وأضاف بشارة، في حوار مع برنامج "وفي رواية أخرى"، على "التلفزيون العربي"، أنه خلال اللقاء الأول كان بشار يقول إن لديه نزعة إصلاحية، وكان الانطباع أنه لم تكن لديه رواسب في العلاقة مع ياسر عرفات، لعدم وجود تاريخ من الصراع بينهما، وأنه أقل حزبية من والده ويرى أن القيادة القومية لحزب البعث ليس لها مكان.
وأوضح أن بشار كانت لديه سياسة مختلفة تتعلّق بـ"لبرلة الاقتصاد وليس السياسة"، وهذا أهم ما ميّز فترة حكمه، فالاقتصاد السوري كان في وضع صعب، إذ يحكمه قطاع عام تمتلكه الدولة، والتي بدورها تسيطر على رأس المال، ولكن فترة بشار تميّزت بتشكيل طبقة قائمة على نظام القرابة تحالف فيها أبناء المسؤولين مع رجال الأعمال وأجهزة الأمن، فنشط رأس المال الخاص خارج سيطرة الدولة، لكنه كان تعبيراً عن قطاع خاص احتكاري.
واستطرد متحدثاً عن حكم بشار الأسد: "كان هناك توجه نحو الليبرالية الاقتصادية والسلطوية السياسية، والنظام كان يتخلّص من بقايا ما يمكن تسميته اشتراكية الدولة".
وأوضح بشارة أنه نتيجة لسياسات بشار الأسد، فإن من ثار في 2011 على هذا النظام كان قواعد حزب البعث، الثورة السورية ثورة بعثية وليست إسلامية، نتيجة تغير توجه النظام من الاعتماد على الفلاحين وقواعده الحزبية إلى الاعتماد على التحالف بين أبناء المسؤولين وأجهزة الأمن ورجال الأعمال.
وعن انطباعه عن شخص بشار الأسد، ذكر بشارة أنه حينما التقى بشار الأسد أول مرة لم يكن يجلس أمام شخص غبي، بل كان ذكياً، لكن ليست لديه حساسية لآلام الناس، وهو شاب غير عصامي لم يتعب في المنصب ويشبه أبناء الأغنياء المدللين.
وقال عزمي بشارة إنه التقى زعيم "حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله، عدة مرات، بعد الخروج من فلسطين عام 2007، مؤكداً أن: "مواضيع النقاش لم تكن أمنية، والحديث كان سياسياً".
وأبدى بشارة إعجابه بالمقاومة اللبنانية في حربها ضد إسرائيل، وقال: "موقفي كان في العموم مؤيداً للمقاومة، ومُعجباً بالنموذج الذي قدمته المقاومة اللبنانية ورغبتها في تحرير لبنان، وأنا كفلسطيني كنت مدركاً أن إسرائيل لن تتمسك بجنوب لبنان تمسّكها بالضفة الغربية والقدس".
لكنه أكد أنه الآن ضد سياسات حزب الله في لبنان وسورية.
كذلك تحدّث المفكر والباحث العربي عن تعرض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى ضغوط لحضور مفاوضات كامب ديفيد، وأنها فشلت نتيجة تمسكه بالقدس عاصمة لفلسطين، مضيفاً: "وحينما عاد إلى بلاده، استقبله الشعب الفلسطيني استقبال الأبطال، وقلت له إن الشعب الفلسطيني استقبلك كصلاح الدين، لأنك رفضت التنازل عن القدس، فما بالك لو حررتها".
وقال عزمي بشارة كذلك إن دولة الاحتلال الإسرائيلي سعت إلى التخلص منه في 2007، وأجرت معه تحقيقات، وكان سيصدر أمر باعتقاله لولا مغادرته البلاد.
وأوضح أنه أدرك أثناء التحقيق معه أنهم سيوجهون إليه تهمة "التعاون مع العدو في زمن الحرب"، وهي التهمة الوحيدة التي ينص القانون الإسرائيلي على أن عقوبتها الإعدام، هي وجرائم النازية، ويستبدلونها عادة بحكم المؤبد.
