يتمنى بعض سكان مكّة المكرّمة التي تنتشر فيها العشوائيات، أن يُعمل على تطويرها بدلاً من إزالتها، إذ إن بعضها يضمّ جزءاً من التراث المكّي. وكان تفاقم مشكلة العشوائيات وتردّي مستوى الخدمات وانتشار الجريمة فيها، قد دفعت الحكومة السعوديّة في العام الماضي إلى البدء بإزالة بعض الأحياء العشوائيّة في المدينة، ومنها حيّ قوز النكاسة.
وقد انطلقت العمليات لإزالة نحو 1250 مبنى وعقاراً، في إطار خطة تطوير المناطق والأحياء العشوائيّة، وذلك بعدما اختارت أمانة العاصمة المقدسة خمسة أحياء في مكّة، لتكون نواة أولى لتطوير المناطق العشوائيّة، وهي: حيّ جبل الشراشف في مشروع جبل عمر 2، وحيّ الخالديّة خلف قصر الزمردة، وحيّ الزهور الذي يقع جنوب الطريق الدائري الثالث، وحيّ الكدوة، وحيّ النكاسة.
من جهتها، بدأت أمانة محافظة جدّة في العام الماضي، مشروع تطوير للمناطق العشوائيّة في أحياء غليل وبترومين جنوب جدّة، وقد باشرت في إزالة 720 عقاراً منزوع الملكيّة لصالح مشروع التطوير. ويشمل المشروع تنفيذ ثمانية شوارع رئيسيّة، تخلخل تركيبة الأحياء العشوائيّة وتساهم في وصول الخدمات بشكل أفضل، بحسب ما أعلنت الأمانة. لكن أهالي المدينتَين يشيرون إلى أن بعض العشوائيات تُزال في حين تُنشأ أخرى.
وتتركز المناطق العشوائيّة في السعوديّة، في مدينتَي مكّة المكرّمة وجدّة بشكل واضح، كنتيجة لنشوء بعض المناطق السكنيّة بشكل غير نظامي، من دون الحصول على تراخيص بناء من قبل الأمانة والبلديّة. وهو الأمر الذي يجعل توزيع الخدمات فيها قاصراً، وغير خاضع لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني.
وتفتقر بالتالي شبكة الطرقات في هذه الأحياء إلى التخطيط، فتتباين عروضها نتيجة البناء العشوائي، حتى إن بعضها لا يسمح أحياناً بمرور السيارات.
وتأتي البنى التحتيّة فيها، من شبكة مياه الصرف الصحي والكهرباء والهاتف، أقلّ مستوى من المطلوب ولا تخدم المباني كافة. وتجدر الإشارة إلى محاولات لتطوير المناطق العشوائيّة، في خلال الأعوام الثلاثين الماضية بمبادرات اعتمدت على الجهود البلديّة، بيد أن النتائج ظلت محدودة.
بالنسبة إلى المهندس جمال شقدار وهو عضو في مبادرة "معاد"، فإنهم يسعون إلى تعزيز الهويّة المكيّة عبر إطلاق أسماء على العشوائيات في الأحياء الشعبيّة. ويعزو السبب إلى أن هذه الأحياء تضمّ جزءاً من التراث المكّي، الأمر الذي يتطلب تطويرها. يضيف أن بعض هذه الأحياء تضمّ ما بين 50 و60% من السعوديّين، فيما بعضها الآخر يضمّ مقيمين بنسبة تصل إلى 90%. فحيّ قوز النكاسة مثلاً الواقع في جنوب مكّة، كان منطقة جبليّة اختارتها الجالية البرماويّة في بداية توافدها بعدما استضافتها المملكة. لكن الحيّ الذي بناه البرماويّون يعاني نقصاً في الخدمات، وعدم توفّر نظم للشؤون الصحيّة والبيئيّة والأمن والتوجيه.
ويتابع شقدار أن "منطقة شارع منصور الهنداوية التي تستوطنها الجاليات الأفريقيّة المهاجرة، تعاني من المشكلات نفسها التي يعانيها حيّ قوز النكاسة".
من جهتها، تقول المتخصّصة في علم الاجتماع نورة الحمودي، إن أبرز عشوائيات جدّة هي غليل وبترومين في الجنوب. وتضمّ تلك العشوائيات جاليات من أفريقيا وإندونيسيا والهند وغيرها. وتعيد أسباب نشوئها إلى ترك السعودييّن بعض الأحياء القديمة وحلول الجاليات مكانهم، مشيرة إلى أن "بعض الأسر السعوديّة في هذه العشوائيات لا تتركها للبقاء بالقرب من جيرانها، وأيضاً لأنها قريبة من بعض الخدمات العامة مثل الجامعات والدوائر الحكوميّة، وبسبب وقوعها في وسط المدينة وشمالها". يُضاف إلى ذلك، عامل انخفاض الأسعار في هذه الأحياء.
بالنسبة إلى الجاليات أيضاً، تُعدّ بيئة هذه الأحياء عاملاً مساعداً لذوي التوجّه الإجرامي، إذ يسمح لهم قرب البيوت بعضها لبعض، الاختباء والفرار منها بسهولة في حال دهمت الشرطة المنطقة.
وتلفت الحمودي إلى أن "تجمّع كل تابعيّة في منطقة معيّنة، جعل بعض الأحياء يُعرف باسم هذه الجاليات. وفيها، يمارسون نشاطاتهم التجاريّة والحياتيّة بشكل مستقلّ. وهو ما نسمّيه في علم الاجتماع العزل المكاني".
من جهة أخرى، تضمّ هذه العشوائيات عوامل طرد خصوصاً للسعوديّين. فهي لم تعد مناسبة للعيش، بسبب تهالك الأبنية السكنيّة وعدم توفّر الخدمات مثل الصرف الصحي، بالإضافة إلى ارتفاع معدّل الجريمة، ولا سيّما ترويج المخدرات.
وتتحدّث الحمودي عن دور أزمة السكن حالياً في بروز عشوائيات جديدة، قائلة إن "بعض سكان جدّة بدأ يتوجه إلى المنطقة الشماليّة، وذلك بوضع اليد على الأرض المشاع أو بشرائها من آخرين بأسعار رخيصة من دون صكوك".
وتتابع أنه "بشكل عام، يُلحظ انخفاض في المستوى الثقافي لدى سكان المناطق العشوائيّة، بالإضافة إلى غياب الاهتمام بالرياضة أو الصحة".