016، المرحلتين الأولى والثانية من مشروع "حي الأسمرات" للإسكان الاجتماعي في منطقة المقطم. ويتضمن المشروع 11 ألف وحدة سكنية، ويهدف إلى القضاء على العشوائيات الخطرة في مناطق الدويقة وإسطبل عنتر وعزبة خيرالله.
وتتكون المرحلة الأولى للمشروع، والتي جرى الانتهاء منها، من 173 عمارة، وقد أقيمت على أرض ملك لمحافظة القاهرة وتبلغ مساحتها 65 فداناً. أما المرحلة الثانية من المشروع، فمولت من صندوق "تحيا مصر" وتتضمن 140 عمارة سكنية تضم نحو 4722 وحدة سكنية. إلّا أنّ مصدراً مطّلعاً في وزارة الإسكان أكد أنّ نسبة الإشغال في مدينة الأسمرات، التي أسسها النظام المصري بدعوة من السيسي من أجل القضاء على ظاهرة العشوائيات، تقل عن 10 في المائة. ولم تتمكّن الحكومة المصريّة، ممثّلة بوزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات ومحافظة القاهرة، من إقناع أهالي المناطق العشوائية الخطرة من الانتقال إلى مشروع إسكان الأسمرات.
وأشارت المفوضيّة المصريّة للحقوق والحريّات إلى أنّ العشوائيات في مصر خلقت فجوة عمرانية كبيرة، فضلاً عن الصراع الاجتماعي والثقافي بين بعض سكان المناطق العشوائية وباقي سكان المدن، ما جعل الشارع المصري في حالة من عدم الاستقرار. وتوضح أنّ المناطق العشوائية تقع على حدود العديد من المدن، ويفتقر سكانها إلى أبسط حقوقهم المعيشية، خصوصاً الحقّ في السكن الملائم. يشار إلى أن عدم قدرة بعض السكان على تملك الأراضي، عدا عن غياب الحماية القانونية لهم، يعرض السكان إلى خطر الإخلاء القسري.