وأشار إلى أن الإدارة الإسرائيلية لم تُدرك أنه سيخرج من البلاد ولن يعود بعدها، وأنه حينما خرج لم يكن قد قرّر بعد عدم العودة مرة أخرى، حتى إنه غادر حاملاً قميصين فقط، وبعدها انتشرت الأخبار في الصحافة الإسرائيلية وسمع معلومات دقيقة وصلته من نواب عما تنوي إسرائيل فعله، ولذلك قرّر البقاء في الخارج.
وشدد على أنه كان يقدم عملاً برلمانياً مدنياً ناجحاً، لكنهم "دفعوا بالاتجاه الأمني للتخلص مني".
وعن سبب اختياره الإقامة في قطر، قال عزمي بشارة: "عندما قابلت الشيخ حمد بن خليفة، والد أمير قطر، وشرحت له ما حدث، قال لي: البلد بلدك، وكذلك عندما زرت سورية رحّب بي، وأيضاً إميل لحود رئيس لبنان السابق قال لي: "خليك عندنا"، وهكذا الأردن، ولكن الاختيار وقع على الدوحة بسبب العلاقة الخاصة، وكذلك حرية العمل والنشاط".
وأضاف: "اخترت قطر، لأنني أعلم طبيعة إقامة المنفيين السياسيين في سورية وكيف يتم التعامل معهم، فأنا كنت ألتقي رئيس الجمهورية، وحينما أكون منفياً سياسياً سأقابل ضابط مخابرات مقابلة الرئيس، وكانت ستفرض قيود على نشاطي الفكري والسياسي، خاصة وأن لي مواقفي الداعمة للمثقفين السوريين، وفي حالة الأردن، قيل بشكل واضح، إنهم لا يرغبون في أي ظهور أو نشاط من داخل الأردن، ولبنان كان الوجود فيه سيثبت التهم ولن يستطيع أحد من عرب الداخل وعائلتي زيارتي أو التواصل معي، فكان الحل الأمثل هو قطر".
ونفى عزمي بشارة عمله مستشاراً لأمير قطر تميم بن حمد، قائلا: "أنا لست مستشاراً للأمير، ولم أكن مستشاراً سابقاً، وليس عيباً أن أكون مستشاراً للأمير، وهذا فخر واعتزاز".
وأكد أن علاقته بالشعب والمجتمع القطري والقيادة القطرية "وثيقة جداً".
وعبّر عن سعادته في قطر، وقال إنه سعيد لعدم تدخل الدولة في رأيه أو عمله البحثي وإنتاج المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وقال بشارة إن نظام الحكم القطري ليس ديمقراطياً، ولكنه نظام إمارة تقليدية والسكان راضون به، ويعيش على شرعية الأسرة الحاكمة وعلاقتها بالأسر الأخرى.
وأضاف أن قطر لا تخشى الديمقراطية لأنها ليست مطروحة لديها، والناس لديهم مطالب في قطر، وأبرزها قضايا متعلقة بحقوق العمال.
وعن إنشائه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قال بشارة إنه كانت لديه قناعة بوجوب اجتماع المثقفين العرب لعمل أبحاث علمية، للاستفادة منها كإنتاج معرفي، وكان التجمع صعباً ونحتاج التمويل، وتلقيناه من الدولة القطرية.
ولفت إلى أن أهم ما يميّز العمل في هذا البلد أن الدعم ليس مشروطاً، عكس الدعم الأوروبي لإقامة مشاريع بحثية الذي يقوم على أجندات سياسية تحاول التحكم فيها وفرض شروط لتنفيذ ما يرغب فيه الممولون.
وأشاد بشارة بالمركز العربي، وقال إنه الآن ينافس أكبر المراكز في إيران وإسرائيل وتركيا.