عزلة المثقف

24 سبتمبر 2015
كيف يكونُ المثقف سياسياً؟ (Getty)
+ الخط -
كيف يكونُ المثقف سياسياً؟ سؤال كهذا يبدو متاهةً في خضم تلك العزلة التي يعيشها المثقف في الوقت الراهن، سؤال تتمخض عنه، وتتفرع من أجوبته متاهات كبرى في محاولة فهم ذاك الصراع المحتدم والخفي بين المثقف والسياسي، ولنتفق أولاً، أن محاولات الفهم والتقصي في معرفة حدود كليهما، ستعزز لا محالة من القدرة على التمييز في الأدوار والدوال والأهداف، وإن كان التاريخ يسجل علاقة متشنجة، متوترة بين المثقف والسياسي، خاصة فيما يتعلق بعقدة السبق في سبر أغوار الكائن البشري واستضمار قدراته الذهنية والفكرية والسلوكية، إلا أن الوقت الحاضر والمستقبل ينبئان بمزيد من التوتر والتشنج.


من المؤكد أن الأمة العربية منذ السبعينيات إلى حدود الآن تعيش على وقع تحولات جوهرية على كافة الأصعدة، ما نراه وما نسمعه وما نقرأه هنا وهناك يشي بمزيد من المخاضات العسيرة، أين هو المثقف من كل هذا؟ من المؤكد أننا نعيش أزمة حقيقية في التعاطي مع عدد من الأمور، ومن المؤكد أيضاً أن الهوَّة بين المثقف وقضاياه آخذة في الاتساع، بتعبير أكثرَ دقة: المثقف في عزلة، خرج من الباب الضيق واستكان في عزلةٍ تامة، السياسي أيضاً صار مجرد بوق للشعارات الجوفاء والأهازيج الفارغة، كيف يكون المثقف سياسياً وهو معزولٌ عن بيئته ومحيطه، منفصل عن قضايا عصره، صحيح، أن ثمة تغيرات طرأت على الجسم العربي، وصرنا أمام الكثير من الإكراه، لكن قضية الالتزام أو الأدب الملتزم طُرحت منذ سنوات للدلالة على أهمية حمل رسالة أو التعبير عن موقف، وهذه القضية شملت الأدب الكوني، ولم تكن مقترنة بالأديب العربي.

إن علاقة المثقف بالسياسي تُراوح مكانها، بل يُمكن أن تتجاوز حدودها وشروطها، لكن في النهاية، تبقى علاقة قائمة على الجدال والاستشكال المعرفي، نظراً للتركيبة الذهنية والبنية المعرفية لكلا الطرفين، مما يجعل مسألة تواؤمهما أمراً بعيد المنال، من ناحية أخرى، خفتت تلك الحدة في النِّقاش حولهما، وتحول الجدال إلى مجرد يافطة نُعلق عليها أحلامنا وأمانينا، وملاك القول، إن دور المثقف في المجتمع تراجع بشكل مهول في السنوات الأخيرة، وانحسر أفقه حتى صرنا نعيش زمن أنصاف مثقفين، في مقابل هذا الأفول بزغ "نجم" السياسي، وصار المحرك الأساسي لدواليب القضايا دون التزام أو مواكبة أو تحليل، فقط ثمة ما يشبه الفوضى المنظمة.

(المغرب)